استغلت أنقرة سقوط بشار الأسد، وتوغلت قوات تابعة لها شمال سوريا، إذ كشفت وسائل إعلام تركية، صباح الاثنين، سيطرة "الجيش الوطني السوري" بشكل كامل على مدينة منبج، التي تبعد عن حلب نحو 90 كيلومترًا، والتي وصفتها صحيفة خبر ترك بـ"أكبر وكر إرهابي في غرب نهر الفرات لقوات حماية الشعب التابعة لحزب العمال الكردستاني".
ووفق معلومات المرصد السوري، قُتل خلال الاشتباكات 15 عنصرًا من الفصائل الموالية لتركيا، و35 من مجلس منبج العسكري وقوى الأمن الداخلي "الأسايش"، كما شهدت المدينة وريفها حركة نزوح للأهالي باتجاه المناطق المجاورة في الريف الشرقي ومنطقة عين العرب ذات الأغلبية الكردية، وعمدت فصائل الجيش الوطني على نهب وسرقة ممتلكات المدنيين بعد خروج الأهالي.
وتقع منبج على بعد حوالي 30 كيلومترًا جنوب الحدود التركية السورية، وخضعت لسيطرة تنظيم داعش في المراحل اللاحقة من الحرب الأهلية السورية التي بدأت عام 2011.
ويعتبر "الجيش الوطني السوري" أداة أنقرة العسكرية للتوغل داخل سوريا طوال حربها التي تستهدف حزب العمال الكردستاني، وشارك في عمليات عسكرية للجيش التركي في شمال سوريا، وعمل كجيش للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية ومقرها تركيا.
وتضم الفصائل الموالية لأنقرة والمنضوية في ما يعرف بـ"الجيش الوطني السوري"، مقاتلين سابقين في مجموعات معارضة، مثل "جيش الإسلام"، و"فصيل السلطان مراد"، وفصيلي "الحمزة" و"سليمان شاه"، حسب BBC.
وبينما تحركت قوات "الجيش الوطني السوري" لتسيطر على بلدة أوريمي غرب منبج وقرية أم دادات شمالًا، قال وزير الخارجية التركية هاكان فيدان، خلال حفل افتتاح مؤتمر السفراء الخامس عشر، اليوم "بدأ عصر جديد في سوريا".
من وجهة نظر فيدان، مدت تركيا يد العون "لأشقائها السوريين في أوقاتهم الصعبة، ستكون معهم في الصفحة الجديدة، وستواصل تحمل المسؤولية"، قائلًا "أعطتنا التطورات بصيص أمل. النظام لم يسع إلى صنع السلام مع شعبه. من الضروري الآن التركيز على المستقبل".
وأضاف فيدان "سنواصل عملنا من أجل إعادة الإعمار الجديد للبلاد. سنعمل من أجل العودة الآمنة".
تحركات تركيا في سوريا لم تقتصر على منبج، وامتدت كذلك إلى عين عيسى، شمال غرب الرقة، إذ قتل اليوم 11 مدنيًا بينهم 6 أطفال، جميعهم من أفراد عائلة واحدة بينهم أطفال ونساء، جراء استهداف مسيرة تركية لمنزل، حسب المرصد السوري.
وانهار نظام بشار الأسد بهروبه أمس، بعد وصول فصائل المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق، ودخولها القصر الجمهوري بعد 10 أيام فقط من بداية هجوم مباغت شنته هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقًا" من حلب في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مستهدفة إحياء العملية السياسية في سوريا.
وقبل سقوط النظام السوري بيومين، أعرب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن أمله في أن يتواصل تقدم مقاتلي المعارضة في سوريا "من دون مشاكل"، معتبرًا أن هدفهم العاصمة دمشق.
التدخل التركي في الشأن السوري لم يبدأ أمس، وحسب خط زمني رسمته BBC، قُطعت العلاقات بين أنقرة ودمشق في 2011، بعد أن كانت تركيا حليفًا اقتصاديًا وسياسيًا أساسيًا لسوريا، وفي يوليو/تموز من العام نفسه أعلن العقيد رياض الأسعد، وهو ضابط منشق عن الجيش السوري من تركيا، إنشاء "الجيش السوري الحر".
وفي 2012 أغلقت تركيا سفارتها في دمشق، وقدمت دعمًا للمعارضة السياسية، قبل أن تبدأ بدعم فصائل معارضة مسلحة. وفي 2015، توغل مئات الجنود الأتراك بعمق 37 كيلومترًا داخل سوريا لنقل رفات سليمان شاه جد مؤسس الدولة العثمانية من قرية "قره قوزاق" التابعة لمحافظة حلب، وبعدها أصبح الشمال السوري مباحًا لعمليات أنقرة العسكرية.
"تركيا كانت واحدة من الدول القليلة التي استمرت في دعم المعارضة السورية عسكريًا على مدى 13 عامًا، مما وضعها في مقدمة الأطراف الرابحة في هذا النزاع المعقد"، حسبما قال الباحث في "مركز سيتا للأبحاث" كوتلوهان قورجو للجزيرة.
وأضاف قورجو أن التحولات الإقليمية تمثل فرصةً استراتيجيةً لتركيا لتعزيز دورها جنوبًا، وهو ما يمهد الطريق لنظام جديد في سوريا، يمكن أن يتسع فيه نفوذ أنقرة بشكل غير مسبوق. وشدد على أن تركيا ستكون لاعبًا رئيسيًا في المرحلة المقبلة، إذ ستعمل على حماية مكتسباتها التي تحققت عبر السنوات الماضية في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، مؤكدًا أن أنقرة عازمة على تعزيز دورها في صياغة النظام السوري الجديد.
وتشترك تركيا في حدود يزيد طولها على 900 كيلومتر مع سوريا، وتستضيف حوالي 3 ملايين لاجئ سوري على أراضيها، تحولوا مع الوقت إلى قضية سياسية داخلية.