نشرت الصحف القومية (الأهرام، والأخبار، والجمهورية) اليوم الخميس، النصّ الموحد للجزء الثاني من حوار رؤساء تحريرها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي جاء غنيًا ومتنوعًا- كمًا وكيفًا- بالمقارنة بالجزء الأول.
وحفل هذا الجزء بأحاديث عن عدة ملفات وقضايا داخلية وخارجية، لم تقدم في أحيان كثيرة معلومات واضحة أو قرارات محددة، وإن حرص الرئيس، في بعضها، على حسم نقاط بعينها والتأكيد على رسائل قرأتها "المنصّة" بين السطور.
عبارات عامة
كانت أغلب إجابات الرئيس عن أسئلة الجزء الثاني من الحوار تحتوي عبارات عامة تتناول فقط قشور الملف محل السؤال، ولم يقدم أكثرها إجابة وافية.
ظهر هذا واضحًا في السؤال الثاني من الحوار، الذي وجهه المحاورون صريحًا للرئيس، عما لو اتخذ قراره بشأن الترشح لفترة رئاسية ثانية؛ لكنه في الإجابة لم يزد ردّه عن سطر واحد، طلب فيه تأجيل الأمر إلى حينه، فيما يبدو كتجنب منه للحديث في هذا الملف، رغم ما يدور حوله من جدل بين مؤيديه ومعارضيه.
تجنب الرئيس الحديث عن تفاصيل محورية في أكثر من إجابة قدمّها عن القضايا موضع الجدال، مثل الحرب الأهلية السورية وملف سد النهضة الإثيوبي. وجاءت إجابته عامة وبعبارات دبلوماسية للغاية من قبيل "العلاقات المشتركة، والاحترام المتبادل، والحفاظ على المصالح" دون أن تحمل معلومة محددة.
وتكرر تجنب الرئيس للخوض في التفاصيل في إجابته على الأزمة الحالية بين السلطتين "التشريعية، والقضائية"، فعلى الرغم من أن السؤال المطروح كان بصيغة تحريضية: ".... نعلم أنك لم تشأ التدخل احترامًا للسطة التشريعية، ثم وجدنا مجلس الدول يُرسل إليكم اسم مرشح وحيد لرئاسة المجلس، خلافًا لنص القانون.. كيف ترى علاقة الحكم بالقضاء؟"
إلا أن إجابة الرئيس على هذا السؤال، كانت عامة للغاية، ويمكن أن توضع كإجابة على أي سؤال آخر يتعلق بأي جهة أخرى، مع تبديل المسميات فقط، بما شملته من عبارات مثل "احترم كل مؤسسات الدولة، وسأتخذ قراري طبقًا للقانون والمصلحة الوطنية".
تحت السيطرة
الحوار نفسه، الذي تجنب الرئيس الحديث فيه عن ملفات بعينها، اختار في أجزاء أخرى منه أن يتكلم بحسم ووضوح. وهو ما ظهر جليًا في سؤالين تعلّقا بالأمن القومي، بإجابات تؤكد سيطرته على الأمور، رغم أفاعيل "المغرضين".
فحين طرح المحاورون سؤالاً عما يتردد عن "صراع الأجهزة"، كان الرد واضحًا بالنفي، بل وبتأكيد أن السيطرة الرئاسية مُحكمة: "هذا الكلام غير موجود على الإطلاق، ولا تنسوا أن هناك مُغرضين يطلقون شائعات، الهدف منها النيل من هيبة الدولة".
بل وتأكيدًا لإحكام السيطرة، قال الرئيس: "....ومعنى الصراع غياب صانع القرار.. إنني أنظم العمل بين الأجهزة بحكم سلطاتي الدستورية.. فكيف يحدث صراع.. (أمال أنا بعمل إيه؟)".
هذه الثقة في التعامل مع الملفات الشائكة، والرغبة في طمأنة قارئ الحوار على استتباب الأمن، صدّرها الرئيس في إجابته عن الملف الأكثر خطورة "مكافحة الإرهاب"، فعلى الرغم من عدم تسميته أجلاً محددًا لتشكيل "المجلس الأعلى لمكافحة التطرف والإرهاب"، إلا أنه قلل من الخصم الذي تحاربه الدولة، حين سُئل عن حجم خطورته..
قال الرئيس لمحاوريه: "لا.. لم يعد الإرهاب يهدد بقاء الدولة المصرية..... والموقف بالنسبة للحرب على الإرهاب تحسن بشكل كبير، وقدرتنا على المجابهة تزداد بصورة كبيرة".
ونبرة الثقة هذه، كانت ملازمة للرئيس، حتى حين سُئل عن صناعة القرار، إذ أكد أن "الأداء يتطور كل يوم إلى الأفضل".
علاقات وردية
بدا الرئيس خلال الحوار كرجل على وفاق مع جهات داخلية عدة حتى تلك التي وجه لها انتقادات في أوقات سابقة.
بسؤاله عن الأحزاب السياسية المصري، جاء رد الرئيس مغلفًا بعبارت "أبوية"، تتحدث عن الأحزاب وكأنها جزء من النظام، بقوله "علينا ألا نسييء لأحزابنا، ونصفها بأنها كرتونية أو ضعيفة. يجب أن نُشجعها لتقوم بدور أكثر فاعلية..... وأنا داعم لهم جميعًا".
بل قال الرئيس عن الأحزاب، نصّا ربما يدفع القارئ لتصورها كما لو كانت متماهية تمامًا مع الدولة: "إنني ضد الإساءة لقوانا السياسية، ونكون أشبه بمن يعاير ابنه، لو رسب في مادة، ولا يعاونه على النجاح".
وكما أشاد الرئيس، في الجزء الأول من الحوار، بعث برسائل مطمئنة ودودة، إلى جهات مثل الأزهر، الذي اعترت علاقته وشيخه بالسيسي، خلاف في وقت ليس ببعيد، ليخرج الرئيس في حواره اليوم مُدافعًا عن قداسة المؤسسة السنية الأبرز.
ومثل الأزهر، نظر الرئيس للإعلام بعين الرضا، في إجابة عن سؤال كان أقرب لطلب تقييم أداء، إذ قال المحاورون نصًا للرئيس: "نسألك في كل مرّة عن الإعلام المصري.. هل تجد أنه بدأ يصحح مساره، أم يرتد إلى الوراء؟"، وهو ما رد عليه الرئيس بتأكيد تحسن الأحوال.
لكنه لم ينس أيضًا تمرير رسالة ما للإعلام وأهله، وذلك في إجابته عن السؤال السابق عليه، والخاص بزيارة بابا الفاتيكان للقاهرة، حين رفض طرح قدمه محاوريه بأن مصر لم تستغل هذه الزيارة على أكمل وجه، بل وذيّل إجابته بأمثلة تتعلق بقضايا أخرى مثارة في الإعلاة:
قال الرئيس: "نحن الذين نعطي الآخرين الانطباع عن بلادنا.. لو قلنا البلد فاسد؛ سينقلون عنا.. ولو قلنا إنه غير مستقر أو أن الحكومة ضعيفة، سينقلون ذلك أيضًا عنا".
على المستوى الخارجي، وبالعكس من حديثه العام عن العلاقات المصرية السورية أو الإثيوبية، تحدث السيسي بشئ من التحديد عن علاقة البلد بدول أخرى، مثل السعودية والإمارات وكذلك السودان، وبدا من حديثه أن العلاقات المصرية معهم جميعًا طيبة، إن لم تكن وردية.
لكن النصيب الأكبر من المدح كان لنظيره الأمريكي دونالد ترامب، الذي تحدث عنه في الحوار باعتباره شريكًا أصيلًا، و امتدح ما يتسم به من "شخصية متفرّدة وعظيمة للغاية" تساعد في حل قضية مهمة مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.