خلال الأسبوع الماضي، توفي محمد محب، الذي يعمل مديرًا لأحد البنوك، في أحد مستشفيات القاهرة بعد أن عقره كلب بيتبول. قبلها بأيام، كان الطبيب النفسي وفائي رجائي يلفظ أنفاسه الأخيرة في قسم شرطة جمصة، حيث كان محبوسًا لاتهامه بـ"التسبب في وفاة مريض" بمركزٍ لعلاج الإدمان في الدقهلية.
ظاهريًا؛ تبدو الحادثتان غير متصلتان، إلا أن رابطًا مشتركًا يجمع بينهما؛ وهو أدراج مجلس النواب التي تعج منذ شهور طويلة بعشرات مشروعات القوانين التي تقدم بها الأعضاء، وتنتهي أدوار انعقاد وفصول تشريعية كاملة دون خروجها، بل في بعض الأحيان لا تناقش أصلًا في اللجان النوعية بالمجلس.
الحادثتان تنتهيان بنا عند مشروعي قانونين؛ أولهما "تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة واقتناء الكلاب"، الذي ينتظر منه تنظيم الشروط والمتطلبات الخاصة بتربية الحيوانات التي قد تشكل خطورة على المجتمع، والثاني "المسؤولية الطبية" الذي قد يوقف حبس الأطباء احتياطيًا في القضايا المرتبطة بأخطاء العلاج.
عضة "البيتبول" تفرج عن "اقتناء الكلاب"
في يونيو/حزيران 2021، تقدم النائب أحمد السجيني رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، بمشروع قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة واقتناء الكلاب، وأحاله رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، إلى لجنة الزراعة والري لمناقشته، اللجنة بدورها وافقت عليه في مارس/آذار 2022 من حيث المبدأ، ثم توقفت المناقشات.
بعد مرور عام، استدعت اللجنة مشروع القانون مرة ثانية من الأدراج، عقب واقعة عقر كلب بيتبول في كمبوند بيفرلي هيلز لمحمد محب، وإصابته بقطع في الأوتار والعصب بالذراع الأيمن، ثم وفاته بعد دخوله في غيبوبة شهرًا خلال بدء التدخل الجراحي.
يلزم مشروع القانون حائز الكلب بتكميمه وتقييده بقلادة مناسبة للسيطرة عليه أثناء التنزه
بعد الواقعة، وافقت لجنة الزراعة على مواد مشروع القانون، التي اعتبرت الكلاب حيوانات "غير خطرة ويجوز الترخيص باقتنائها وحيازتها، شريطة أن تخرج عن نطاق الفصائل الكلبية الخطرة".
ووضع المشروع ضوابط لاقتناء الكلاب تضمنت حظر اقتنائها دون ترخيص من مديرية الطب البيطري التي تنشئ سجلات، إلكترونية أو ورقية، بأرقام مسلسلة لقيد الكلاب المرخص بحيازتها، على أن يتضمن هذا السجل كافة البيانات المتعلقة بالكلب وحائزه، وعلى الأخص اسم الحائز ومحل إقامته وأوصاف الكلب وعلامته المميزة، ويتم تسليم حائز الكلب لوحة معدنية تحمل الرقم المسلسل المشار إليه، وعليه أن يثبتها في رقبة الكلب بصفة دائمة.
ويلزم مشروع القانون حائز الكلب بتكميمه وتقييده بقلادة مناسبة للسيطرة عليه أثناء التنزه أو عند اصطحابه خارج حدود أماكن إيوائه. ووضع عقوبات للمخالفين لهذه الإجراءات والتعليمات، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه ولا تجاوز مئتي ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين.
أما في حالة استخدام حيوان خطر أو كلب للاعتداء على إنسان، فتكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات إذا أفضى الاعتداء إلى عاهة مستديمة، والسجن المؤبد إذا أفضى الاعتداء إلى الموت. بينما في الوضع القانوني الحالي، فطبقًا للمادة 244 من قانون العقوبات، في حال تسبب أي حيوان مفترس بإيذاء شخص آخر نتيجة إهمال صاحبه، فإن مقتنيه يعاقب بالحبس سنة وغرامة 200 جنيه أو إحداهما، وتصل الغرامة إلى 300 ألف جنيه في حال إحداث عاهة مستديمة للشخص.
الكلاب الضالة سبب التأجيل
النائب أحمد السجيني، مقدم مشروع القانون، قال للمنصة إن عدم مناقشة المشروع لمدة سنة كاملة كان نتيجة عدم التوافق بين النواب والحكومة بشأن الجزء الخاص بالحيوانات الضالة، "كان يحتاج إلى قناعة من الحكومة بالتالي قرر رئيس لجنة الزراعة منح وقت للحكومة للتوافق حول الإجراءات والنصوص التي تراها مناسبة للتعامل مع ملف الكلاب الضالة".
يرى السجيني أن استكمال مناقشة مشروع القانون وتمريره بموجب سلطة مجلس النواب التشريعية دون موافقة الحكومة "أمر غير مُجد، فالتجربة أثبتت أن صدور التشريعات من إطار أُحادي يجعلها هي والعدم سواء، لأن الطرف الآخر المعني بالتنفيذ يجب أن يقتنع ويتوافق مع إمكانياته البشرية والمالية وتحديد مؤشرات قياس".
ويعلق على حادث مقتل محمد محب "ليس أول حادث ولن يكون الأخير"، وربطها بثقافة المجتمع والرغبة في اقتناء الكلاب دون مراعاة حقوق الآخرين لضمان عدم تعرضهم لضرر، وقال "مافيش أمة هتعين عسكري لكل مواطن علشان يطبق القانون".
النيابة العامة بعد وفاة محب أمرت مصلحة الطب الشرعى بـ"تحديد سبب الوفاة المباشر، وفحص الأوراق الطبية والعلاجية الخاصة بالمتوفى؛ لتحديد إذا ما قد اتُّبعت الإجراءات الطبية الصحيحة معه وفقًا للأصول المتعارف عليها من عدمه"، وهو ما يعيدنا لمشروع قانون المسؤولية الطبية المحبوس في أدراج مجلس النواب منذ سنوات.
أين قانون المسؤولية الطبية؟
لم تكن حالة محب الوحيدة التي تفتح الباب لإعادة البحث عن مصير القانون، فتزامن معها وفاة الطبيب النفسي رجائي وفائي محبوس احتياطيًا على خلفية اتهامه في واقعة وفاة مريض إدمان بالمركز الطبي الخاص به في محافظة الدقهلية.
وأعلنت نقابة الأطباء في بيان لها، حذفته لاحقًا بعد ضغوط أمنية، التقدم ببلاغ للنائب العام تتهم فيه ضباط قسم شرطة جمصة بتعذيب رجائي نفسيًا وبدنيًا مما أدى لتدهور حالته الصحية ونقله للمستشفى.
الحديث عن قانون للمسؤولية الطبية يعود للفصل التشريعي الأول 2016-2020، عندما تقدم عدد من النواب بمشروعات قوانين مختلفة للمسؤولية الطبية، وتجدد الحديث عنه في الفصل التشريعي الحالي، من خلال مشروع مقدم من النائب أيمن أبو العلا، ومشروع قانون مقدم من النائب أشرف حاتم رئيس لجنة الشؤون الصحية في مجلس النواب.
ورغم الضجة التي صحبت تقدم حاتم بمشروع القانون في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، ومحاولة ترويج حزب مستقبل وطن له، وإحالته للجنة الشؤون الصحية، لم تناقشه اللجنة حتى الآن واكتفت بعقد جلسات استماع حضرها ممثلو الحكومة ونقابة الأطباء.
المجلس يتجاهل الأزمة
وعلى عكس واقعة عقر الكلب، التي شهدت تحرك المجلس؛ تجاهلت لجنة الشؤون الصحية في المجلس واقعة وفاة الطبيب، ولم تتفاعل معها، على الرغم من مطالبة نقابة الأطباء للنيابة العامة بنشر بيان عن تفاصيل واقعة حبس الطبيب، وأسباب حبسه احتياطيًا دون إخطار نقابة الأطباء عند بدء التحقيقات طبقًا لتعليمات النائب العام ومواد القانون 45 لسنة 1969. كما وجهت خطابًا لرئيس الجمهورية وقع عليه ستة آلاف و658 طبيبًا وطبيبة، يطالبونه بإعمال سلطاته بالتدخل للتوجيه بصدور قانون عادل للمسؤولية الطبية.
من جهته، أوضح رئيس لجنة الشؤون الصحية أن تبعية لجنة المسؤولية الطبية لمجلس الوزراء وفق القانون المقترح نقطة خلاف بين وزارة العدل والبرلمان، إذ ترى الوزارة أحقيتها في تبعية اللجنة. فيما تعترض نقابة الأطباء على النصوص التي تتضمن حبس الأطباء.
حتى الآن لم نعرف السبب المباشر لوفاة محب أو رجائي بعد أيام من حبسه احتياطيًا، بينما تبقى مشروعات القوانين التي قد تساهم في الحد من مثل هذه الحوادث في انتظار الخروج من اللجان لقاعة مجلس النواب، ومناقشتها مناقشة فعلية تنتهي بإصدارها وتقييم أثرها لاحقًا.