الحضور الكريم، لقد تشرفت بناء على ثقتكم بتولي رئاسة اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات وكالة الاتحاد الأفريقي للتنمية "النيباد" لعامي 2023-2024، وتتولى مصر رئاسة هذا الكيان المهم، في ظروف بالغة الدقة، تتزامن مع تغيرات ملموسة على المستوى الدولي والإقليمي، على الأصعدة السياسية والاقتصادية، وبما بات يتطلب تكاتف جهودنا لمواجهة التحديات التي تواجه شعوبنا، وتؤثر على قدرتنا على الاستمرار في المسار التنموي لدولنا الأفريقية.
اتصالًا بما تقدم، وضعت مصر أمام أعينها أهدافًا محددة خلال رئاستها للنيباد ترتكز على دفع معدلات التكامل الاقتصادي واقتراح حلول لمواجهة التحديات القائمة، وهي الأولويات التي سيتم العمل على تنفيذها عبر التنسيق مع سكرتارية النيباد برئاسة المديرة التنفيذية السيدة ناردوس بيكيلي.
ومن خلال التشاور المستمر مع الدول الأفريقية الشقيقة، وبما يعمل على تسريع وتنفيذ أجندة التنمية الأفريقية 2063، وعبر الاستفادة من الخبرات والإمكانات المصرية، بما في ذلك شركات القطاع الخاص في مجالات البنية التحتية، والطاقة والاتصالات، وهي على أتم استعداد لتوفير الدعم اللازم للدول الأفريقية الشقيقة في مسارها التنموي.
واسمحوا لي في هذا الإطار أن أستعرض أبرز الأولويات المصرية لرئاسة النيباد على مدار العامين المقبلين:
أولًا: سرعة الانتهاء من الخطة العشرية الثانية لتنفيذ أجندة التنمية الأفريقية 2024-2034، بما يأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة من تنفيذ الخطة العشرية الأولى والتحديات التي واجهناها، وعلى أن يتم صياغتها بالتنسيق الكامل مع التجمعات الاقتصادية الإقليمية، وبحيث تكون وثيقة جامعة يمكن الاستناد إليها في تقييم مدى تحقيق القارة لأهداف أجندة التنمية العشرية حتى عام 2034.
ثانيًا: استمرار جهود حشد الموارد المالية في المجالات ذات الأولوية، وعلى رأسها تطوير البنية التحتية في إطار برنامج تنمية البنية التحتية الإفريقية، بما في ذلك المشروعات ذات الأهمية، ومنها مشروع الربط الملاحي بين البحر المتوسط وبحيرة فكتوريا، والطريق البري الرابط بين القاهرة وكيب تاون.
بالإضافة إلى استمرار المساعي لتعزيز دور القطاع الخاص في دولنا الإفريقية، وانخراطنا في سلاسل القيمة المضافة عالميا عبر تحفيز تنوع الصناعات الإفريقية، وأدعو هنا في هذا الإطار إلى تبني مقترح سكرتارية النيباد بإطلاق مبادرة فريق إفريقيا لحشد الموارد، وذلك لتحديد الاحتياجات التمويلية للقارة الإفريقية.
ثالثًا: تكثيف الجهود مع الشركاء الدوليين والمنظمات التمويلية لإيجاد حلول فعالة لمعالجة أزمة الديون المتراكمة، بما في ذلك من خلال وضع آليات لتخفيف عبء الديون عبر الإعفاء أو المبادلة أو السداد الميسر، بالإضافة للمقترحات ذات الصلة بحوكمة النظام المالي العالمي بشكل يراعي احتياجات الدول النامية بدرجة أكبر.
رابعًا: الإسراع نحو تحقيق الآمال المستهدفة من اتفاقية التجارة الحرة القارية، ويُثمن في هذا الإطار الجهد الذي قامت به الوكالة في إطلاق مبادرة 100 ألف شركة صغيرة ومتوسطة، بدعم قدرة هذه الشركات على الاندماج في التجارة العابرة للحدود، وكذا الجهد الذي قامت به الوكالة في إطلاق مبادرة تنشيط إفريقيا لبناء قدرات الشباب الإفريقي في مجالات إنشاء وإدارة الشركات وريادة الأعمال.
خامسًا: المضي قدم في حشد الموارد اللازمة لبرنامج الرابطة الثلاثية بين السلم والأمن والتنمية، والذي يتشارك في أولوياته وأهدافه مع، مع ملف إعادة الإعمار والتنمية، في ما بعد النزاعات الذي أشرف بريادته على مستوى القارة الإفريقية، حيث أدعو سكرتير.. سكرتارية النيباد للتنسيق في هذا الإطار، مع مفوضية السلم والأمن والشؤون السياسية بالاتحاد الإفريقي. ومركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية في ما بعد النزاعات الذي تستضيفه القاهرة.
السيدات والسادة،
لقد قدمت لكم رؤية مصر الخاصة بقيادة وكالتنا التنموية "النيباد" على مدار العامية المقبلين، وهي الأولويات التي سأسعى جاهدًا إلى ترجمتها إلى مبادرات قابلة للتنفيذ، وذلك بالتنسيق مع أشقائي أصحاب الفخامة رؤساء الدول والحكومات، أعضاء اللجنة التوجيهية، وبالاعتماد على سكرتارية الوكالة.
وأود هنا تأكيد استعداد مصر للعمل بكل جهد وإخلاص لتعميق التكامل الاقتصادي بين دول الإقليم ودفع معدلات التنمية في دولنا، بما يسهم في رفع مستوى معيشة شعوبنا.
أصحاب الفخامة رؤساء الدول والحكومات،
اسمحوا لي أن أتناول البند الخاص بتغير المناخ والاقتصاد الأزرق، وشكرا على منح الكلمة للتحدث لمرة ثانية خلال أعمال اجتماعنا اليوم.
واسمحوا لي في مستهل حديثي في إطار هذا البند المهم الذي يتناول الرابط بين تغير المناخ والفرص والتحديات التي يفرضها على، التي يفرضها على محور التكامل الإقليمي، أن أعبر عن خالص التقدير لمشاركتكم في قمة المناخ للتنفيذ خلال فعاليات COP27 في نوفمبر 2022 في شرم الشيخ، والتي عكست التزام دولنا الإفريقية بالعمل متعدد الأطراف لمواجهة تغير المناخ.
وأود أن أشيد بجهد أخي فخامة الرئيس ويليام روتو لقيادته لجنة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية المعنية بتغير المناخ متمنيًا له التوفيق، خلال استضافة بلاده لقمة العمل للمناخ في سبتمبر القادم.
كما أتقدم بالتهنئة لأخي فخامة الرئيس عثمان غزالي، رئيس جمهورية جزر القمر على مبادرة السور الأزرق العظيم، كمبادرة رائدة للاستفادة من ثروات الاقتصاد الأزرق، والتكيف مع تغير المناخ، وبما يسهم في تعزيز التنمية، خاصة في المناطق الساحلية.
السادة الحضور،
تأتي قمتنا في توقيت يشهد فيه العالم جهود حثيثة للتعامل مع الآثار الحالية والمتوقعة للأزمات المتعددة، بما لها من تأثير على قدرة الدول النامية، خاصة الإفريقية، على تحقيق التنمية لمجتمعاتنا، وكذلك على الحفاظ على ما تم تحقيقه من نمو، فضلًا عن حالة عدم اليقين حول قدرة المجتمع الدولي لمؤسساته التمويلية على توفير البيئة الدولية لتنفيذ الـ، لتنفيذ التحول للاقتصاد الأخضر، أخذًا في الاعتبار ما نشهده من أزمات متشابكة ما بين الأزمة الأوكرانية وأزمة الطاقة ثم أزمة الغذاء والأسمدة، وتزامن ذلك مع زيادة ملموسة في الكوارث المناخية.
إن استضافة مصر للقمة العالمية للمناخ COP27 كان من منطلق حرصها على المشاركة بفاعلية في صياغة وتيسير الجهد الدولي للتعامل مع تغير المناخ، وتكيد التزام القارة الإفريقية بدفع أجندة العمل المناخي بتنفيذ توصيات العلم، بما يتناسب مع مبدئي الإنصاف والمسؤولية المشتركة، متابنية الأعباء، ويأخذ في الاعتبار الظروف الوطنية للدول.
إن قارتنا الإفريقية، من أكثر القارات تضررًا نتيجة لتغير المناخ وتأثيراته، التي تتنوع ما بين تهديد لمناطق الساحلية، وزيادة حدة الجفاف والتصحر، وشح الموارد المائية، وهو ما يدعونا إلى النظر في إيجاد سبل مبتكرة للتعامل معها، نظرًا لمحوريتها في استقرار المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة.
السيدات والسادة،
على الرغم مما عكسته قمة شرم الشيخ من التزام بتعامل جاد مع تحدي المناخ، إلا أن ما يتطلب تنفيذه على أرض الواقع أقل من المطلوب، ولا يزال شركاء التنمية بما فيها المؤسسات الدولية غير قادرين على التجاوب المناسب مع احتياجات دولنا الإفريقية لتنفيذ عملية التحول الاقتصادي لإعادة تمويل قطاعات مثل الطاقة والنقل والزراعة، فضلًا عن تنفيذ الحفاظ على التنوع البيولوجي والنظم البيئية، وفي نفس الوقت تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا الإطار، أود أن أقدم لكم رؤية مصر بشأن المحاور التي يتعاون الـ.. أتي يتعين التركيز عليها خلال الفترة القادمة، وهي:
أولًا: توفير البيئة اللازمة للتنفيذ السريع لمشروعات وبرامج مؤثرة لخفض الانبعاثات من مختلف القطاعات وتيسير النفاذ لطاقة المتجددة.
ثانيًا: صياغة مسارات وبرامج عادلة للتحول في مختلف المجالات.
ثالثًا: التركيز على مبدأي العدالة والإنصاف، بحيث يراعي التحول المطلوب الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، ويتجنب الإجراءات الأحادية ذات التأثير المباشر على تدفقات التجارة الدولية، وبصفة خاصة صادرات الدول النامية والإفريقية.
رابعًا: تحقيق العدالة المناخية وتفعيل ترتيبات التمويل وصندوق الخسائر والأضرار وتمويل التكيف، مع الإعتراف بما تتحمله الدول الإفريقية من تكلفة بدعم مجتمعاتها في مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ.
خامسًا: تعزيز التعاون الإقليمي لضمان تطوير قدرات الحفاظ على النظم البيئية المشتركة، وضمان الاستفادة المتكاملة بين الدول ولاحتواء أية آثار سلبية عابرة للحدود.
سادسًا: توفير البيئة الدولية الداعمة واللازمة للتنفيذ، وبصفة خاصة التمويل الميسر والمناسب، وتعزيز النفاذ إليه، مع ضمان تناغم ذلك مع الملكية الوطنية، وألا يؤدي ذلك إلى خفض التمويل اللازم للقضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.
سابعًا: التعامل الفعال مع تحدي المديونية وارتفاع تكلفة التمويل بما في ذلك اللجوء للحلول المبتكرة مثل آليات تبادل الديون ومراجعة وشطب الرسوم، ووفـ، والفوائد الإضافية.
السيدات والسادة،
لقد قدمت لكم رؤية مصر بشأن المحاور التي يتعين التركيز عليها في إطار جهدنا المشترك للتعامل مع التحديات المناخية، وإنني لآمل أن يتم الاستمرار في العمل على ترجمة تلك التوصيات إلى مبادرات قابلة للتنفيذ، حيث قامت مصر إيمانًا بذلك بإطلاق عدد من المبادرات حول موضوعات المياه، والتكيف، والزراعة، والطاقة، والهيدروجين، والتنوع البيولوجي، بالتعاون مع الشركاء الدوليين ومن بينها مبادرة حياة كريمة لإفريقيا، ومبادرة المنتدى العالمي للهيدروجين المتجدد، والتي أدعوكم إلى الانضمام إليها.
ختامًا، فإنني على ثقة في أن القمة المقبلة في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ستكون خطوة ملموسة في المسار المنصف والعادل لحماية الكوكب من التداعيات الكارثية لتغير المناخ، وأتطلع إلى التعاون معكم جميعًا حتى تستمر الدول الإفريقية والدول النامية في توجيه الأجندة الدولية باتجاه تعزيز التعاون الدولي في مواجهة التحدي الوجودي الذي يمثله تغير المناخ.
شكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (تصفيق)
...
ألقيت الكلمة في العاصمة الكينية نيروبي، حيث شارك الرئيس في الدورة الخامسة من قمة منتصف العام التنسيقية التابعة للاتحاد الأفريقي، وذلك بحضور عدد من رؤساء وحكومات الدول الأفريقية.
...