صورة موّلدة بواسطة نموذج الذكاء الإصطناعي DALL-E
محكمة في برشلونة تُصدر قرارًا يسمح بتوجيه اتهامات إلى مؤسسي شركة NSO Group الإسرائيلية المتخصصة في تطوير برمجيات التجسس.

محكمة في برشلونة تصدر قرارًا يسمح بملاحقة مؤسسي NSO بتهمة "التجسس"

محمد الطاهر
منشور الأحد 9 مارس 2025

أصدرت محكمة في برشلونة قرارًا يسمح بتوجيه اتهامات إلى مؤسسي شركة NSO Group الإسرائيلية المتخصصة في تطوير برمجيات التجسس، عمري لافي وشاليف هوليو، إلى جانب المدير التنفيذي السابق لشركتين تابعتين للمجموعة يوفال سوميك، وذلك ضمن تحقيق يتعلق باختراق استهدف المحامي الكتالوني أندرو فان دن إيندي.

وتُعد شركة NSO Group الإسرائيلية، المطورة لبرنامج التجسس بيجاسوس، إحدى أكثر الشركات تورطًا في انتهاكات الخصوصية الرقمية والتجسس غير القانوني. 

ورغم ادعاءاتها بأن تقنياتها مخصصة لمكافحة الجريمة والإرهاب، كشفت تحقيقات دولية أن برمجياتها استُخدمت من قبل حكومات وأنظمة قمعية للتجسس على الصحفيين والنشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين، وحتى مسؤولين حكوميين. إلا أنه ثبت استخدام بيجاسوس في عدة دول، منها السعودية، الإمارات والبحرين والمغرب ومصر والهند والمكسيك ورواندا وأذربيجان وبولندا وتركيا واليمن وقطر وغيرهم قرابة 45 دولة، حيث استهدف البرنامج شخصيات معارضة وصحفيين ومنتقدي الحكومات.

وأعلنت منظمة إيريديا لحقوق الإنسان/Irídia، التي قدمت الشكوى الجنائية، عن القرار الأسبوع الماضي، مؤكدة أنه يمثل خطوة قانونية بارزة في مكافحة برامج التجسس في أوروبا.

وكانت محكمة أدنى درجة رفضت في البداية طلب إيريديا لتوجيه الاتهامات، غير أن محكمة الاستئناف قضت الآن بإمكانية محاكمة الأشخاص الثلاثة، مما يفتح الباب أمام إجراءات قانونية أوسع ضد المجموعة.

وقالت لوسيا فوراستر جاريجا المتحدثة باسم إيريديا لموقع TechCrunch "هذا القرار يشكل سابقة مهمة في مجال ملاحقة المسؤولين عن التجسس غير القانوني في أوروبا. هذه القضية تثبت أن الأفراد الذين يقفون وراء برامج المراقبة يمكن محاسبتهم أمام القضاء".

من جهته، اكتفى جيل لانير، المتحدث باسم مجموعة NSO، بالرد في رسالة إلكترونية لـ TechCrunch قائلاً "ليس لدينا أي تعليق".

وتعود هذه القضية إلى نوفمبر/تشرين التانى الماضي، عندما أعلن المحامي الكتالوني أندرو فان دن إيندي، وهو أستاذ جامعي ومتخصص في الأمن السيبراني، عن رفع دعوى قضائية ضد اثنين من مؤسسي شركة NSO.

وجاءت هذه الدعوى عقب تقرير صادر عن Citizen Lab عام 2022، أكد أن فان دن إيندي كان أحد ضحايا حملة اختراق استهدفت ما لا يقل عن 65 شخصية كتالونية، لها صلات بمحاولات الإقليم للاستقلال عن إسبانيا. واستخدمت في هذه العمليات برمجية بيجاسوس التي طورتها مجموعة NSO، وأيدت منظمة العفو الدولية نتائج هذا التحقيق.

لم تكن هذه أول دعوى تُرفع ضد NSO، إذ سبق أن قدم فان دن إيندي ومنظمة إيريديا لحقوق الإنسان دعوى قضائية في عام 2022 ضد المجموعة وشركاتها التابعة في لوكسمبورج، وهي Osy Technologies وQ Cyber Technologies. ومع ذلك، فإن الدعوى الجديدة تميزت بطلبها ملاحقة الأفراد المسؤولين عن الشركة، بدلًا من الاكتفاء بمقاضاة الكيانات القانونية التابعة لها.

وأثارت هذه القضية أيضًا تساؤلات حول دور السلطات الإسبانية في عمليات التجسس المزعومة. ففي عام 2020، كشف تقرير لموقع Motherboard أن وكالة الاستخبارات الإسبانية/Centro Nacional de Inteligencia - CNI قد اشترت برنامج التجسس بيجاسوس. وفي البداية، نفت الحكومة الإسبانية أي علاقة لها باختراق الهواتف الخاصة بالسياسيين الكتالونيين، مؤكدة أنها "لا تتجسس على معارضيها السياسيين".

لكن مع تصاعد الضغوط، اضطرت رئيسة الوكالة السابقة باز إستيبان، إلى الإدلاء بشهادتها أمام البرلمان الإسباني، حيث اعترفت بأن 18 من القادة الاستقلاليين الكتالونيين كانوا تحت المراقبة بموافقة قضائية. غير أن نطاق الاختراق المزعوم، الذي شمل أكثر من 65 شخصية، أثار شكوكًا حول مدى التزام الوكالة بالحدود القانونية.

يُذكر أن تقريرًا حديثًا صادر عن شركة الأمن السيبراني iVerify عن استمرار تهديد برنامج التجسس الإسرائيلي بيجاسوس لأجهزة الهواتف الذكية العاملة بنظامي iOS وأندرويد، وذلك بعد تحليل بيانات 18 ألف عملية فحص أجراها المستخدمون خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأشار التقرير إلى اكتشاف 11 اختراقًا جديدًا، مما يعكس تصاعد المخاطر التي تستهدف المستخدمين، خصوصًا في القطاعات التجارية والحكومية.

وأظهر التقرير أن الاختراقات المكتشفة حديثًا استهدفت بشكل أساسي مديرين تنفيذيين في الشركات، ممن يمتلكون إمكانية الوصول إلى معلومات تجارية حساسة، مما يعكس تحولًا في طبيعة الاستهداف نحو شخصيات ذات نفوذ اقتصادي. كما كشف أن 50% من الأجهزة المصابة لم يتلقَ مستخدموها أي تحذيرات من أبل، ما يعني أن هذه الاختراقات كانت ستظل غير مكتشفة لولا استخدام أداة iVerify Basic التي ساعدت على تحسين القدرة على رصد التهديدات السيبرانية.

وسبق أن فرضت الولايات المتحدة قيودًا على NSO، حيث أدرجتها وزارة التجارة الأمريكية في القائمة السوداء عام 2021، معتبرة أنها تمثل تهديدًا للأمن القومي. كما ضغطت العديد من منظمات حقوق الإنسان على الحكومات لوقف استخدام بيجاسوس، نظرًا لسجلها في استهداف صحفيين ونشطاء حقوقيين حول العالم.

كما تواجه الشركة العديد من الدعاوى القضائية حول العالم. ففي ديسمبر الماضي، أصدرت محكمة فيدرالية في شمال كاليفورنيا حكمًا يدين الشركة، باعتبارها مسؤولة قانونيًا عن اختراق 1400 جهاز لمستخدمي واتساب، من بينهم صحفيون ونشطاء حقوق إنسان ودبلوماسيون ومسؤولون حكوميون.

وكانت هذه القضية بدأت في 2019 عندما رفعت واتساب دعوى ضد NSO، متهمةً إياها باستغلال ثغرة أمنية في التطبيق لنشر برنامج بيجاسوس والتجسس على المستخدمين. وكشفت التحقيقات أن الشركة الإسرائيلية لم تكتفِ بتزويد حكومات ببرمجيات التجسس، بل احتفظت بالسيطرة الكاملة على عمليات الاختراق واستخراج البيانات، متجاوزةً دورها كمزود تقني.

كما رفضت NSO تقديم الكود المصدري لـبيجاسوس، وهو ما اعتبرته المحكمة عرقلة للعدالة، فيما رحبت واتساب ومنظمات حقوقية بالحكم، معتبرةً إياه انتصارًا للخصوصية الرقمية. ومن المتوقع أن تواجه NSO مطالب مالية كبيرة في مارس/آذار 2025، قد تهدد استمرارها.

وفي بولندا قدّمت رئيسة المكتب المركزي لمكافحة الفساد في بولندا  أجنيشكا كفياتكوفسكا- جورداك استقالتها، بعد اتهامها من قبل لجنة تحقيق برلمانية بالتستر على معلومات تتعلق بإساءة استخدام برنامج التجسس الإسرائيلي بيجاسوس.

وجاءت استقالتها عقب مثولها أمام اللجنة البرلمانية، حيث رفضت الكشف عن تفاصيل بحجة سرية العمليات، وهو ما اعتُبر تقييدًا غير مبرر للإفصاح. وتعد هذه القضية من أكبر الفضائح السياسية في بولندا منذ 2021، حيث كشف Citizen Lab عن استهداف معارضين وصحفيين باستخدام بيجاسوس في ظل حكومة حزب القانون والعدالة (PiS) السابقة.

وكان رئيس الوزراء البولندي الجديد، دونالد توسك قد كشف في فبراير/شباط 2024، عن وثائق تؤكد تورط الحكومة السابقة في عمليات تجسس غير قانونية، وهو ما أدى إلى تصاعد الضغوط على المسؤولين المتورطين. وأكد تقرير لمجلس الشيوخ البولندي أن استخدام بيجاسوس أثّر على نزاهة انتخابات 2019، حيث تم استهداف معارضين سياسيين بالمراقبة.

وكشفت وزارة العدل البولندية أن 600 شخص، بينهم معارضون لحزب PiS، تعرضوا للاستهداف ببرنامج التجسس بين 2017 و2022. وفي خطوة تصعيدية، تم اعتقال وزير العدل السابق بتهمة الموافقة على تمويل شراء هذه البرامج من الأموال العامة.

ومن المتوقع أن يكون للقرار القضائي الكتالوني تداعيات واسعة، ليس فقط على مستوى إسبانيا، ولكن أيضًا على مستوى التشريعات الدولية الخاصة باستخدام برمجيات التجسس. فإذا ما مضت المحكمة في توجيه اتهامات رسمية ضد مسؤولي NSO، فقد يمهد ذلك الطريق لمزيد من القضايا ضد الأفراد العاملين في صناعة برمجيات المراقبة.

وتدفع هذه القضية الحكومات الأوروبية إلى إعادة النظر في تعاملها مع شركات التكنولوجيا الإسرائيلية المتخصصة في الأمن السيبراني، خاصة بعد تزايد الأدلة على استخدام برامجها ضد شخصيات سياسية معارضة وصحفيين في عدة دول.