استيقظ المصريون، صباح اليوم الخميس، على قرار البنك المركزي، بتحرير سعر صرف العملات المحلية "التعويم"، الذي بموجبه انخفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، ليصبح 13 جنيهًا- كسعر استرشادي للبنوك-، بعد أن ثبّته "المركزي" لمدة أشهر عند حد 8.8 جنيهًا للدولار.
وسبق قرار اليوم شائعات وأخبار، زاد انتشارها على مدار اليومين الماضيين، عن "انهيار" سعر الدولار أمام الجنيه المصري، في انعكاس فوري لما أعلن عنه رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، من إجراءات ستتخذها الحكومة للحد من ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية.
وبموجب قرار "التعويم"، أصبح تحديد سعر الجنيه في مواجهة العملات الأخرى، ارتفاعًا وانخفاضًا، خاضعًا لقوة العرض والطلب، وليس بقرار من البنك المركزي، وفقًا لما يقوله الدكتور جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، في معرض تعليّقه لـ"المنصة" على القرار الذي يرى فيه "اختيار سياسي حكومي بالدرجة الأولى، متوافق مع توجه صندوق النقد الدولي، بموجب الاتفاق بين الجانبين لحصول مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار".
وكشف مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، مسعود أحمد، خلال مقابلة تليفزيونية مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية الأحد الماضي، أن الحكومة المصرية هي مَن حدد هدف تعويم الجنيه، وليس استجابة لشرطٍ من الصندوق.
وبعد أيام من تصريحات "أحمد"، أصدر البنك المركزي المصري قراره، الذي ستترتب عليه آثار اقتصادية واجتماعية متعددة.
خاسرون ورابح وحيد
حدد "عبد الخالق" الخاسرون من قرار التعويم بعد انخفاض قيمة الجنيه من 8.8 إلى أكثر من 13 أمام الدولار، قائلاً إن الخسائر المتوقعة تشمل:
* المستهلك: إذ سترتفع أسعار السلع المستوردة بالجنيه المصري، بالنسبة نفسها التي انخفض بها الجنيه أمام الدولار- حوالي 48%- كحد الأدنى للزيادة، موضحًا أنه "توجد احتكارات عاتية في السوق المصرية، أثبتت التجربة أنها تميل إلى رفع السعر بالعملة المحلية للمستورد، بأكثر من نسبة تخفيض الجنيه نفسها".
* الموظفون والعاملون: ستنخفض قيمة القوة الشرائية لرواتب المصريين، ما سيترتب عليه ارتفاع معدلات الفقر، فلأنهم يتقاضونها بالعملة المحلية، فهم مُعرضون لانخفاض القيمة الحقيقية للأجور (مثالاً: من يتقاضى 5 آلاف جنيه، وينفق نصفها على سلع مستوردة، سيزيد إنفاقه بنسبة 48% على الأقل، مع الأخذ في الاعتبار أن السلع المحلية أساسًا معظمها من خامات مستوردة).
* الموازنة العامة للدولة: سيرتفع إنفاق الموازنة العامة للدولة من زاوية، خدمة الدين الخارجي- أقساط وفوائد-، إذ أن قيمة الدين الخارجي على مصر تتجاوز 50 مليار دولار حاليًا، ويستحق عليه مدفوعات أقساط بفوائد، تُسدد بالنقد الأجنبي، وبقرار اليوم بعد أن كانت مصر ستسدده بسعر 8.8 للدولار، سيكون بـ13 جنيهًا.
ولم ينسّ وزير التموين الأسبق، بند آخر قد يطاله الضرر- في أسوأ سيناريوهات ما بعد "التعويم"- وهو الإنفاق الحكومي على الدعم، الذي يرتبط بالمواطن البسيط، الذي قال عنه "عبد الخالق" إن عليه توقع تحمل تضحيات مقبلة، في صورة تدهور مستوى معيشته "لأن دخله ثابت، وتكلفة المعيشة تزيد":
*مستحقو الدعم: اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي يقتضي خفض عجز الموازنة، لكن إجرائها اليوم بخفض قيمة الجنيه ينتج عنه زيادة العجز؛ وبالتالي تصبح الحكومة مُلزمة بالبحث عن بنود إنفاق أخرى في الموازنة العامة لتُخفّضها، وقد تعلن عدم مسؤوليتها عن الدعم، أو تفرض ضرائب جديدة.
في المقابل، يشير أستاذ الاقتصاد إلى فئة واحدة ستحقق مكاسب بفضل هذا القرار، وهي:
* التُّجار: وعلى رأسهم فئة المُصدّرين، إذ سيحصلون بعد القرار على سعر أعلى بالجنيه لما يصدرونه، بينما لن يضار المستوردين كثيرا، لأنهم "سيحمّلون السعر الزائد على المستهلك في نهاية المطاف".
حسابات نسبية
وتحدث الخبير المصرفي وأستاذ التمويل، مدحت نافع، لـ"المنصة"، عن جهات أخرى يرتبط مصيرها بالقرار، إذ أبدى تخوفه من تداعيات سلبية قد يحدثها على سعر الدواء المستورد، مطالبا باستمرار دعمه، سواء بعطاءات دولارية أو بدعم يوجه للمستوردين ويوجهوه بدورهم للمستهلك.
وأوضح "نافع" أن الصادر اليوم قرار بـ"التعويم المُدار" المحكوم بضوابط، من أجل تحقيق الهدف الأساسي من السياسة النقدية، والتي تتمثل في استهداف التضخم، موضحًا أن البنك المركزي وضع قيودًا سعرية بتعليمات للبنوك، حددها بنسبة 10% صعودا وهبوطًا خلال اليوم، والتي من شأنها أن تضع حدودًا لأسعار التداول.
ويقول أستاذ التمويل إن من هذا المنطلق يصبح المكسب والخسارة من قرار "التعويم" أمرًا نسبيًا مرهونًا بالإجراءات الموازية لقرار تحرير سعر الصرف، والتي كان منها رفع البنك المركزي سعر الفائدة بنسبة 3%؛ وهو ما سيُحدث في رأيه آثار سلبية على الاستثمار، إذ ستصبح تكلفة اقتراض المستثمر أعلى، وكذلك قد تتضرر البورصة، بعد أن أصبح لها بديلاً، وهو الودائع البنكية التي أصبحت فوائدها على قدر المساواة بأرباح أسهم البورصة، ودون مخاطرة الربح والخسارة في المضاربة.
ويستدرك "نافع" بقوله إنه بالمخالفة للنظريات، ربحت البورصة في التعاملات اليوم، مفسرًا ذلك بأن سببه أن "الجانب الإيجابي للقرار أعلى من الجانب السلبي، لأن الناس كانت تنتظره منذ فترة طويلة"، وهو ما دفعه لتوقع تحفيز الاستثمار.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، ضمانا لاستمرار المكاسب، أن الكرة الآن في ملعب الحكومة، وعليها أن تعمل على زيادة الحصيلة الدولارية، من خلال السياسة المالية والتجارية للدولة.
تكرار وعود "عبيد"
زفّ البعض قرار التعويم، باعتباره بشارة للقضاء على ظاهرة المضاربة بالدولار في السوق الموازية، وهو ما رد عليه "عبد الخالق" بالنفي، قائلاً إذا كان السعر في السوق السوداء 13 جنيهًا للدولار، والآن عومت الحكومة الجنيه وتبنت نفس السعر، فهي بهذا لا تقضي على السوق السوداء بل "تمشي الأسود على الأبيض".، وعلّق بقوله "هو الكلام نفسه الذي قيل عام 2003، عندما اتخذ قرار سابق بالتعويم، ومازلنا نتحدث في 2016 عن سوق سوداء".
وقررت الحكومة المصرية، برئاسة عاطف عبيد، أوائل عام 2003، تعويم الجنيه المصري؛ ما أفقده نسبة 16% من قيمته أمام الدولار الأمريكي.
وبحثًا عن حلول، يقول "عبد الخالق" إن الحكومة أصبح لزامًا عليها التعامل مع المشكلات الاقتصادية الحقيقية، وهي غياب الإنتاج ، بشقيه الزراعي والصناعي، والذي تسبب في استمرار الاعتماد على الاستيراد من الخارج، مع الحصول على منح وقروض.
وينصح "نافع"، في سبيل زيادة الحصيلة الدولارية، باتباع إجراءت تتعلق برفع نسبة الصادرات والاستثمارات، وتحفيز السياحة التي انخفضت بنسبة 40%، وتشجيع المصريين في الخارج على تحويل أموالهم، ما سيشجع على تدفق العملة الأجنبية للجهاز المصرفي وذلك بالتوازي مع توفير الدولار، والعمل على الاستغناء عنه من خلال إحلال بدائل الواردات، عبر إنعاش الصناعة المحلية، وإعادة تشغيل المصانع المغلقة، وتسهيل المنافسة في الصناعة.