اتهم تقرير نقلته شبكة CNN الأمريكية، نقلًا عن ثلاثة مصادر مُجهلة، لم تسمها، مصر بالتسبب في إفشال صفقة وقف الحرب في غزة بداية الشهر الجاري. وزعم التقرير أن مصر أدخلت تغييرات على بنود الاتفاق الذي أُرسل لحركة حماس، بعد موافقة إسرائيل عليه، دون الرجوع للوسطاء. فيما اعتبر مصدر مصري مُجهل أيضًا، وصفته قناة القاهرة الإخبارية برفيع المستوى، أن التقرير الأمريكي يسعى "لتعمد الإساءة لجهود مصر"، متحديًا أن تنقل الشبكة تلك التصريحات على لسان مصادر معرَّفة.
ونسبت CNN لمصادرها، التي وصفتها بـ"المطلعة على المفاوضات"، قولها إن "المخابرات المصرية غيّرت في صمت بنود مقترح وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه إسرائيل بالفعل في وقت سابق من هذا الشهر، مما أدى في النهاية إلى إحباط صفقة كان من الممكن أن تُطلق سراح الرهائن الإسرائيليين وفلسطينيين من سجون إسرائيل، وتحدد مسارًا لوقف القتال مؤقتًا في غزة".
وحسب المصادر ذاتها، فإن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنت حركة حماس موافقتها عليه في 6 مايو/أيار الجاري لم يكن هو ذاته ما يعتقد القطريون أو الأمريكيون أنه تم تقديمه إلى حماس لمراجعته، على حد ذكر التقرير.
وكشفت المصادر لـCNN أن "التغييرات التي أجرتها المخابرات المصرية، والتي لم يتم الكشف عن تفاصيلها من قبل، أدت إلى موجة من الغضب والاتهامات المتبادلة بين المسؤولين من الولايات المتحدة وقطر وإسرائيل، وتركت مفاوضات وقف إطلاق النار في طريق مسدود"، وقالت الشبكة الأمريكية نقلًا عن أحد مصادرها قوله "لقد تم خداعنا جميعًا".
خارج الغرف المغلقة
ورغم أن كل المسؤولين الذين يتحدثون للإعلام بشأن هذا التقرير، في مصر وأمريكا، مجهّلون، حددت مصادر شبكة CNN اسم المسؤول المصري المتسبب في الأزمة، قائلة إن "مسؤولًا كبيرًا في المخابرات المصرية يدعى أحمد عبد الخالق كان مسؤولًا عن إجراء التغييرات". وقالت CNN إن عبد الخالق هو النائب الأول لرئيس المخابرات المصرية عباس كامل، الذي كان نظير وليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية في قيادة الوساطة المصرية في مفاوضات وقف إطلاق النار.
ونقل التقرير عن المصدر ذاته إن بيرنز "كاد يفجر غضبًا"، فما حدث جعله يبدو وكأنه لم يكن على علم بالأمر، أو أنه كان على علم ولم يبلغ الإسرائيليين بالتغييرات.
ونقلت الشبكة على لسان أحد المصادر أن "عبد الخالق قال للإسرائيليين شيئًا ولحماس شيئًا آخر"، مضيفًا "المزيد من مطالب حماس تم إدراجها في الإطار الأصلي الذي وافقت عليه إسرائيل ضمنيًا من أجل الحصول على موافقة حماس، لكن الوسطاء الآخرين لم يتم إبلاغهم، ولا الإسرائيليين كذلك".
وحول مستوى ما طرأ على الاتفاق من تعديلات، نقلت الشبكة على لسان أحد مصادرها "أن المصريين سعوا لطمس الخطوط الفاصلة بين الإطار الأصلي ورد حماس بدلًا من ذلك"، مرجعًا ذلك إلى أنه "بعد عودة المصريين من إسرائيل وتشاورهم مع (حماس) أصبح من الواضح أن الحركة لن توافق على ما وافقت عليه إسرائيل، ولذلك قام المسؤول المصري بتغييرات كبيرة لإقناع (حماس) بالموافقة".
فيما قال مصدران، حسب الشبكة نفسها، إن رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني أبلغ جهاز المخابرات الإسرائيلي أن "مصر تصرفت بمفردها".
وقالت "CNN" إن المخابرات الأمريكية والحكومة المصرية لم تستجيبا لطلب التعليق.
وحاولت المنصة التواصل مع رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان للحصول على رد منه إلا أنه لم يرد على هاتفه أو رسائل واتساب.
وفي المقابل، نقلت قناة القاهرة الإخبارية عن "مصدر رفيع المستوى" استغراب مصر من "محاولات بعض الأطراف تعمد الإساءة إلى الجهود المصرية المبذولة على مدار الأشهر الماضية للتوصل إلى وقف إطلاق نار بقطاع غزة ووقف نزيف دماء الأبرياء في القطاع".
وعلَّق المصدر المصري على التقرير بقوله إنَّ "بعض الأطراف تمارس لعبة توالي الاتهامات للوسطاء واتهامهم بالانحياز وإلقاء اللوم عليهم للتهرب من اتخاذ القرارات المطلوبة"، مضيفًا "تارة يتهم قطر وتارة يتهم مصر للتهرب من قراره بوقف إطلاق النار".
وأشار المصدر إلى أن "ممارسة مصر لدور الوساطة في صفقة وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن بالقطاع جاءت بعد طلب وإلحاح متواصل للقيام بهذا الدور، وذلك نظرًا لخبرة وقدرة وحرفية مصر في إدارة مثل هذه المفاوضات الصعبة".
واستنكر المصدر الذي لم تذكر القناة المصرية اسمه تجهيل مصادر "CNN" قائلًا، "من الغريب إسناد بعض وسائل الإعلام لمصادر تطلق عليها مطلعة، ونتحدى إذا كان بالإمكان نسب ما تمّ نشره لمصادر أمريكية أو إسرائيلية رسمية محددة".
توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية
وتجددت على مدار الأيام القليلة الماضية أزمةً بين الجانبين المصري والإسرائيلي حول مسؤولية غلق معبر رفح البري، على خلفية تصريحات لوزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، طالب فيها مصر بإعادة فتح المعبر ومواصلة إدخال المساعدات الإنسانية الدولية لقطاع غزة، وهو ما استنكره وزير الخارجية المصري سامح شكري، واعتبره "محاولة يائسة لتحميل مصر المسؤولية عن الأزمة الإنسانية غير المسبوقة التي يواجهها قطاع غزة".
وجاء تجدد تلك الأزمة تاليًا على إعلان مصر عزمها التدخل رسميًا لدعم الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، للنظر في انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة، حسبما أكدت وزارة الخارجية.
وفيما يخص المفاوضات، كانت قناة القاهرة الإخبارية نقلت في 4 مايو/أيار الجاري عن مصدر أمني رفيع المستوى أن الوفد الأمني المصري "وصل إلى صيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخلاف بشأن المفاوضات".
وفي اليوم التالي، أعلنت حركة حماس الموافقة على الاتفاق، إذ أجرى رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية وقتها اتصالًا هاتفيًا مع رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومع مدير المخابرات المصرية عباس كامل، وأبلغهما موافقة الحركة على مقترحهما بشأن اتفاق وقف إطلاق النار.
غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في كلمة مصورة نشرها مكتبه في اليوم التالي، إن تل أبيب "لن تقبل شروطًا تصل إلى حد الاستسلام، وستواصل القتال حتى تحقيق أهداف الحرب"، مشيرًا إلى أنه "لا يمكن لإسرائيل قبول مطالب حماس بإنهاء الحرب وسحب القوات من غزة، وترك حماس في السلطة".
وفي 8 مايو نقلت القناة نفسها عن مصدر رفيع المستوى لم تسمه تواصل مفاوضات التهدئة داخل قطاع غزة بحضور كل الأطراف، مؤكدًا أن النقاشات بين الأطراف التي تضم ممثلي حركة حماس والوفد الإسرائيلي المشارك والوسطاء شهدت توافقًا حول العودة إلى المسار التفاوضي.
جاء ذلك في وقت قلل مسؤول إسرائيلي لرويترز من فاعلية المفاوضات، وقال إن "إسرائيل لا ترى أي علامة على تحقيق انفراجة في المحادثات التي تتم بوساطة مصرية بشأن هدنة مع حماس من شأنها إطلاق سراح بعض الرهائن في غزة، لكنها تبقي وفدها الذي يضم مفاوضين متوسطي المستوى في القاهرة لمدة 3 أيام"، حسب موقع الجارديان.