منشور
الأربعاء 12 يوليو 2023
- آخر تحديث
الأربعاء 12 يوليو 2023
تنقسم الآراء وتتباين بشكل حاد عند ذِكر عالم مارفل السينمائي Marvel Cinematic Universe، ليس بين الجمهور فحسب وإنما بين أبرز صُنّاع السينما في هوليود أيضًا، فبينما شارك العديد منهم فعليًا في بناء وإنماء هذا العالم، عده آخرون إهانة للفن السابع، وقد اتفق الفريقان دون قصد على أن ذلك العالم هو التجربة السينمائية الأكثر تفردًا وتأثيرًا خلال الألفية الثالثة، سواء كنت تراه تأثيرًا سلبيًا أو إيجابيًا، فإنه كان بالغًا وغَيّر كثيرًا في مفاهيم صناعة السينما والترفيه ربما إلى غير رجعة.
انطلق مشروع مارفل الممتد، المستند إلى القصص المصورة، في 2008 بفيلم Iron Man، ولما اكتسبه من جماهيرية وحققه من نجاح تحولت فكرة "عوالم الأفلام" إلى ظاهرة؛ حيث سارت كبرى الاستوديوهات على النهج ذاته ما أدى إلى ظهور عوالم جديدة لاقت نجاحًا متفاوتًا، بل امتد أثر ذلك النجاح للشاشة الصغيرة وظهرت العديد من "العوالم التلفزيونية" مثل مجموعة مسلسلات Arrow Verse، وعالم The Walking Dead وغيرهما.
كان عالم MCU صاحب الريادة والمحتفظ بالصدارة بين العوالم السينمائية، لكن الأمور تغيرت مؤخرًا وتحديدًا عقب انتهاء المرحلة الثالثة منه، يمكن من خلال مقارنة بسيطة إدراك أن أفلام المرحلة الرابعة، ربما باستثناء تجربة Spider-man: No Way Home لما لها من خصوصية، الأكثر عُرضة للانتقادات والأقل تقييمًا، وإن نجاحها التجاري جاء مدفوعًا بالنجاحات السابقة وما امتلكته من قاعدة جماهيرية، لكنه لا ينفي الدلائل على أن تلك القاعدة تتآكل والعالم المرتكز عليها يترنح ولم يعد انهياره مستبعدًا.
مزيد من الاتساع.. كثير من التعقيد
يُقال إن أقوى الإمبراطوريات في التاريخ انهارت لتجاوزها المدى، تباعدت أطرافها فاختلت وحدتها وفقد مركزها السيطرة ومن ثم كانت النهاية. يمكن القول بأن الأمر نفسه يجري مع عالم مارفل السينمائي في السنوات الأخيرة، بدأت الأزمة بإطلاق منصة ديزني بلس التي لا يخفى على أحد أنها تأسست على أكتاف نجاح MCU.
خصصت ديزني بلس المساحة الأكبر من خريطتها والنسبة الأضخم من ميزانيتها لإنتاج مسلسلات، محدودة أو متعددة المواسم، مشتقة من العالم السينمائي، وكانت الخطة قائمة على الارتقاء ببعض الشخصيات الثانوية في تلك الأفلام وتحويلها إلى محورية في المسلسلات، فضلًا عن تقديم بعض الشخصيات، الأقل شهرة وشعبية، على الشاشة للمرة الأولى، وأدى ذلك مباشرة إلى خلخلة وِحدة عالم مارفل وإضعاف حبكته وانعدام الصِلات المباشرة، أو على الأقل القوية، بين معظم الأعمال المُنتمية إليه.
الأثر السلبي لربط المسلسلات بالعالم السينمائي لم يقف عند حدّ الإضرار بترابط الأحداث وتماسك الحبكة وتتابع السرد فحسب، إنما جعل الاستمرار في متابعة هذا العالم والإلمام بأبعاده أمرًا مرهقًا للمشاهد، وزاد الأمر سوءًا تدني المستوى الفني للعديد من تلك المسلسلات مثل مسلسلي She-Hulk وMrs. Marvel.
اكتمال دورة التشبُع الجماهيري
إن عدنا بالذاكرة للوراء سوف ندرك أن ثمة نوع مُحدد من الأفلام يهيمن على الساحة السينمائية في كل حقبة، يمتلك الجماهيرية ويحقق نجاحات متتالية فيستحوذ على الساحة لفترة معينة، ثم تتراجع شعبيته ويتراجع معها للوراء مفسحًا الصدارة لأنواع أخرى من الأفلام، جرى الأمر على هذا النحو مع أفلام الغرب الأمريكي "Western Movies" من الأربعينيات وحتى الستينيات، ثم أفلام الخيال العلمي التي تعاظمت شعبيتها في السبعينيات في ظل ما عُرف باسم الموجة الجديدة للخيال العلمي.
يمكن عد كثافة الإنتاج سببًا رئيسيًا في الاكتمال المبكر لتلك الدورة بالنسبة لأفلام الأبطال الخارقين والبلوغ السريع نسبيًا لحالة التشبع، حيث إن عالم مارفل منفردًا يتضمن حتى الآن 32 فيلمًا و8 مسلسلات مقتبسة من قصصها المصورة، فضلًا عن أفلام عالم DC المُنتمية للنوع نفسه، وكذا إنتاجات شركة Sony المقتبسة من عالم الرجل العنكبوت، هذا كله بخلاف العروض التلفزيونية المُنتمية لنفس التصنيف.
فقدان البوصلة وتشوش الرؤية
ما الذي قد يربط بين شخصية Moon Night وكيانات الأبديون Eternals مع سيد الكونغ فو Shang-Chi؟ إن كان هناك رابط واحد بينهم فهو أن جميعهم ظهروا في أعقاب المرحلة الثالثة لعالم مارفل، لكن بخلاف ذلك فلا يوجد ثمة رابط سواء كشخصيات أو كأعمال بصفة عامة، يُعد ذلك انعكاسًا لحالة الفوضى التي ضربت في كامل أركان ذلك العالم ابتداءً من منتصف مرحلته الرابعة.
كان لعالم مارفل، منذ إطلاقه، رؤية واضحة ومسار محدد، وكان كل فيلم يُقدم بمثابة قطعة فُسيفساء تكتمل بها اللوحة الكبرى تدريجيًا، ثم فقد تلك الميزة التي هي أساس مفهوم العالم السينمائي، والتي صنعت منه ظاهرة سينمائية خارجة عن المألوف، ولم يعد هناك رابط واضح بين الأعمال المنتمية إليه باستثناء بعض مشاهد ما بعد الشارة، التي كانت فيما مضى تثير الحماس ولكن مؤخرًا صارت مُلفقة ومُقحمة لدرجة مثيرة للسخرية.
الجمود والتكرار
لا يجب أيضًا إغفال أن أفلام ومسلسلات الكوميكس في الأساس ذات مدار ضيّق وتحمل حبكات قصصية شبه مُكررة، وزاد الأمر سوءًا بإصرار شركة مارفل على إعادة تقديم نفس وصفتها القائمة على الإبهار البصري والكوميديا الفعّالة وخيوط الحبكة الممتدة بين عِدة أفلام، لكن بعد خمس عشرة سنة، فإن ما كان مبهرًا أصبح معتادًا، والكوميديا المكررة لا تثير ضحكًا، وخيوط الحبكة ارتخت وضعفت.
كان الجمود والافتقار لأدنى مظاهر التجديد سببًا آخر وراء افتقاد الكثيرين لحماس المتابعة، ولذلك أصبح مدى نجاح الأعمال المقتبسة عن القصص المصورة، في السنوات الأخيرة، مرتبطًا بمدى اختلافها عن النمط السائد والمألوف، من أمثلة ذلك مسلسل The Boys الذي يعرض تصورًا مختلفًا كليًا لأصحاب القوى الخارقة، كذلك فيلم The Batman الذي يميل إلى تصنيف فيلم-نوار أو فيلم Joker ذا الطابع السوداوي، بل أن الأكثر نجاحًا بين مسلسلات مارفل الحديثة كان أقلهم ارتباطًا بعالمها وأكثرهم اختلافًا عن أنماطه وهو Moon Knight.
ما يصلح لـ"الكوميكس" قد لا يناسب الشاشة
إن جودة الطرْح وتفاعل المُتلقي معه يختلفان باختلاف طبيعة الوسيط، بمعنى أن ما يصلح للتقديم من خلال القصص المصورة "كوميكس" قد لا يصلح نقله بصورة مُطابقة إلى الشاشة الكبيرة، ينطبق ذلك على أكوان مارفل المتعددة التي كانت محور أحداث القصص المصورة لعقود طويلة، ولم تكن محاولة تقديمها على الشاشة بالسلاسة نفسها أو درجة الإحكام، نظرًا لاختلاف أبجديات سرد القصة بين الوسيطين، الكوميكس والسينما، والنطاق الزمني الذي يتيحه كل منهما.
يجب الإقرار بأن الهدف من جعل العوالم الموازية Multiverses محور أحداث المرحلتين الرابعة والخامسة لعالم مارفل تجاريًا بحتًا، وجاء نتاج هيمنة شركة ديزني على عِدة شركة فوكس وعقد بروتوكول تعاون مع شركة سوني، أدى ذلك إلى استرداد حقوق استغلال العديد من شخصيات مارفل كوميكس مثل فريق "الرجال-إكس" أو الشخصيات المُنتمية لعالم سبايدر-مان، وحدث ذلك للمرة الأولى ضمن أحداث فيلم Spider-man: No Way Home وللحق كان بديعًا، وتكرر للمرة الثانية من خلال فيلم Doctor Strange In The Multiverse of Madness ولكن تلك التجربة كانت على النقيض تمامًا وقُوبلت باستهجان كبير .
كشفت تجربة فيلم Doctor Strange In The Multiverse of Madness إن مارفل لا تمتلك تصورًا واضحًا ومحددًا للتجسيد السينمائي لعالمها المتعدد، لذا لم تضع له قواعد ثابتة أو ضوابط واضحة تحكمه وهو ما جرف أعمالها الأخيرة إلى دوامة من الفوضى والتخبط، أبسط دليل على ذلك عدم معرفة إن كانت النسخ المتعددة للشخص الواحد تكون مُتماثلة في الأكوان المختلفة كما أوضح فيلم Doctor Strange؟ أم أنها مختلفة كما قُدمت خلال أحداث فيلم Spider Man الأخير؟
حصلنا مُسبقًا على نهاية مُرضية!
يمكن القول بأن عالم MCU بالنسبة للكثيرين قد انتهى إكلينيكيًا، إن صَح التعبير ، في عام 2019، وعلى نقيض أغلب السلاسل السينمائية وعلى الرغم من أنه أطولها وأضخمها وأكثرها تعقيدًا كانت تلك النهاية مُبهرة ومُرضية تمامًا، وكانت ثنائية Infinity War وEndgame خير خاتمة لقصة امتدت خيوطها ونُسجت على مدار عقد كامل من الزمان.
اكتملت فصول القصة التي تعلق بها الجمهور ووضعت نقطة نهايتها فصاحب الشعور بالرضا تجاهها شعورًا بالاكتفاء، خاصة أن جزءًا أصيلًا من روعة خاتمة المرحلة الثالثة لهذا العالم نبعت من إقصاء أهم شخصياته وهما آيرون مان وكابتن أمريكا، وقد أحدث ذلك صدعًا في بناء عالم مارفل عجز صُنّاعه عن رأبه بأي من الشخصيات التي ظهرت في وقت متأخر من أحداثه، التي كانت في المُجمل أقل إثارة للاهتمام ولم تتشكل روابط قوية بينهم وبين المشاهدين، بل أن بعضها نال انتقادات لاذعة مثل شخصية كابتن مارفل.