صفحة وزارة الداخلية على فيسبوك
سجن بدر، أرشيفية

"الإنكار لن يفيد".. تقرير حقوقي يطالب السلطات بالتحقيق في "انتهاكات مجمع سجون بدر"

محمد الخولي
منشور الثلاثاء 30 أيلول/سبتمبر 2025

طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية النيابة العامة ووزارة الداخلية بالتحرك للوقوف على أوضاع المحتجزين في مجمع سجون بدر والبت في شكاوى تتعلق بوجود انتهاكات داخله، ومراجعة السياسات والإدارة الأمنية وإجراء تحقيق جاد للإجراءات التنفيذية والتشريعية حفاظًا على أرواح وحقوق السجناء.

ورصد التقرير الذي نشرته المبادرة أمس، وحمل عنوان "بين الدعاية والحقيقة.. انتهاكات حقوق نزلاء سجون بدر"، روايتين متقابلتين للأوضاع في سجون بدر؛ الأولى حكومية، تشيد بالأوضاع داخل السجون، والثانية رواية المحتجزين وأسرهم ومحامييهم والتي يؤكدون فيها على صعوبة الأوضاع وتفاقم أشكال العنف المُمارس ضدهم، بحسب التقرير.

وقالت المبادرة إن رصدها للأوضاع في المجمع الذي افتتح رسميًا في 30 ديسمبر/كانون الأول 2021، جاء بناءً على المصادر المتاحة لأن "التواصل مع المحتجزين صعب ولا يمكن إجراء زيارات دورية ومستقلة من المجتمع المدني لمقار الاحتجاز، كما لا تقوم النيابة العامة بالزيارات بالشكل الملائم الذي يحقق الغرض من الرقابة والمساءلة"، وفق التقرير.

وفي أبريل/نيسان الماضي، نفت وزارة الداخلية "جملة وتفصيلًا" صحة تقرير أعدته الشبكة المصرية لحقوق الإنسان حول الاعتداء على نزلاء بسجن بدر 3 ومحاولات انتحار بسبب "انتهاكات بحقهم"، وقالت الوزارة إن جميع مراكز الإصلاح والتأهيل يتوافر بها كافة الإمكانيات المعيشية والصحية ويتم تقديم الرعاية المتكاملة للنزلاء وفقًا لأعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ماذا يقول التقرير؟

ينقسم تقرير المنظمة إلى أربعة محاور أساسية؛ الأول يتناول عملية نقل مئات المحتجزين من سجون متفرقة إلى مجمع بدر، باحثًا عن مدى استعداد وزارة الداخلية إداريًا لهذه الخطوة "الضخمة"، وما إذا كانت عملية النقل أثرت على حقوق السجناء وعائلاتهم، إضافة إلى فحص جاهزية السجون الجديدة وصلاحيتها للحياة اليومية وفقًا للتشريعات المصرية والاتفاقيات الدولية.

أما المحور الثاني فركّز على البنية التحتية داخل مجمع بدر؛ شكل الزنازين وتوزيعها، وما إذا كان الواقع الذي ينقله السجناء وأسرهم ومحاموهم يتطابق مع الصورة التي تعرضها وزارة الداخلية في أفلامها الترويجية عن مراكز الإصلاح والتأهيل.

وفي المحور الثالث، قيّم التقرير الظروف المعيشة داخل السجن؛ من التريض والطعام إلى فرص التعليم والاطلاع والرعاية الصحية وصولًا إلى حق التواصل مع الخارج عبر الزيارات والمراسلات، مشيرًا إلى أثر الموقع النائي للمجمع على قدرة الأهالي على زيارة ذويهم، في ظل غياب شبكة مواصلات عامة، والتكلفة الباهظة التي يفرضها ذلك.

أما المحور الرابع فتناول فهم السياق الذي انتشرت فيه الأخبار عن شروع أعداد من المحتجزين في الإضراب أو الانتحار، ومتابعة الطريقة التي اختارتها الجهات المختصة في التعاطي مع مثل هذه الادعاءات.

شكاوى المحتجزين وأسرهم

وعن "الانتهاكات التي يتعرض لها نزلاء مجمع سجون بدر"، رصد التقرير أن عملية نقل المحتجزين من السجون القديمة إليه شهدت "فوضى واضحة"، دلت على "غياب التخطيط الإداري المسبق"، وأنه لم يتم إخطار المحتجزين أو أسرهم رسميًا بموعد النقل أو وجهته الجديدة، مما أدى إلى تشتت الأهالي واضطرارهم للتنقل بين سجون طرة ووادي النطرون وبدر للبحث عن ذويهم.

ولفت إلى وصول أغلب المحتجزين إلى سجن بدر 1 بملابسهم التي يرتدونها فقط، "وحُرموا من متعلقاتهم الشخصية والأثاث الذي اشتروه سابقًا على نفقتهم"، كما واجه الأهالي صعوبة في إيداع الأموال لعدم تخصيص رقم بريدي للسجن في البداية، في حين اعتمد المحتجزون على طعام السجن غير الكافي بينما كان "الكانتين" مغلقًا أو يعمل بشكل غير منتظم ويعرض "أسعارًا مرتفعة للغاية".

وذكر أنه بناءً على الشهادات التي جمعتها المبادرة ورصدتها في دعاوى قضائية فإن مجمع سجون بدر "نموذجًا لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في انتهاك الحقوق الأساسية للنزلاء، بدلاً من تحسينها"، مشيرًا إلى أن أحد "أكبر" هذه الانتهاكات كانت عن طريق "تركيب كاميرات مراقبة داخل الزنازين الجماعية والفردية"، بالإضافة إلى استخدام الإضاءة القسرية الساطعة ليلًا ونهارًا دون انقطاع ما يحرم النزلاء من النوم.

وأكد التقرير أن الإهمال الطبي في مجمع بدر يعد "ممارسة مؤسسية" وليست حالات فردية، على الرغم من الترويج لوجود "مركز طبي متقدم".

ووثق خمس وفيات على الأقل في سجن بدر 3 خلال الربع الأخير من عام 2022 فقط، "لأسباب تتعلق بالإهمال الطبي وعدم الاستجابة لحالاتهم الخطرة". وتكررت الوفيات في عامي 2023 و 2024 لتصل إلى ثماني حالات موثقة على الأقل.

وأشار إلى أن "المحتجزين يلجأون إلى الإضراب عن الطعام أو محاولات الانتحار كآخر وسيلة للاحتجاج، بسبب انعدام السبل التقليدية للشكوى".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي دخل نزلاء سجن بدر 3 في إضراب عن الطعام بسبب سوء المعاملة والتعنت مع ذويهم خلال الزيارات حسب ما نشرته المفوضية المصرية للحقوق والحريات وقتها، واستشهدت بإضراب سابق في النصف الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2022، والذي نظمه السجناء بسبب "ظروف معيشية متدنية" وصفوها بأنها "أسوأ من سجن العقرب".

مطالبات بالتفتيش والشفافية

وأوصى التقرير بضرورة تحرك أجهزة التحقيق والرقابة لضمان التزام السجون بالقانون والدستور، وطالب النيابة العامة بإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا الذين تجاوزوا الحد الأقصى القانوني للحبس، والتحقيق الفوري والمفصل في كافة البلاغات والشكاوى التي قدمها المحتجزون والأهالي والمحامون حول الانتهاكات، مع ضرورة إيقاف المسؤولين المشكو ضدهم عن العمل لحين انتهاء التحقيق.

كما طالبت المنظمة النيابة الالتزام بالتفتيش الدوري على أماكن الاحتجاز مرة واحدة شهريًا على الأقل، والإعلان بشكل مفصل عن نتائج الزيارات لكل مقر احتجاز.

ودعت المبادرة مجلس النواب إلى التوقيع على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، لتلحق مصر بالدول النظيرة في المنطقة، وتعديل المادة 42 من قانون تنظيم السجون لتنص صراحة على أن يكون قرار منع الزيارة مسببًا ولفترة زمنية محددة، مع السماح ببدائل للتواصل مثل المكالمات الهاتفية والرسائل.

كما ناشد المجلس تعديل القوانين لتلزم إدارات السجون بتعيين أطباء تابعين لوزارة الصحة لضمان استقلاليتهم عن إدارة السجن، والسماح للمحتجزين الطلبة بمتابعة دراستهم عن بُعد وعقد لجان الامتحان إلكترونيًا.

وفي رسالتها لوزارة الداخلية طالبت المبادرة بالإفصاح والشفافية كونهما ضروريان لوقف "تدهور الأوضاع في السجون"، مشددة على أن "الإنكار لن يفيد"، ومؤكدة أن "الوفيات التي حدثت كان من الممكن تفاديها"، وأن استمرار الأوضاع الحالية يعني استمرار "محاولات القتل بالبطيء" في ظل غياب الرقابة والمساءلة.

ودعت الوزارة إلى وقف استخدام الكاميرات داخل الزنازين والاقتصار على الممرات والصالات الكبرى فقط، لضمان حقوق النزلاء في الخصوصية، وإلغاء نظام الزيارات المقيدة الذي استمر العمل به استثناءً منذ جائحة كورونا، والعودة للالتزام بمواعيد الزيارة التي يكفلها القانون للمحتجزين.

إدانات سابقة لأوضاع السجن

ويوليو/تموز الماضي، حذرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات من تدهور خطير في الأوضاع المعيشية داخل مركز إصلاح وتأهيل بدر 3، مؤكدةً أن تكرار محاولات الانتحار بين السجناء هو نتيجة مباشرة لسياسات "العزل، والحرمان من الزيارة، والإهمال الطبي الممنهج".

ورصدت المفوضية وقتها لجوء السجناء إلى الإضراب عن الطعام كسلاح شبه وحيد للاحتجاج، مؤكدةً أن العشرات دخلوا في إضراب مفتوح منذ 20 يونيو/حزيران 2025، وهو ما عدته جزءًا من سلسلة إضرابات متكررة منذ عام 2022، أدت إحداها إلى وفاة السجين علاء السلمي نتيجة الإهمال الطبي.

وسبق أن أدانت 14 منظمة حقوقية تصاعد الانتهاكات داخل مجمع مراكز إصلاح وتأهيل بدر، خاصة مركز بدر 3 "حيث تشهد أوضاع الاحتجاز تدهورًا متسارعًا، ويُحرم السجناء من أبسط حقوقهم الأساسية".

وطالبت 38 منظمة حقوقية مصرية ودولية في مارس/آذار 2023 السلطات المصرية بفتح سجن بدر أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الحقوقية المستقلة؛ للتحقق من الأنباء الواردة من داخل السجن بشأن "التنكيل بالسجناء ومحاولات الانتحار المتكررة وحالات الإضراب عن الطعام بين المعتقلين".

وبداية أغسطس/آب الماضي، أعربت 10 منظمات حقوقية عن قلقها إزاء ما وصفته بـ"التدهور السريع للأوضاع داخل مركز بدر للإصلاح والتأهيل"، وطالبت بالسماح لأهالي سجناء بدر 3 بإجراء زيارات منتظمة وفقًا للوائح السجن وإحضار الطعام لذويهم مرة أسبوعيًا، إلى جانب الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين بتهم سياسية.

وتنص المادة 60 من اللائحة الداخلية للسجون رقم 79 لسنة 1961 على حق المحبوسين احتياطيًا في أربع زيارات شهريًا، والمحكوم عليهم زيارتين شهريًا.