اليوم؛ تستقبل الكنائس القبطية الأرثوذكسية المصرية، داخل مصر وخارجها المعزين إلى جانب المصلين، فبقرار من المجمع المقدس والبابا تواضروس الثاني بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تمتنع الكنائس القبطية المصرية عن الاحتفال بعيد قيامة السيد المسيح، وتستمر في حدادها على ضحايا جريمتي الاعتداء على كنيستي مار جرجس ومار مرقس بطنطا والأسكندرية على الترتيب.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تعلن فيها للكنيسة القبطية المصرية استقبال المعزين ورفض استقبال التهنئة بالأعياد، ففي الحادي عشر من ديسمبر/ كانون ثان الماضي، تعهد مئات الأقباط بمبادرة منهم أمام مقر الكاتدرائية، بالاتشاح بالسواد يوم العيد، احتجاجًا وحدادا على التفجير الذي طال الكنيسة البطرسية خلال أيام الصيام الممتدة قبل ذكرى ميلاد المسيح.
كان العيد المُنتظر وقت تفجير "البطرسية"، هو الميلاد المجيد، 7 يناير/ كانون ثان 2017، الذي يسبقه رأس السنة. لكن التفجير الذي تبناه تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأودى بحياة 29 شخصًا، وأصاب عشرات آخرين، قطع الطريق على الاحتفال بالمناسبتين لتمرّ ذكرى ميلاد المسيح حزينة في ملايين البيوت القبطية، وبقرار من الكنائس، ألغيت الاحتفالات بالعيد وبرأس السنة مع الاكتفاء بالقداس.
تعادل الميلادُ والقيامة 2016-2017
بين الميلاد والقيامة، مرت شهور ثلاثة، لم تحل دون تجدد الأحزان واستقبال العيد بسواد لفّ الكنائس المصرية، بعدما أعلن المجمع المقدس الثلاثاء الماضي، إلغاء أي مظاهر احتفالية بعيد القيامة، وفتح أبواب الكنائس فقط لتلقي التعازي في ضحايا تفجير كنيستي مارجرجس ومارمرقس اللذان تبناهما تنظيم "الدولة الإسلامية".
وفي كلمة ألقاها أمس الأول، خلال صلوات الجمعة العظيمة، أعلن بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضرس الثاني، رأيًا يفوق في مظاهر الحداد، قرار المجمع المقدس، إذ طالب بجعل يوم العيد "لزيارة المرضي والمتألمين وأسر الشهداء في كل مصر"، معتبرًا أنه لن يكون مناسبًا لاستقبال أحد، "لكي لا تختلط المشاعر بين التعزية والمعايدة"، على أن يتم تحديد موعد لاستقبال المعزين.
اقرأ أيضًا: الموظفون والإعلام.. تجديد الخطاب الديني في مكتب حكومي
ولم يكن تفجير "البطرسية" ومن بعده كنيستي "أحد الشعانين"، مرّات استثنائية، قطعت على المسيحيين الطريق إلى بهجة العيد، فالحوادث متكررة.
قداديس غضب سكندرية 2011
في الأسبوع الأول من عام 2011، وقت كان على رأس الكنيسة القبطية، البابا شنودة الثالث، صدر عن الكنائس رد فعل امتزج فيه الحُزن بالغضب، بعد تفجير كنيسة القديسين بالأسكندرية خلال إقامة احتفالات رأس السنة، والذي أسفر عن مقتل 23 شخصًا وإصابة 100 آخرين تقريبًا.
وقتها أعلنت الكنائس القبطية في الإسكندرية، إقامة "قداسات الغضب"، للصلاة من أجل الضحايا والمصابين، بينما تلقى البابا شنودة خلال قيادته قُدّاس عيد الميلاد، بعد الحادث بأسبوع، التهاني والتعازي، على حد سواء.
حداد نجع حمادي 2010
قبل "القديسين" بعام واحد بالظبط، أصدر أسقف نجع حمادي، الأنبا كيرلس، في 8 يناير/ كانون أول 2010، قرارًا بإلغاء احتفالات عيد الميلاد، وإعلان الحداد الرسمى في المدينة، على خلفية حادث إطلاق نار، استهدف مطرانية نجع حمادي، خلال إقامة الصلوات عشية عيد الميلاد، وأسفر عن مقتل 6 أشخاص وشرطي مسلم.
توجهت أصابع الاتهام إلى شخص يُدعى حمام الكموني، نُفذ فيه حكم الإعدام في أكتوبر/ تشرين أول 2011، بعد إدانته بـ"قتل 6 أشخاص، والشروع في قتل 9 آخرين، وإتلاف ممتلكات".
منغصات سياسية 1980
وفي تلك المرّة البعيدة، كان قرار عدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة، ذا دوافع سياسية، إثر خلافات بين البابا شنودة الثالث والرئيس الأسبق أنور السادات. وذلك في عام 1980، في أعقاب اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، التي كان البابا أحد المحتجين عليها.
ووفقًا لما تذكره مصادر صحفية مقربة من الكنيسة القبطية منها موقعي "وطني" و"الأقباط اليوم"، استنادًا لوثائق منسوبة للبابا الراحل، فإن الخلاف احتدم وتصاعد بين رأسي الدولة والكنيسة، فأصدرت أجهزة الأمن قرارا بوقف الدرس الأسبوعي للبابا، في أعقاب خلاف بينه وبين السادات بسبب تظاهر الاقباط المصريين بالولايات المتحدة خلال زيارة السادات لواشنطن.
وقتها اتهمت المظاهرات القبطية الدولة المصرية بالصمت والتجاهل إزاء حوادث الانتهاكات الطائفية التي يتعرض لها الأقباط المصريون، بالإضافة لوجود ممارسات بيروقراطية معروفة تجري ضد الأقباط في أجهزة الدولة.
ردت الدولة على عدم مبادرة الكنيسة القبطية لإسكات المظاهرات، بصدور قرار أمني بوقف العظة الأسبوعية للبابا تحت زعم الدواعي الأمنية، فلجأ البابا للاعتكاف احتجاجًا، وأصدر قرارًا بعدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة، وعدم استقبال مسؤولي الدولة الذين يفدون - عادة- للتهنئة، وكتب في رسالته الموجهة لكل الكنائس قبيل الاحتفال بالعيد: أن هذه القرارات "احتجاجا على اضطهاد الأقباط في مصر"، في سابقة لم تتكرر حتى اليوم.