موقع ماذربورد
تصميم برخصة المشاع الإبداعي

تحذيرات من أبل تكشف استمرار حملة التجسس على صحفيين ونشطاء في 100 دولة

محمد الطاهر
منشور الجمعة 2 مايو 2025

تلقى الصحفي الإيطالي تشيرو بيليجرينو إشعارًا رسميًا من شركة أبل يفيد بتعرض هاتفه لعملية اختراق بواسطة برمجية تجسس متقدمة، سمّتها أبل "برمجيات تجسس مرتزقة/mercenary spyware"، وهي برمجيات مراقبة إلكترونية تُطوّرها شركات خاصة وتُباع للحكومات والأجهزة الأمنية بدعوى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

وتُستخدم هذه البرمجيات على نحو متزايد لاستهداف أفراد من المجتمع المدني، بمن فيهم الصحفيين والنشطاء. ويُعد هذا التطور تصعيدًا خطيرًا في حملة تجسس إلكترونية مستمرة ضد شخصيات عامة في إيطاليا خلال الأشهر الأخيرة.

وبيليجرينو هو أحد أبرز صحفيي موقع التحقيقات الاستقصائية Fanpage، وتلقى هذا الإشعار بعد أشهر من تلقي رئيس تحرير الموقع فرانشيسكو كانسيلاتو إشعارًا مشابهًا.

وكان كانسيلاتو صرّح في يناير/كانون الثاني الماضي بأنه استُهدف ببرمجية طورتها شركة براجون سليوشنز/Paragon Solutions الإسرائيلية، التي كانت آنذاك ترتبط بعقد رسمي مع الحكومة الإيطالية.

وبهذا الإشعار، يصبح بيليجرينو سادس شخص في إيطاليا يتلقى تأكيدًا باستهدافه عبر برمجيات تجسس، بعد كانسيلاتو وأربعة نشطاء آخرين في المجتمع المدني، من بينهم لوكا كازاريني وبيبي كاتشيا، مؤسسا منظمة ميديترانيا لإنقاذ البشر، التي تواجه حملات عدائية بسبب نشاطها في إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط، بالإضافة إلى الأب ماتيا فيراري، وهو كاهن كاثوليكي ارتبط اسمه ببعثات إنقاذ ولقاءات مع البابا فرنسيس، والناشط الحقوقي ديفيد يامبيو المقيم في إيطاليا.

بيليجرينو نشر لقطة من إشعار أبل الذي تضمن رسالة تحذيرية تؤكد أن الهجوم "يستهدفه تحديدًا بسبب من هو أو ما يفعله"، والتأكيد بـ"ثقة عالية" لدى أبل في أن اختراق الهاتف تم باستخدام برمجية تجسس متطورة.

وكتب بيليجرينو أن رد فعله الأول بعد تلقي الإشعار كان العودة إلى منزله، مطالبة زوجته بالصمت ووضع الهاتف داخل الميكروويف، خوفًا من أن يكون مراقبًا صوتيًا.

وعلّق في مقال له قائلًا "تُفعّل هذه البرمجيات التجسسية من دون أن تقوم بأي شيء. من لحظة الإصابة، يتمتع مشغّل البرمجية بوصول كامل إلى الجهاز، ويمكنه قراءة ومشاهدة وتحميل كل شيء. الهواتف هي الصناديق السوداء لحياتنا. فكر فقط في ما يعنيه أن تمتلك جهة خبيثة هذا الكم من البيانات الحساسة".

وحسب ما ورد في مقاله، أشار الإشعار إلى أن بيليجرينو لم يكن الوحيد المستهدف "يتم إرسال هذا الإشعار اليوم إلى مستخدمين متأثرين في 100 دولة".

وفي نفس السياق، أكدت أيضًا الكاتبة الهولندية والمعلقة السياسية إيفا فلاردينجيربروك، عبر إكس، تلقيها الإشعار، مشيرة إلى أن محتوى الرسالة تطابق مع ما تلقاه بيليجرينو وغيره، وأن أبل لم تتمكن من تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم، لكنها أكدت أن الهجوم كان موجهًا بشكل شخصي.

وفي فيديو نشرته فلاردينجيربروك أظهرت صورة من إشعار أبل جاء فيه "رصدت أبل هجومًا مستهدفًا باستخدام برمجية تجسس مرتزقة ضد هاتفك الآيفون. من المرجح أن يكون هذا الهجوم موجهًا إليك تحديدًا بسبب من أنت أو ما تفعله. ورغم أنه من المستحيل الجزم التام بمثل هذه الهجمات، فإن أبل لديها ثقة عالية جدًا في هذا التحذير، الرجاء أخذه بجدية".

حتى الآن، لم تُعرف البرمجية المستخدمة بدقة في حالة بيليجرينو وفلاردينجيربروك، إلا أن تحقيقات موازية تُشير إلى أن الصحفيين والنشطاء الآخرين استُهدفوا على الأرجح بواسطة برمجية باراجون، وهي أداة تجسس ذات طابع عسكري، تبيعها الشركة الإسرائيلية فقط للجهات الحكومية، بزعم استخدامها في مكافحة الجريمة.

في مارس/آذار الماضي، اعترف وكيل مجلس الوزراء ألفريدو مانتوفانو، خلال جلسة سرية أمام لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيطالي، أن الحكومة وافقت على استخدام برمجية باراجون ضد نشطاء من منظمة إنسانية غير حكومية، باعتبارهم "تهديدًا محتملاً للأمن القومي".

وتحقق اللجنة حاليًا فيما إذا كانت أجهزة الاستخبارات الإيطالية قد خرقت القانون باستخدام البرمجية لمراقبة صحفيين ونشطاء مجتمع مدني، ومن المتوقع صدور تقرير رسمي خلال الفترة المقبلة.

من جهته، صرح جون سكوت رايلتون، الباحث في Citizen Lab التابع لجامعة تورنتو، أن الحكومة الإيطالية، باعتبارها عميلة مؤكدة لباراجون، يفترض أن تمتلك سجلات دقيقة تتيح التأكد من استخدام البرمجية في استهداف بيليجرينو.

هذه القضية تأتي في سياق أوروبي أوسع من الانتهاكات المرتبطة باستخدام برمجيات التجسس ضد الفاعلين المدنيين، كما حدث في اليونان والمجر وبولندا، وأثارت موجة إدانات دولية. ويؤشر ما يحدث في إيطاليا إلى تصاعد مقلق في اتجاه استخدام أدوات تجسس رقمية متطورة ضد صحافة التحقيق والمنظمات الإنسانية، في البيئات ديمقراطية.