امتى الأسعار هتنزل؟ سؤال من ثلاث كلمات وُجّه للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب الأخير بالإسماعيلية. جاءت الإجابة في 25 دقيقة وتجاوزت كلماتها 2500 كلمة.
هذه الإجابة الطويلة يمكن النظر إليها باعتبارها نموذجًا يصح القياس عليه إذا أردنا التعرف على الطريقة التي يجيب بها السيسي عن تلك الأسئلة. فالرئيس المصري الذي يتندر كثيرون على هنّاته وبعض تعبيرات وجهه في خطاباته يملك نهجًا واضحًا في التعامل مع الأسئلة الشائكة.
مدح المصريين
إذا كنت مضارًا من الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي شهدته مصر في الأشهر الأخيرة منذ قرار تعويم الجنيه في 3 نوفمبر/تشرين الأول الماضي، فأنت جدير بأن تحظى بإشادة رئيس الجمهورية.
هذه هي البداية التي يعتمد عليها السيسي في جُل خطاباته وإجاباته منذ قرر البدء في خطة الإصلاح الاقتصادي كما أطلق عليها. يوجّه الشكر للمصريين على "تحمل الظرف الاقتصادي الصعب" ويقول مرارًا إنه راهن على "وعى الشعب" الذي سيجعله يتحمل هذه الأعباء بدلاً من الاحتجاج والاعتراض كما حدث في مظاهرات يناير/كانون الثاني عام 1977 ضد الرئيس أنور السادات.
وفي هذا السياق، ينفي السيسي ما سيتبادر بشكل بديهي إلى الذهن من أن عدم الاحتجاج هو نتاج الخوف.
وفي إجابته على سؤال غلاء الأسعار، قال إن بعض أجهزة الدولة كانت تتوقع تظاهر البعض واحتجاجهم عقب التعويم لكنهم لم يجدوا أي ردة فعل. وأضاف أن البعض "كانوا متصورين إن الموضوع إجراء أمني. إن الدولة المصرية يعني قبضتها حديدية على أهلها. مش عارفين إن القبضة الحديدية هي وعي المصريين".
الأرقام والمسؤولية المشتركة
عقب الإشادة المعتادة بالمصريين، ينتقل السيسي إلى الإجابة عن السؤال. يُمسك طرف الخيط لكنّه لا يمده على استقامته.
يستدعي الرئيس، في سياق الإجابة عن أي سؤال، بعض الأرقام لشرح "حجم المشاكل التي تعاني منها الدولة المصرية". ويتبعه بتأكيد متكرر أن مصر "دولة فقيرة محدودة الموارد".
في سياق الحديث عن ارتفاع الأسعار، قال السيسي إن هناك 350 مليار جنيه تنفقها الدولة في خدمة الدين العام. و350 مليار أخرى تنفقها على الدعم. ونحو 240 مليار جنيه قيمة الرواتب. وبعد أن ذكر كل ذلك تساءل: "يتبقى أيه؟".
ولا ينسى السيسي هنا أن يشير إلى أن المصريين "لا يدركون حجم الأزمة" هؤلاء الذين امتدح وعيهم في بداية إجابته.
هنا أيضًا يرفض السيسي أن يتحمل هو ونظامه فقط مسؤولية التعثر. ففضلاً عن حديثه المتكرر عن الرؤساء السابقين هؤلاء الذين "خافوا" على حد قوله من اتخاذ إجراءات حاسمة ما أدى إلى تعقيد الأمور؛ فإنه لا يفوّت حديثًا دون أن يشير إلى أن هناك مسؤولية مشتركة بين الشعب والنظام عن الوضع الحالي.
ويكرر الحديث عن تلك المسؤولية كلما وجّه إليه سؤال عن الرقابة. فالرقابة من وجهة نظرة يقوم بها الشعب على "التجار اللي بيغلوا الأسعار" وتقوم بها أجهزة الدولة أيضًا. ثم يؤكد أنه يدعم جميع الأجهزة الرقابية وأنها تعمل بأقصى طاقة لها.
مسؤولية المواطنين تتكرر أيضًا في حديثه الذي أصبح معتادًا عن الزيادة السكانية. وعن المصريين "اللي ما بيسمعوش الكلام" حين يطلب منهم الرئيس تنظيم الإنجاب.
مزيد من الخوف
هل دفعتك الأرقام للقلق والخوف على مستقبلك وإدراك الدور الكبير الذي تبذله أجهزة الدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ أم ما زلت مصممًا على أن الرئيس والحكومة من خلفه مسؤولون عن هذا التردي؟
إذا لم تكن مقتنعًا بما يقدمه النظام الحالي فلا تنسى إلى أين كانت الأمور تسير في مصر قبل 30 يونيو/حزيران 2013. لا تنسى الدور الكبير الذي بذله السيسي لإنقاذ مصر من الإخوان المسلمين. ولا تنسى أيضًا أنه المسؤول الأول عن حمايتك من خطر الإرهاب.
هكذا ينتقل الرئيس بشكل أوتوماتيكي في كل مرة يتحدث فيها عن التعثر الاقتصادي وصعوبة حدوث انفراجة على المدى القريب. فبعد هذه الأرقام التي تدفع للقلق والضجر. يأتي حديث مكثّف عن القتل والدماء والحرب الأهلية التي كانت مصر في الطريق إليها لولا تدخل السيسي.
ويبدو أنه انتبه في إجابته عن سؤال غلاء الأسعار إلى أن تكرار الحديث عن الإرهاب والخوف بعد التعثر الاقتصادي بدا معتادًا وأن مثل هذه الإجابة لن تفسّر إلا إنها محاولة لإخافة المواطنين. فقال نصًا: "صدقوني أنا مابحاولش إن أنا، يعني، أستدعي صورة مقلقة ليكم عشان أبرر بيها ما نحن فيه، لأ هي الحكاية كدة، إنتوا قلتوا لأ مش هاينفع، وده كان أمر خارج كل التوقعات، اللي اتعمل ده خارج كل الحسابات، وأربك الخطة كاملة اللي كانت معمولة، أربكها تماما".
ولا ينسى السيسي حين يتطرق للحديث عن الإرهاب الإشارة إلى أن الخطر ما زال يحاصرنا. وأن "أهل الشر" ينفقون الأموال لعرقلة مسيرة هذا الوطن.
يقول السيسي: "انهارده بيكملوا معانا. إنتوا.. ده في قنوات بتشتغل عليكوا.. لو انتوا شوفتوا حجم التعبئة اللي بتم فيها يعني عشان تتحركوا تذهلوا رقم، طريقة مش طبيعية".
أمل مشروط
عقب كل هذا الخوف يأتي الأمل. وهو عند السيسي بلا مقدمات منطقية تقود إليه. فالتعثر الاقتصادي وتحلل مؤسسات الدولة والإرهاب الذي يداهمنا ليل نهار كل هذا لا يبعث مطلقًا على الأمل.
يقول رئيس مصر: " فارجع تاني أقول، في أمل؟ أيوة، في أمل، لأن اللي احنا بنعمله ده، وعملناه، هو المسار الحقيقي الصحيح اللي كنا المفروض نعمله منذ سنوات طويلة من 30- 40 سنة، عشان نبتدي نتحرك فيه".
والأمل عنده مشروط بشرط واحد. يكرره في أكثر خطاباته وهو أن يكون المصريين "على قلب رجل واحد". وهذا الرجل دون شك هو نفسه السيسي.