ترددت في مصر، خلال الأسابيع الأخيرة، أصداء أصوات غير مألوفة تجهر بمعارضة النظام الحاكم ورئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي.
وفي وقتٍ يعلن فيه البرلمان المصري دعمه لرئيس الجمهورية رافضًا انتقاده، وتغيب المعارضة السياسية عن الشارع بعد حراك قوي دام بين يناير/كانون الثاني 2011 ويوليو/تموز 2013، ظهرت مقاطع فيديو لمواطنين في مناسبات مختلفة يوجهون "دون خوف" انتقادات حادة لرئيس الدولة والقوات المسلحة ومسؤولين حكوميين.
وانتشرت المقاطع بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واحتفى بها البعض على فيسبوك وتويتر.
وتتعرض مصر لأزمة اقتصادية دفعت عملتها المحلية للقاع بانخفاض قياسي في قيمتها أمام الدولار في تعاملات السوق الموازية. وتواكب معها ارتفاع في الأسعار، واختفاء سلع استهلاكية من الأسواق مثل الأرز والسكر.
ويشهد سوق الدواء المصري نقصأ حادًا في بعض المنتجات الدوائية على الرغم من رفع أسعارها مؤخرًا. وتظاهر مواطنون في سبتمبر/أيلول بسبب اختفاء ألبان الأطفال المُدعّمة من الأسواق. وتوقع المركز المصري للحق في الدواء أن تصل أزمة نقص الأدوية لذروتها شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
تجاوز "الخطوط الحمراء"
خلال العامين الماضيين، وجه إعلاميون مُقربون من النظام، انتقادات لأداء مسؤولين في الحكومة المصرية بسبب إخفاقها في إدارة بعض الازمات. ونال شريف إسماعيل رئيس الوزراء أيضًا نصيبًا من الهجوم لكن ظلّ رئيس الجمهورية والقوات المسلحة "خطًا أحمر" ممنوع الاقتراب منه.
وفي فيديو شهير انتقد سائق توك توك أداء الحكومة المصرية ورئيس الجمهورية وإدارته للبلاد منذ توليه منصبه، وبعده بأيام، انتشر مقطع فيديو آخر لامرأة تنتقد بحدة غلاء الأسعار وتعاظم دور القوات المسلحة وتدخلها في كافة مجالات الحياة اليومية للمواطنين.
ومؤخرًا، قال مواطنون من رأس غارب، إحدي مدن محافظة البحر الأحمر الحدودية، إن "الجيش ما عملناش حاجة" ردًا على مراسل تليفزيوني تحدث عن دور الجيش في إنقاذ المنكوبين من أهالي المدينة عقب السيول العارمة التي اجتاحتها.
قال سائق التوك توك "قبل انتخاب رئيس الجمهورية كان عندنا سكر يكفينا، وكان عندنا رز بنصدره.. ايه اللي حصل ، راح فين وجه منين عايزين نفهم". كما انتقد المشروعات القومية وقال "هيدخلنا بيها في الحيطة".
أمّا "سيّدة السوق" كما أطلق عليها البعض فقالت: "الجيش هيدعم اللحمة. الجيش هيدعم المجاري. هو خلاص البلد مبقاش فيها غير الجيش" وتابعت: "هو خلاص بقية الشعب اللي في البلد دي يتعدم نولع فيه بجاز وبنزين".
وفي رأس غارب، قال أحد المضارين من السيول: "هو مفيش غير الجيش، الجيش جايب لي حتة كرتونة مكتوب عليها "تحيا مصر" هي فين مصر دي، احنا كرهنا مصر يا راجل".
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي تطرق في مؤتمر صحفي؛ خلال افتتاح مشروع "بشاير الخير" في سبتمبر/أيلول الماضي إلى "حملة التشكيك" في القوات المسلحة المصرية. ورفض السيسي الانتقادات الموجهة للجيش وقال إنه "لا يوجد جنيه يتم إنفاقه داخل القوات المسلحة دون علمه" وذلك ردًا على منتقدي "تعاظم النفوذ الاقتصادي للجيش".
اقرأ أيضًا: نص خطاب السيسي في افتتاح مشروع بشاير الخير
إعلام الصوت الواحد
كان انتقاد الإعلام بمثابة نُقطة تلاقٍ لمنتقدي النظام السياسي في مصر، فبالإضافة للحديث عن غلاء الأسعار، وفشل السياسات العامة للدولة، وعدم قدرتها على مواجهة الأزمات المختلفة، تضمنت الفيديوهات انتقادات واضحة لأداء الإعلام وخوف من عدم "توصيل أصواتهم".
ورغم الاتهامات الموجهة للإعلام بـ"الوقوف إلى جانب السلطة ودعم النظام السياسي" إلا أن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي يرى عكس ذلك. ودأب الرئيس على انتقاد الإعلام منذ توليه رئاسة الجمهورية.
وفي الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ انتقد السيسي الإعلام وتناوله لبعض القضايا مثل حادث مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وحادث تفجير الطائرة الروسية داخل المجال الجوي المصري بسيناء.
وقال سائق التوك توك موجهًا حديثه لمقدم البرامج الشهير عمرو الليثي: "هطلب منك طلب واحد؛ بالله عليك ما تقطع حرف من اللي أنا باقوله".
وقالت المرأة في مطلع مقطع الفيديو "المهم اللي احنا بنقوله ده هيوصل ولا مش هيوصل". وبينما كانت تعدد أوجه الإخفاق الحكومي في قطاعات مختلفة ردد محيطون بها: "والله لو الكلام ده ما وصلش يبقى مفيش دولة".
وفي رأس غارب كانت المواجهة مختلفة. لم يُشكك الأهالي في "وصول صوتهم للمسؤولين" لكن أحدهم قال لمقدم البرامج، المقرب من النظام، أحمد موسى: "أنت في البرنامج بتاعك كل يوم بتقول الحكومة والجيش، الحكومة والجيش، هما فين دلوقتي، انا بشوفك كل يوم، كل يوم بتقول الجيش والسيسي.. هما فين، انا أول ما هشوفك على الشاشة هقفل التليفزيون".
وكان موسى طالب أحد مراسليه بأن يتوقف المواطنون عن "انتقاد القوات المسلحة التي تحمي البلاد".
وظهر مقطع فيديو يقوم فيه مواطنون من رأس غارب بمنع ريهام سعيد، مقدمة البرامج، من التصوير مع بعض المحتجين.
دعوات 11 نوفمبر
ولم تشهد مصر احتجاجات واسعة ضد السلطة الحالية منذ تولي عبد الفتاح السيسي في يوليو/تموز 2014 إلا مرة واحدة في إبريل/نيسان الماضي؛ بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية.
واحتج وقتها آلاف في مظاهرات بوسط العاصمة القاهرة، وألقت قوات الأمن القبض على بعض المتظاهرين.
وأطلق مجهولون دعوة جديدة للتظاهر ضد "غلاء الأسعار" يوم 11 نوفمبر الجاري، وأطلقوا عليها "ثورة الغلابة" التي وصفها السيسي بأنها"محاولة لأهل الشر، ومصيرها الفشل".
ويتوقع أن يتخذ الرئيس المصري قرارات اقتصادية وصفها خبراء بـ"الصادمة"بعد حصول مصر على الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي المنتظر وصوله خلال أيام.