لم تتوقف أثار أحكام بطلان انتخابات مجلس النواب بـ30 دائرة الصادرة من المحكمة الإدارية العليا، أول أمس، عند إلغاء نتائج مشوبة بالبطلان في عشرات الدوائر فحسب، بل امتد ذلك الأثر، حسب ما جاء في حيثيات تلك الأحكام ليكشف حالة غير مسبوقة من الارتباك في إدارة العملية الانتخابية.
وفي الوقت الذي خرج المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات المستشار أحمد بنداري، ليعلن أسبابًا "فنية أو إجرائية" للبطلان، حاصرًا إياها في امتناع اللجان الفرعية للانتخابات عن تسليم وكلاء المرشحين محاضر الحصر العددي للأصوات بها، جاءت حيثيات المحكمة لتكشف عن فجوة واسعة بين "الرواية الرسمية" التي ساقتها الهيئة، وبين الحقيقة القانونية المتمثلة في امتناع الهيئة نفسها عن تسليم محاضر الفرز للمحكمة رغم تكليفها بها.
وعدّت المحكمة ذلك الامتناع "خطأ جسيمًا" من قبل الهيئة يدعم حديث مقدمي الطعون عن وجود مخالفات جسيمة في حساب وتجميع الأصوات أسفرت عن صعود مرشحين غير مستحقين لجولة الإعادة، تستوجب نسف النتائج، لتؤكد أن ما أعلنه بنداري كان توصيفًا "غير دقيق" لواقع انتخابي مأزوم.
لم تتطرق المحكمة للتدقيق أو التحقق من الوقائع التي تضمنتها الطعون بشأن الخطأ في احتساب الأصوات أو وجود لافتات ودعاية انتخابية في محيط اللجان بالمخالفة للصمت الانتخابي أو تقديم رشاوى انتخابية للناخبين لتوجيههم والتأثير على إرادتهم، لكنها توقفت عند عدم تقديم الهيئة لمحاضر الفرز واعتبرته قرينة لصالح مقدمي الطعون فيما يدعونه من عدم مشروعية قرار إعلان نتيجة جولة الإعادة.
وبناء عليه اعتبرت المحكمة قرارات إعلان النتيجة بتلك الدوائر والتي تضمنت صعود مرشحين لجولة إعادة "غير قائمة على سبب صحيح من الواقع أو القانون متعينًا القضاء بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إعادة إجراء الانتخابات في هذه الدوائر بالنظام الفردي بين جميع المترشحين".
شواهد الارتباك الإداري والقانوني في أداء الهيئة الوطنية للانتخابات، والذي كشفت عنه حيثيات الأحكام التي حصلت المنصة على نسخة منها، لم تقف عند حد امتناعها عن تقديم محاضر الفرز الخاصة بعدد من اللجان المطعون على نتائجها، بل امتد ليشمل تقديمها محاضر "منقوصة" أو أقل من العدد المطلوب قانونًا للفصل في الطعون الخاصة بدوائر أخرى، وهو ما اعتبرته المحكمة "تقصيرًا في تقديم المستندات يحول بينها وبين إنزال صحيح حكم القانون على الوقائع محل الطعن الماثل".
ففي أسباب بطلان الانتخابات في 10 دوائر على سبيل المثال، أكدت المحكمة أن الهيئة الوطنية للانتخابات امتنعت عن تقديم 700 محضر فرز للأصوات باللجان الانتخابية الفرعية، تنوعت ما بين امتناعها التام عن تقديم المحاضر التي كلفتها بها المحكمة في 5 دوائر، وتقديمها لعدد قليل جدًا وغير كافٍ لبناء عقيدة من قبل المحكمة للفصل في النزاع بشأن 5 دوائر أخرى.
وتشير الحيثيات إلى أن الهيئة الوطنية للانتخابات امتنعت بشكل تام عن تقديم 176 محضر فرز خاصين بدائرة ديروط والقوصية ومنفلوط بأسيوط، و80 محضرًا خاصًا بلجان دائرة أبو تيج بذات المحافظة، و55 محضرًا للجان دائرة إسنا بقنا، و96 محضرًا للجان دائرة كوم حمادة وبدر بالبحيرة و54 محضر فرز للجان دائرة أول أسوان.
فيما سلمت الهيئة للمحكمة محاضر فرز 15 لجنة من أصل 107 لجان بدائرة بندر المنيا، ومحاضر فرز 5 لجان من أصل 50 لجنة بدائرة العمرانية والطالبية بالجيزة، ومحاضر فرز 12 لجنة من أصل 37 بدائرة الواحات الداخلة والفرافرة بالوادي الجديد، ومحاضر فرز 53 لجنة من أصل 100 بدائرة العياط والبدرشين بالجيزة، و28 محضر فرز من أصل 58 بلجان دائرة الدلنجات بالبحيرة.
وأصدرت المحكمة الإدارية العليا، السبت، 30 حكمًا قضائيًا غير قابلين للطعن بإلغاء قرار الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان نتيجة الانتخابات على المقاعد الفردية في 30 دائرة انتخابية، كان من المنتظر أن تشهد جولات إعادة على مقاعدها خلال الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الثاني الجاري.
وسبق للهيئة الوطنية للانتخابات إلغاء نتيجة الانتخابات على المقاعد الفردية في 19 دائرة انتخابية أخرى، وذلك بعدما طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي الهيئة بالتدقيق في المخالفات والأحداث التي وقعت خلال المرحلة الأولى من الانتخابات.
ولم تكن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية وحدها التي شهدت مخالفات، إذ خرجت كذلك المرحلة الثانية لتؤكد بقاء الأمور على حالها، وأنه لا سبيل لإخراج مشهد انتخابي أقل فجاجة، إذ خرجت بنفس كتالوج المرحلة الأولى مكررة المخالفات ذاتها.