سيطرت المطالب بضرورة إيجاد مخرج لقيد صحفيي المواقع الإلكترونية بنقابة الصحفيين، في ظل قانون النقابة الحالي الذي يقصر القيد على صحفيي الجرائد الورقية، على نقاشات المائدة المستديرة التي انعقدت، اليوم، ضمن فعاليات المؤتمر العام السادس للنقابة، وحملت عنوان "نحو منظومة قيد معاصرة في نقابة الصحفيين".
وكان مقررًا أن تتضمن الفعالية نقاشات عامة حول جميع المشاكل المتعلقة بمنظومة القيد، وتقييمًا لآثار آخر لائحة للقيد أقرتها النقابة عام 2015، لكن غالبية الحضور كان من الصحفيين الإلكترونيين، وهو ما جعل السجالات تتركز في الأخير حول تلك الأزمة.
وفي البداية، قال نقيب الصحفيين الأسبق يحيى قلاش إن موضوع القيد في نقابة الصحفيين "يكتسب أهميته من أننا نمارس مهنة تطوراتها سريعة وسوق العمل فيها متغيرة جدًا، وهو ما ينعكس على القيد بشكل أساسي"، لافتًا إلى أن أزمات مثل تلك التي تخص الصحفيين الإلكترونيين صاحبت منظومة القيد في النقابة منذ بدايتها.
وأوضح أنه لدى ظهور موجة الصحف الحزبية قديمًا "كان فيه وقتها مخاوف كبيرة من الجماعة الصحفية من فكرة قيد صحفييها خوفًا من أن تنتقل الصراعات الحزبية للنقابة التي يفترض استقلاليتها وبعدها عن السياسة، وكذلك الحال لدى بداية ظهور المؤسسات الصحفية الخاصة والمملوكة للشركات ظهرت موجة أخرى من رفض قيد صحفييها، وكان بيتقال وقتها إنه أي حد معاه فلوس هيروح يؤسس جريدة ويدخل الناس اللي على مزاجه وكدا".
الفيصل في هاتين الأزمتين، حسب قلاش، أن النقابة لم تستطع الوقوف أمام أي تطور "لازم تستجيب له في النهاية وإلا ستتحول النقابة إلى متحف كبير لا علاقة له بالسوق ولا بالتطورات الجديدة التي يشهدها"، مؤكدًا أن النقابة خلال السنوات الأخيرة اعترفت بالمحتوى الصحفي الإلكتروني وقبلت صحفيين من المواقع الصحفية التي تمتلك جرائد ورقية.
وشدد قلاش على الحاجة الملحة لتعديل لائحة القيد في النقابة تستجيب للمتغيرات الجديدة، وتتماشى مع ما أقره قانون تنظيم الصحافة والإعلام الصادر في العام 2018 ما تضمنه من تعريف أعم وأشمل لمهنة الصحافة في ضوء التطورات الأخيرة؛ ليصبح تعريف الصحفي نفسه غير مقتصر على الشكل القديم، وإنما تقديم المحتوى بشكل عام.
وتابع "لازم يكون عندنا الثقة في نفسنا وفي النقابة لعمل مثل هذه التعديلات"، مطمئنًا الخائفين من الأمر بأن النقابة "مش هتقبل أي حد معدي من شارع عبد الخالق ثروت، المطلة عليه، وإنما ستقبل الصحفي العامل بمؤسسة لها لائحة مالية وأخرى إدارية، ويمتلك عقد عمل فيها ولديه علاقة عمل مستقرة".
ومن جانبه، أقر وكيل النقابة ورئيس لجنة القيد بها هشام يونس بأن منظومة القيد تحتاج "نسفًا واجبًا وإعادة بناء، وليس مجرد ترميم يرتق الثقوب ويواري العيوب"، مؤكدًا أن القيد الذي تحتاجه النقابة لا ينبغي معه أن "ندفن رؤوسنا في الرمال وأن نغض البصر عن واقع مهني مرير يتسبب في أن أعدادًا ليست قليلة من أرباب القلم يهيمون خارج النقابة لأسباب لا دخل لهم فيها، وفي المقابل فإن بعض الميسورين فتحوا خزائنهم ليركبوا في السفينة رغم عدم معرفتهم بالوجهة وما تتطلبه من نزاهة وشرف ونظافة يد، والحاصل أن استمرارهم نذير أكيد بغرق (السفينة) ونحن ندرك أن وراءها ملك يأخد كل صحيفة غصبًا".
أما مدير تحرير موقع اليوم السابع السابق هاني صلاح الدين، فقدم ورقة بحثية بعنوان "تشريعات تهدد مستقبل الصحفي الإلكتروني في مصر"، ذهب فيها إلى ما هو أبعد من لائحة القيد بالنقابة، إذ أكد أن الدستور نفسه فرق بين صحفيين الجرائد الورقية وأقرانهم في المواقع الإلكترونية، حين جعل إصدار الصحف بمجرد الإخطار، في حين ترك مسألة تراخيص المواقع وتنظيمها للقانون.
وشدد صلاح الدين على الحاجة الماسة لإقرار حماية قانونية ونقابية لصحفيي المواقع، خاصة في ظل ما تزخر به التشريعات القائمة ومنها مثلًا قانون جرائم تقنية المعلومات، من تهديدات لمستقبل الصحفي، وتؤثر على إمكانية وجود واستمرارية إعلام رقمي مستقل وقادر على العمل في مناخ يسمح بالتعددية وحرية التعبير، ولهذه القوانين أثر كبير على المحتوى الصحفي الذي تنتجه المواقع كمًّا وكيفًا.
وتعليقًا على الأزمة، دافع نقيب الصحفيين خالد البلشي عن مقترحه السابق بشأن فتح الباب أمام صحفيي المواقع الإلكترونية للقيد بجدول المنتسبين للنقابة، مؤكدًا أن قانون النقابة الحالي، وإن كان يقصر القيد على صحفيي الجرائد الورقية فقط، إلا أن فلسفته تمد الحماية النقابية لكل من يمارس المهنة على أرض مصر.
وأكد البلشي أن القانون، وبعيدًا عن مسار القيد العادي، مد الحماية النقابية للصحفي الأجنبي الذي يعمل في مصر، عبر جدول الانتساب ومدها أيضًا عبر ذلك الباب للموظف الحكومي الذي يمارس الصحافة، وبالتالي فهناك هدف واضح لفلسفة القانون مرتبط بتغطية كل من يمارس المهنة.
وتابع "الناس لازم تعي أن النقابة عندما تمتد إلى كل من يمارس المهنة، ستكون وقتها قيّمة عليهم وقادرة على محاسبتهم والسيطرة عليهم"، لافتًا إلى أن النقابة انتصرت في السابق خلال أزمات قيد صحفيي المواقع الحزبية والخاصة والمستقلة للمهنة وقبلت قيدهم "لأنه بيغذي المهنة بناس أكثر حيوية نتيجة لأنه مع الزمن الدنيا بتتغير".
وفي الأخير، أكد مدير الندوة محمد بصل أن كل التوصيات الصادرة عنها تركز على "ضرورة أن نتحلى بالشجاعة لاتخاذ القرار بإعداد لائحة قيد جديدة من خلال تشكيل لجنة تضمن أعضاء من مجلس النقابة والخبراء القانونيين لإعداد مقترح موادها ومن ثم إقراراها".
كان صحفيو المواقع الإلكترونية طالبوا في يوليو/تموز الماضي، بالقيد في جداول المشتغلين بنقابة الصحفيين، وأكد البلشي أنه حق مشروع لهم، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قررت نقابة الصحفيين فتح نقاش حول مشاكل القيد في جداول النقابة، من بينها قيد صحفيي المواقع الإلكترونية.
ويعرِّف قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 الصحفي المشتغل المستحق للقيد بالنقابة بوصفه "من باشر بصفة أساسية ومنتظمة مهنة الصحافة في صحيفة يومية أو دورية تطبع في الجمهورية العربية المتحدة أو وكالة مصرية أو أجنبية تعمل فيها، وكان يتقاضى عن ذلك أجرًا ثابتًا بشرط ألا يباشر مهنة أخرى".