جددت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأخيرة للقاهرة جهود التوصل لصفقة لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل المحتجزين، بعد تجميدها لأسابيع في ظل إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو البقاء في محور فيلادلفيا، مقابل رفض مصر وحماس.
وشددت مصر على موقفها بخصوص رفض الوجود العسكري في رفح من الجانب الفلسطيني ومحور فيلادلفيا، خلال مؤتمر لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن. وأشار عبد العاطي إلى أنهم ينتظرون ممارسة ضغوط من الولايات المتحدة لدى الطرف الذي ليست لديه إرادة سياسية لإتمام الصفقة.
وقال عبد العاطي ردًا على سؤال حول فيلادلفيا "موقفنا واضح وصريح وكررناه أكثر من مرة، لن نقبل إلا بالوضع القائم قبل 7 أكتوبر في تشغيل معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ورفض أي وجود عسكري في المعبر أو المحور، وهذا موقف واضح لن نحيد عنه".
واحتلت إسرائيل محور فيلادلفيا في مايو/أيار الماضي، ومن وقتها أعلنت مصر رفضها التعاون مع إسرائيل فيه وطالبت بالانسحاب الفوري.
ولم يسمِ عبد العاطي إسرائيل، لكنه أكد في أكثر من موقع خلال المؤتمر على أن "المشكلة كما ذكر الوزير بلينكن ليست في المضمون (الصفقة)، ولكن في غياب الجدية والإرادة السياسية في التوصل لهذا الاتفاق المهم".
وشدد "لا يمكن أن نرهن الاستقرار في هذه المنطقة بغياب الإرادة السياسية لدى طرف ما، سنواصل الجهود، ونتحدث إلى أصدقائنا (الولايات المتحدة) مواصلة ممارسة الضغط، الذي سيكون هام حتى نتحدث عن ترتيبت اليوم الثاني، الاستقرار في هذه المنطقة (...) وضخ كميات هائلة من المساعدات".
وشدد وزير الخارجية الأمريكي على ضرورة التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، قائلًا إن "مصر شريك لا يمكن الاستغناء عنه في التوصل لهدنة بغزة تعيد الرهائن وتؤسس لسلام طويل الأمد في المنطقة"، مشيرًا إلى أنه "ناقشنا أهمية تحقيق هذه الصفقة، سنستمر في السعي إليها".
ولفت إلى أن الصفقة ستساهم في "تخفيف المخاطر على الاستقرار الإقليمي، مخاطر نستشعر بها بشدة"، وتابع "هذا كلف مصر نحو 5 مليارات دولار من العوائد الضائعة" في إشارة إلى عوائد قناة السويس التي تأثرت بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
في المقابل، أشار بلينكن إلى واقعة "إعدام حماس 7 من الرهائن من بينهم أمريكي"، على اعتباره سببًا في عرقلة المفاوضات.
وأضاف بلينكن خلال المؤتمر "ناقشنا أيضًا ببعض التفاصيل الإجراءات الضرورية حول اليوم الآخر، وحوكمة غزة والأمن، وستكون مصر شريكًا مهمًا في هذه اللحظة، وعقدنا محادثات مهمة في هذا الخصوص".
وتطرق وزير الخارجية المصري إلى الهجوم الإسرائيلي السيبراني على لبنان، أمس، الذي أسفر عن مقتل 8 وإصابة المئات، قائلًا "نحن ضد أي سياسات أحادية تنال من استقرار ووحدة لبنان، نتضامن مع الشعب اللبناني الشقيق، ندين أي استهداف للسيادة اللبنانية"، محذرًا من "الولوج في حرب إقليمية شاملة لن تبقي على شيء".
وأضاف "مصر كطرف إقليمي رئيسي والولايات المتحدة كقوة عالمية معنيان بخفض التصعيد"، وشدد على أن ذلك يتطلب "سرعة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار".
وتابع "مربط الفرس والمشكلة الحقيقة في استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة"، مشيرًا إلى أن الوقف الفوري لإطلاق النار "لن يعطي الذرائع ولا المبررات لأي فاعلين لأن يستغلوا معاناة الشعب الفلسطيني للتصعيد".
والتقى بلينكن الرئيس عبد الفتاح السيسي في مستهل اليوم، وقال المتحدث باسم الرئاسة السفير أحمد فهمي في بيان إن "الوزير الأمريكي نقل للرئيس تحيات الرئيس بايدن، وتقديره للدور الحيوي الذي تقوم به مصر لاستعادة الاستقرار في المنطقة، وهو ما ثمنه الرئيس"، مؤكدًا أهمية الشراكة الاستراتيجية المصرية الأمريكية في حماية مصالح الدولتين وتعزيز الأمن الإقليمي.
وتناول اللقاء في هذا الصدد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، حيث تبادلوا وجهات النظر بشأن كيفية تعزيز الجهود المشتركة، بين مصر والولايات المتحدة وقطر، للمضي قدمًا في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمحتجزين، وتيسير إنفاذ المساعدات الإنسانية.
وحرص الرئيس في هذا الإطار على التشديد على أولوية التدخل الحاسم لإزالة العراقيل أمام إدخال كميات ضخمة من المساعدات إلى أهالي غزة، الذين يعانون كارثة معيشية وصحية، بالإضافة إلى ضرورة وقف الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وعدم مواصلة سياسات التصعيد ضد الفلسطينيين.
وفي هذا السياق أكد الجانبان أن حل الدولتين يظل هو مسار تحقيق السلام والأمن المستدامين.
كما تطرق اللقاء إلى تطورات المشهد الإقليمي، حيث أكد الرئيس رفض مصر لمحاولات تصعيد الصراع وتوسعة نطاقه إقليميًا، مشيرًا إلى ضرورة تحلي جميع الأطراف بالمسؤولية.
وجدد السيسي دعم مصر للبنان في مواجهة الهجوم السيبراني التي تعرضت له، مشددًا على حرص مصر على أمن لبنان واستقراره وسيادته. وتم التوافق على تكثيف الجهود المشتركة بين مصر والولايات المتحدة بهدف التهدئة وخفض التصعيد، على النحو الذي يضمن استعادة السلم والأمن الإقليميين.
وأضاف المتحدث الرسمي أن اللقاء تطرق كذلك إلى جهود تطوير العلاقات الثنائية، حيث أكد الحرص المتبادل على استئناف الحوار الاستراتيجي، والترحيب بانعقاده خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي الجارية لمصر، وذلك على النحو الذي يحقق المصالح المشتركة للدولتين.
وتعد هذه الزيارة العاشرة لبلينكن إلى الشرق الأوسط عقب بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وكانت آخر زيارة قبل أقل من شهر، وضمت جولة في المنطقة تتضمنت مصر والأردن وقطر وإسرائيل.