رئاسة الجمهورية العربية السورية، فيسبوك
الرئيس السوري أحمد الشرع يصافح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبينهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. الرياض، 14 مايو 2025

الشرع وثمن التطبيع

منشور الاثنين 19 مايو 2025

عندما سُئِل الرئيس السوري السابق بشار الأسد عن احتمالات تطبيع بلاده العلاقات مع إسرائيل على غرار الدول العربية التي انضمت إلى ركب اتفاقات أبراهام، أجاب "يمكن أن نقيم علاقات طبيعية مع تل أبيب فقط عندما نستعيد أراضينا"، في إشارة إلى هضبة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967 وأعلنت ضمها في 1980.

وفي المقابلة التي أجراها مع وكالة أنباء سبوتنيك الروسية الرسمية في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أضاف الأسد "موقفنا واضح جدًا منذ بداية محادثات السلام في تسعينيات القرن العشرين، أي قبل نحو ثلاثة عقود، عندما قلنا إن السلام بالنسبة لسوريا يتعلق بالحقوق. وحقنا هو أرضنا"،  مُعتبرًا أن "المسألة بسيطة جدًا.. ولذلك، يكون الأمر ممكنًا عندما تكون إسرائيل مُستعدة، ولكنها ليست كذلك وهي لم تكن مستعدة أبدًا".

وكما لم تكن إسرائيل مستعدةً قبل خمس سنوات لإعادة الأراضي السورية التي احتلتها قبل نحو 50 عامًا إلى أصحابها، فهي الآن لن تتخلى ولو عن شبر واحد ليس فقط من هضبة الجولان، بل أيضًا من الأراضي التي قضمتها لاحقًا، في الشهور الأخيرة، بعد سقوط نظام الأسد وسقوط السلطة في حجر مجموعات سلفية جهادية لم تحرك ساكنًا رغم سيطرة جيش الاحتلال على ثلاثة أضعاف ما كان يسيطر عليه من أراضٍ إبان حكم بشار.

في الحوار المشار إليه، ينفي الأسد إجراء أي مفاوضات مع إسرائيل، "لم نرَ أي مسؤول في النظام الإسرائيلي مُستعدًا للتقدم خطوة واحدة نحو السلام".

هل سيقبل أحمد الشرع التنازل عن 15% من أراضي بلاده إرضاءً للسيد ترامب؟

لكن النظام السوري الجديد يبدي مزيدًا من المرونة. فبعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، الأسبوع الماضي، التقى الرئيس أحمد الشرع في الرياض نظيره الأمريكي دونالد ترامب، الذي أكد استعداده تطبيع علاقات بلاده مع سوريا، لكنه ربط ذلك بشروط من بينها انضمام الأخيرة إلى ركب اتفاقات أبراهام، وترحيل "جميع الإرهابيين الأجانب" من أراضيها، ومعهم من وصفهم البيت الأبيض بـ"الإرهابيين الفلسطينيين"، ومساعدة الولايات المتحدة على منع عودة ظهور داعش.

في رسائل مباشرة ومشفرة أظهر النظام السوري قبوله بالشروط الأمريكية. ظهر علي الرفاعي، مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام السورية، عبْر قناة كان الإسرائيلية، ليؤكد رغبة بلاده في السلام مع الجميع "بما في ذلك إسرائيل". ثم تحدث وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عقب لقائه مع نظيره السوري أسعد الشيباني في تركيا عن استعداد الحكومة السورية للتعاطي مع طلبات الولايات المتحدة، بما فيها السلام مع إسرائيل وطرد المقاتلين الأجانب و"الإرهابيين".

كل ذلك يثبت أن الشرع ورفاقه قرروا اللحاق بقطار التطبيع بأي ثمن، ويظهر استعدادهم لتقديم كل التنازلات المطلوبة منهم.

الإشكالية هنا ليست في الشرع ونظامه بل في الجانب الآخر. فحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم تُبدِ أي استعداد للتعاطي مع طرح ترامب الذي يسعى لتحقيق إنجاز جديد يُحسب له في ملف الاتفاقيات الإبراهيمية، بعد أن تعطل، ولو مؤقتًا، مسار التطبيع مع الرياض التي وضعت شروطًا تعجيزيةً بالنسبة لحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية التي ترى أنها قادرة على فرض السلام بالقوة العسكرية.

ورغم ما دار خلال الأسابيع القليلة الماضية من محادثات بين مسؤولين أمنيين إسرائيليين وسوريين بوساطة تركية، فإن حكومة نتنياهو لا تزال على موقفها المتمسك بعدم الانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط الأسد.

وكما ترفض إسرائيل بشكل قاطع الاعتراف بدولة فلسطينية على أي حدود، وتتعامل مع أراضي الضفة الغربية باعتبارها قلب الدولة اليهودية، فإنها تنظر أيضًا إلى هضبة الجولان على أنها جزءٌ من حدود تلك الدولة لن تتنازل عنه تحت أي ظرف، لا لحكام دمشق الحاليين الذين تعتبرهم "إرهابيين"، ولا لأي نظام آخر قد يحل مستقبلًا.

فهل سيقبل أحمد الشرع التنازل عن 15% من أراضي بلاده إرضاءً للسيد ترامب الذي يسعى إلى التقاط صورة جديدة وهو يشهد على توقيع اتفاق سلام بين تل أبيب ودمشق؟ وهل يكتفي نتنياهو وائتلافه الحاكم بهذا التنازل أم سيفرضون شروطًا جديدة؟

والأهم؛ كيف سيستقبل السوريون الذين هللوا للثورة وللنظام الجديد تلك الإجراءات؟

في ديسمبر/كانون الثاني الماضي سقط نظام بشار الأسد الذي كان مُتهمًا بتسليم إرادة بلاده إلى النظامين الروسي والإيراني، بعد أن فتح أمام قواتهما الباب لاحتلال أجزاء من أراضيه مقابل دعمه وتثبيت أركان حكمه في مواجهة شعبه الذي خرج عليه قبل 14 عامًا.

لكن بعد أن نجح المناوئون للأسد في السيطرة على دمشق وتأسيس نظام جديد يرفع شعار إنهاء التبعية لموسكو وطهران، فإذ بهم ينقلون هذه التبعية إلى كفلاء جدد. فضلًا عن أنقرة الداعم والمخطط والمسوق لصعود الشرع ورفاقه، صارت واشنطن مُحركًا وصاحبة ولاية على سياسات سوريا الجديدة، فيما تترقب إسرائيل حصاد ثمار الخطط الأمريكية، ليعيدا معًا رسم خريطة الشرق الأوسط بما يحقق مطامح الأولى ومصالح الثانية.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.