حذر الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، من خطورة دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دولًا عربية، بينها مصر والأردن، لاستقبال عدد من سكان قطاع غزة، فيما وصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس جمال سلامة الاقتراح بـ"التخاريف الترامبية"، وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن إلى ضرورة توحيد الموقف العربي لرفض المقترح.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الأحد، إنه يود أن يرى الأردن ومصر ودولًا عربية أخرى تزيد عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تقبلهم من قطاع غزة، مضيفًا أنه تناول هذا الأمر خلال اتصاله السبت مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وأنه يعتزم الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم الأحد، حسب أسوشييتد برس.
ولم يتطرق بيان الديوان الملكي الأردني لطلب ترامب، وجاء في البيان أن الملك أجرى اتصالًا مع الرئيس الأمريكي "مهنئًا بتنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة، ومتمنيًا له التوفيق في أداء مهامه"، وأشار البيان إلى أن الملك أكد "الدور المحوري للولايات المتحدة في دفع كل الأطراف باتجاه العمل نحو تحقيق السلام والأمن والاستقرار للجميع في المنطقة".
ترحيب إسرائيلي ورفض فلسطيني
وتعقيبًا على التصريحات، أكدت حماس، في بيان نشرته على تيلجرام اليوم، أن الشعب الفلسطيني الذي "وقف صامدًا أمام أبشع عمليات الإبادة في العصر الحديث (..) يرفض بشكل قطعي أي مخططات لترحيله وتهجيره عن أرضه"، ودعت الإدارة الأمريكية إلى "التوقف عن هذه الأطروحات التي تتماهى مع المخططات الإسرائيلية وتتصادم مع حقوق شعبنا وإرادته الحرة".
وطالبت الحركة الدول العربية والإسلامية، خاصة في مصر والأردن، بـ"التأكيد على مواقفهم الثابتة برفض التهجير والترحيل، وتقديم كل سبل الدعم والإسناد لشعبنا، وتعزيز صموده وثباته على أرضه، والعمل على تقديم كل ما يلزم لإزالة آثار العدوان الفاشي الذي تعرّض له قطاع غزة".
واعتبر الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم في حديثه مع المنصة تصريحات ترامب "خطيرة ومتناسقة مع مواقف وطموحات اليمين الإسرائيلي المتطرف"، داعيًا مصر والأردن إلى رفضها، وشدد على أن المقترح "لن يمر ولم يقبل به أي فلسطيني".
وكذلك أدانت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تصريحات ترامب، مشيرة إلى أنها "مدانة ومستهجنة تتساوق مع أسوأ ما في أجندة اليمين الصهيوني المتطرف، واستمرار لسياسة التنكر لوجود الشعب الفلسطيني وإرادته وحقوقه. كما أنها تندرج في إطار التشجيع على مواصلة ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بإجبار شعبنا على الرحيل عن أرضه".
وفيما لم يصدر تصريح رسمي من السلطة الفلسطينية بشأن تصريحات ترامب، دعت وزارة الخارجية والمغتربين، في بيان لها اليوم، المجتمع الدولي، إلى الاستجابة العاجلة لدعم حكومة دولة فلسطين في تنفيذ خطتها للإغاثة الطارئة والإنعاش المبكر، وصولًا إلى إعادة إعمار قطاع غزة دون تأخير أو إبطاء، مؤكدة أن "هذه الجهود ضرورية لضمان صمود المواطنين وبقائهم على أرض وطنهم".
إسرائيليًا، وصف وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش اقتراح ترامب بـ"فكرة رائعة"، موضحًا في بيان صادر عن مكتبه "أن فكرة مساعدتهم في إيجاد أماكن أخرى لبدء حياة جديدة وجيدة هي فكرة رائعة. بعد سنوات من تمجيد الإرهاب، سيكون بإمكانهم بناء حياة جديدة وجيدة في أماكن أخرى".
وأضاف "سأعمل مع رئيس الوزراء والمجلس الأمني لضمان وجود خطة عملية لتنفيذ ذلك في أقرب وقت ممكن".
فكرة مرفوضة من الجميع
وقال السفير رخا أحمد حسن إن الحديث عن تهجير الفلسطينيين طُرح أكثر من مرة من قبل، إذ رفض في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وطرح في عهد السيسي قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأعيد طرحه أثناء الحرب وكان موقف الدولة المصرية واضحًا برفض هذا المقترح، وصرح السيسي في أكثر من مناسبة بأن التهجير غير مقبول، و"لن نقبل تصفية القضية الفلسطينية".
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة أثير موضوع توطين سكان القطاع في سيناء، وهو ما أكدت مصر رفضه مرارًا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، رفض السيسي تهجير سكان قطاع غزة إلى صحراء سيناء، معتبرًا أن "ذلك يعني تصفية القضية الفلسطينية".
وقتها أكد السيسي أن "مصر دولة ذات سيادة، ونقل المواطنين من غزة إلى سيناء يعني نقل المقاومة من الأراضي الفلسطينية إلى مصر، وبالتالي تصبح سيناء قاعدة للانطلاق بعمليات ضد إسرائيل".
وأشار رخا إلى أن مواقف المؤسسات المصرية جميعها واضحة "الجيش المصري رافض هذه المسألة وهذا شيء محسوم ولا نقاش فيه".
ويتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس جمال سلامة، موضحًا أن مصر والأردن لديهما موقف حاسم من مسألة تهجير الفلسطينيين خارج بلادهم وظهر ذلك في تصريحات زعماء البلدين.
وفي أكتوبر الماضي، حذر العاهل الأردني من الدفع بموجة لاجئين من قطاع غزة بعنف باتجاه المملكة ومصر. وقال "هذا خط أحمر، لأنني أعتقد أن الخطة لدى بعض المشتبه بهم المعتادين هي محاولة خلق أمر واقع على الأرض. لا لاجئين في الأردن ولا لاجئين في مصر".
ومن جانبه اعتبر عضو مجلس النواب مصطفى بكري في بوست على إكس أن حديث ترامب عن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر يكشف أبعاد المؤامرة، ويؤكد أن واشنطن تدعم المخطط، مضيفًا "أقول لترامب: اعلم أن مصر كلها خلف الرئيس السيسي في رفضه لمؤامرة التهجير وتصفية القضية الفلسطينية. لن نقبل بالتفريط في سيادة مصر على أرضها، قرار مصر ينبع من داخلها، ومخطط الصهاينة والأمريكان لن ينفذ إلا على جثثنا".
أوراق الضغط الأمريكية
ويتفق سلامة ورخا على أن مصر لن ترضخ للضغوط الأمريكية مهما كانت، كونها قضية أمن قومي وتصفية للقضية الفلسطينية، وقال سلامة إن "استخدام الإدارة الأمريكية أوراق ضغط كالمعونة الأمريكية والاستثمارات لن تثني مصر عن موقفها الرافض للتهجير لأن دي مسألة أمن قومي"، مضيفًا أنه على الجانب الآخر لن يقبل الفلسطينيون تهجيرهم وإلا "كانوا سابوا بلدهم وقت الحرب".
وهو ما يتفق معه مساعد وزير الخارجية الأسبق، موضحًا أنه في فترات سابقة تم تداول مقترح أمريكي بتوزيع الفلسطينيين على المدن الجديدة بدلًا من توطينهم في سيناء مقابل مساعدات مالية تقدمها أمريكا وبعض الدول الأخرى، لكنه قُوبل بالرفض المصري أيضًا.
ولفت رخا إلى أنه بعد فشل كل المخططات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة كانت فيما يبدو خطة مزدوجة بأن يتم تدمير القطاع بشكل كامل بحيث لا يكون قابلًا للحياة به إلا بعد فترة طويلة لإرغام السكان على ما يسموه "هجرة طوعية" إلا أن الفكرة "فشلت".
ودعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش خلال اجتماع لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى "تشجيع الهجرة الطوعية. يمكن خلق وضع تكون فيه غزة بعد عامين مع نصف عدد السكان مما هو موجود اليوم. مع سيطرة كاملة على دولة إسرائيل".
عوامل إفشال المقترح
ويشير رخا وسلامة إلى أن إصرار الفلسطينيين على البقاء في أراضيهم طوال فترة الحرب الإسرائيلية يؤكد أن كل مخططات التهجير لن تنجح، وعدّد رخا مجموعة من العوامل التي يمكنها أن تفشل مقترح ترامب، على رأسها عامل فلسطيني واضح للجميع برفض سكان قطاع غزة ترك أراضيهم "فرغم التدمير والقتل والتجويع والحرمان أصر الفلسطينيون على البقاء في أرضهم ورفضوا حتى الخروج في الممرات الآمنة التي أعلنت عنها إسرائيل"، معتبرًا أن هذا هو العامل الأول، وهو فلسطيني بامتياز.
وأضاف رخا أن العامل الثاني عربي، من خلال مساعدة الفلسطينيين بخيام ومساعدات غذائية حتى يعاد بناء بيوتهم ومنازلهم، وإعمار أدوات الإنتاج من مصانع ومزارع وورش ليجدوا فرص عمل تساعدهم على البقاء، لافتًا إلى أن إعادة الإعمار هذه تحتاج إلى تمويل ضخم يقدم ما بين 30 إلى 40 مليار دولار، وهنا يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة تحت رئاسة ترامب هذه الورقة للضغط على الفلسطينيين، ومن جهة أخرى يهدد الدول التي ترفض استقبال الفلسطينيين بتخفيض التعاون الأمريكي معهم.
ويبقى السؤال المهم هنا، حسب رخا، "هل الدول العربية تستطيع المساهمة في إعاشة الفلسطينيين وخلق حياة إنسانية معقولة حتى يتم إعمار القطاع؟ وهل الدول العربية ستتحد في رفضها لمسألة التهجير أم ستترك دول الجوار مصر والأردن تحت الضغط الأمريكي".
من جانبه، يرى سلامة أن الشعب الفلسطيني كان واضحًا "الناس اللي تحملت كل اللي حصل خلال الحرب مستحيل تسيب أرضها"، مشددًا على وجود فارق كبير بين ما فعله ترامب في ولايته الأولى عندما قرر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وما يطرحه الآن "نقل السفارة دا قرار أمريكي يعني اشترى فيلا في القدس ونقل مكتب السفارة لها لكن الموضوع هنا مختلف".
محاولات قديمة للتهجير
وحاول الاحتلال الإسرائيلي بدعم من الإدارات الأمريكية المختلفة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى دول الجوار بعدة طرق، أولاها في خمسينيات القرن الماضي حينما نزح نحو 200 ألف لاجئ فلسطيني من فلسطين التاريخية إلى قطاع غزة بحلول مارس/آذار 1949. وطُرح وقتها مشروع أمني بواجهة اقتصادية واجتماعية لتوطين عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مشاريع زراعية بسيناء، بتمويل أمريكي تجاوز 30 مليون دولار عام 1955. نوقش المشروع مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، لكن انتفاضة الفلسطينيين في "هبّة مارس" أجهضته قبل أن ترفضه مصر بشكل قاطع.
ومع احتلال إسرائيل لسيناء بين عامي 1967 و1973، حاولت استغلال سيطرتها على الأرض لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية المحتلة، فيما عُرف بـ"مشروع العريش" عام 1970.
وبعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ظهرت مقترحات تهجير مدعومة أمريكيًا. أحدها كان خطة لتبادل أراضٍ تشمل تخصيص مناطق في سيناء لسكان غزة، مقابل منح مصر أراضي في صحراء النقب. إلا أن المشروع تعثر بعدما اشترط الرئيس المصري الراحل أنور السادات الحصول على المنطقة التي تضم ميناء إيلات، وهو المنفذ البحري الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر.
وتكررت مقترحات التهجير خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي رفضها جميعًا، سواء تلك المقدمة عبر وساطات دولية من الولايات المتحدة وبريطانيا، أو مباشرة من إسرائيل. من بين أبرز هذه الخطط، مشروع عام 2000 الذي طرحه اللواء الإسرائيلي المتقاعد غيورا أيلاند بعنوان "البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين"، ونشرت تفاصيله في مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية.
وفي أكتوبر 2023 نُشرت وثيقة إسرائيلية رسمية صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، كوثيقة توجيهية، تدعو لنقل سكان قطاع غزة بصورة نهائية عبر معبر رفح إلى سيناء، عبر ثلاث خطوات؛ بناء مدن من الخيام في سيناء، ثم فتح ممر إنساني من غزة إلى شبه الجزيرة، ثم بناء مدن في شمال سيناء، لا يسمح لسكانها بالعودة إلى غزة.