اتهم سفير السودان في القاهرة عماد الدين مصطفى عدوي، الإمارات، بتقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي لعناصر الدعم السريع لارتكاب جرائمه في السودان، محملًا المجتمع الدولي ومجلس الأمن مسؤوليتهم الأخلاقية والقانونية في منع استمرار هذه الإبادة الجماعية ومحاسبة مرتكبيها ومموليها.
وسلط السفير السوداني خلال مؤتمر صحفي ظهر اليوم في مقر إقامته بالقاهرة الضوء على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها عناصر الدعم السريع في السودان خاصة عقب سيطرتها على مدينة الفاشر بعد الهجوم الواسع عليها في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
والأحد الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة الفاشر بعد معارك عنيفة انتهت بالاستيلاء على مقر الفرقة السادسة للجيش وآخر معاقله في المدينة، وهو ما أقر به قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في اليوم التالي، معلنًا انسحاب القوات "تجنبًا لمزيد من الدماء والضحايا".
وتعد الفاشر آخر عاصمة إقليمية كانت خارج سيطرة الدعم السريع منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، وظلّت محاصَرة لأكثر من 18 شهرًا. وخلال الحصار، وثّقت منظمات إنسانية نقصًا حادًا في الغذاء والدواء، ما أدى إلى تفشي الجوع والأمراض بين سكانها، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 250 ألف نسمة.
ووصف السفير عناصر الدعم السريع بـ"الميليشيا الإرهابية"، لافتًا إلى أنها فرضت حصارًا مطبقًا على مدينة الفاشر لنحو 18 شهرًا، شنت خلالها ما يقارب 300 هجوم على المدينة التي كانت القوات السودانية متمركزة بها، وقطعت إمدادات الغذاء والدواء والوقود ومنعت المواطنين من الخروج أو إدخال أي مواد غذائية إليها.
ولفت إلى أنه وفقًا لصور الأقمار الاصطناعية ولقطات فيديو مصورة من قبل الميليشيا نفسها "وثقت حفرهم خندقًا حول المدينة بطول مقدر بنحو 55 كيلومترًا يمنع الخروج والدخول وظهر استخدامه لغرض بشع خلال الأيام القليلة الماضية".
وأشار إلى الإعلان عن وجود حالات مجاعة في الفاشر منذ أشهر "ودقت حكومة السودان وعدد لا يحصى من المنظمات الدولية ناقوس الخطر بل وأعلنت الأمم المتحدة أن استخدام التجويع في الفاشر كسلاح حرب يعد جريمة حرب مكتملة الأركان وكذلك منع الإغاثة وعرقلة الوصول الإنساني".
وحسب السفير، كان عدد سكان الفاشر يقارب المليون ونصف المليون مواطن "بقي منهم حوالي 800 ألف صامدين بعد أن قضى كثيرون جراء الجوع والأمراض الوبائية وتلك المرتبطة بنقص الرعاية التي لم تتح لهم وكثيرون منهم ماتوا من جراء القصف اليومي".
وبخصوص الهجوم الذي شنته الميليشيات في 26 أكتوبر الماضي لفت إلى أن هناك "حديثًا عن مشاركة طيران أجنبي حمل غاز الأعصاب المحظور دوليًا"، إلى جانب القصف الكثيف واختراق أحياء المدينة بالمدرعات والمشاة وقطع كامل للاتصالات عن المدينة والتشويش على الاتصالات، مشيرًا إلى أن قوات الجيش السودانية قررت الانسحاب من المدينة حفاظًا على أرواح المدنيين المحتجزين داخلها، وساهمت في إخراج عدد كبير منهم.
وقال السفير إن ما حدث في الفاشر ليس حادثًا فرديًا كما تحاول ميليشيا الدعم تصويره، وإنما هو "تنفيذ لمخطط كانت قيادات الميليشيا تعلنه وتهدد به باستمرار وهو استهداف وابادة جماعية لسكان الفاشر خصوصًا من ينتمون إلى قبائل ومجتمعات بعينها"، مؤكدًا أن "الميليشيا مبنية على استعلاء عرقي وعنصري".
وخلال المؤتمر أذيعت فيديوهات توثق إعدامات ميدانية نفذتها عناصر ترتدي زي ميليشيا الدعم السريع، وقال السفير إن هذه "الفيديوهات وثقها عناصر الميليشيا وهم يستلذون بقتل وتعذيب وإهانة المدنيين العزل من نساء ورجال وأطفال وشيوخ بل وجرحى في المستشفيات".
وأضاف "ما نعرضه اليوم ليس سوى قطرة من بحر المجازر والانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات المتمردة الإرهابية بحق المواطنين"، مشيرًا إلى استمرار قطع الاتصالات والتعتيم على ما حدث حتى الآن.
وقال السفير إنه وفقًا للمعلومات التي وصلت إلى الحكومة السودانية قُدر عدد النازحين بـ28 ألف شخص وصلوا إلى مدينة طويلة خلال الساعات الـ24 الأولى التي تلت دخول الميليشيا إلى الفاشر، "يعاني معظمهم من صدمة وسوء تغذية بدرجات متفاوتة وآثار جروح وضرب ويعاني حوالي ألف منهم أوضاعًا صحية متردية"، إضافة إلى أن نحو 750 طفلًا تقريبًا يعانون من سوء تغذية حاد ويحتاج 318 طفلًا آخرون إلى تدخل نفسي عاجل بجانب 465 شخصًا آخرين يحتاجون تدخلًا طبيًا جراحيًا عاجلًا.
وتابع أنه وفقًا لمصادر عدة تم إعدام حوالي 2700 شخص حتى يوم 28 أكتوبر، وأن جميع المصادر تتفق على أن الأعداد حتمًا أكبر بكثير.
ولفت السفير إلى إعلان منظمة الصحة العالمية عن تأكيد مقتل ما يقرب من 500 مريض ومرافق داخل المستشفى السعودي بالفاشر وهو الوحيد الذي كان يعمل بالمدينة، مشيرًا إلى أن هناك معلومات موثقة بشهادات النازحين إلى احتجاز الميليشيا نحو 300 سيدة وفتاة، تعرضت العشرات منهن للتعذيب وعشرات أخريات للاغتصاب.
وعن موقف الحكومة المصرية، قال السفير إن مواقفها "هي الأعلى والأثبت والأصلح، كونها تدرك تمامًا طبيعة ما يحدث في السودان"، مضيفًا أن موقف الحكومة المصرية يزداد يوميًا "قربًا وتمسكًا بضرورة المحافظة على السودان وأهله".
وعن دور جامعة الدول العربية، قال السفير إن الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي تدعم الميليشيات المتمردة أما بقية الدول فتصدر منها البيانات الداعمة للسودان والتنديد بكافة أفعالها ورفضها لأي كيان مواز.
وتساءل السفير عن مصير شكويين موثقتين مقدمتين من السودان إلى مجلس الأمن توضحان ضلوع الإمارات في دعم الميليشيا ماليًا وتسليحيًا ولوجستيًا وتسهيل وصول المرتزقة إلى السودان لارتكاب هذه الجرائم.
وتتهم السودان، الإمارات، بدعم قوات الدعم السريع في الحرب الأهلية المستمرة في البلاد، التي أودت بحياة عشرات الآلاف، وأجبرت الملايين على النزوح من ديارهم، وتركت الكثيرين يواجهون خطر المجاعة، بينما تنفي الإمارات هذه الاتهامات نفيًا قاطعًا، واصفةً القضية بأنها "مسرحية سياسية" و"حيلة دعائية ساخرة".
وفي مايو/أيار الماضي، قررت الحكومة السودانية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات وأعلنتها دولة عدوان.
وكانت محكمة العدل الدولية رفضت دعوى السودان ضد الإمارات بشأن "انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال دعم القوات شبه العسكرية في منطقة دارفور"، وأعلنت المحكمة، الاثنين، أنها لا تملك صلاحية اتخاذ تدابير تأديبية ضد الإمارات، وصوّت قضاتها على إنهاء القضية.
وجدد السودان اتهاماته للإمارات بـ"العدوان" عليه، وذلك على لسان مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس، الذي أدان خلال جلسة عُقدت الخميس الماضي، قيام أبوظبي بدعم وتمويل قوات الدعم السريع، التي قالت الأمم المتحدة إنها تلقت "تقارير مقلقة" عن تورط عناصرها في عمليات "إعدامات ميدانية" في شوارع مدينة الفاشر بعد أن سيطرت عليها يوم الأحد الماضي.
وتستمر الحرب بين الجيش السوداني بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، نائب البرهان سابقًا، منذ أبريل/نيسان 2023، بعد تفجر صراع على السلطة بين قادة الجانبين.