صفحة تنسيقية لجان المقاومة - الفاشر على فيسبوك
تسببت المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في فرار عدد كبير من المقيمين في معسكر زمزم لإيواء النازحين بالقرب من مدينة الفاشر، 20 أبريل 2025

لحسم حرب السودان.. تمزيق الفاشر بين فكي الجيش والدعم السريع

منشور الخميس 8 مايو 2025

معركة السيطرة على مدينة الفاشر مصيريةٌ لكلا طرفي الصراع في السودان، فمن شأنها أن تعيد الحرب للمربع صفر حال ربحها حميدتي، وتضمن نصرًا معنويًا وماديًا حال احتفظ بها البرهان، لذا فالهجوم والدفاع مستعران، ولا تنقصهما من يزكي نارها.

بينما تكثف قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو/حميدتي، منذ بداية الأسبوع الثاني لأبريل/نيسان الماضي، هجماتها على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي يعاني سكانها حصارًا خانقًا منذ أكثر من عام، تكافح قوات الجيش السوداني مع الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، لحماية معقلها الأخير في غرب البلاد.

تتجدد الهجمات والقصف يوميًا، وكان واحدًا من أشهدها الذي أسفر عن مقتل نحو 41 مدنيًا، بينهم أطفال ونساء، وفق بيان للفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش، والمتمركزة في الفاشر.

في المقابل يشير البيان إلى تمكن الجيش وحلفائه من قتل نحو 600 من عناصر الدعم السريع، بينهم قائدهم، هاجموا المدينة في محاولة لاقتحامها.

وخلخلت قوات الدعم السريع حصون الجيش داخل المدنية المعزولة إلى حد كبير عن العالم الخارجي منذ أن أحكمت الحصار عليها في 13 أبريل/نيسان من العام الماضي. وبينما تسمح أحيانًا للمدنيين بالخروج، فإنها تمعن في قصف المدينة وشن هجمات عليها، تجاوز عددها الـ200 في عامين، وفق تقديرات الجيش.

وتخوض قوات الدعم حربًا نفسية، حيث تطالب عناصر الجيش والقوات المشتركة بإخلاء المدينة مع ضمانات بفتح ممرات آمنة للمدنيين والعسكريين.

هجمة مرتدة

من شأن سيطرة الدعم السريع على المدينة أن تعيدها بقوة إلى واجهة الصراع، لأن سقوطها يمهد لإعلان حكومة موازية مقرها غرب السودان، بعيدًا عن ولايات الوسط والشمال التي حقق فيها الجيش انتصارات واضحة، وأهمها استعادة السيطرة على الخرطوم نهاية مارس الماضي، وطرد الدعم السريع منها لأول مرة منذ بدء الحرب في أبريل 2023.

وحققت الدعم السريع تقدمًا مع سيطرتها على معسكر زمزم للنازحين، الذي يبعد 15 كيلومترًا فقط عن المدينة، ويمنح من يمتلكه فرصة للسيطرة على طرق إمداد أساسية للفاشر، ما يُكسبه أهمية مضاعفة.

وتبلغ مساحة معسكر زمزم الملاصق للفاشر نحو 24 كيلومترًا مربعًا، ويضم قرابة 23 مدرسة وسوقًا كبيرةً وعددًا من المراكز الطبية.

ويمر طريق نيالا الفاشر داخل مدينة زمزم، ونيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور وبها مطار دولي، ما يعني أن قوات الدعم السريع ستكون قادرة على استخدامه في تلقي الإمدادات العسكرية الخارجية.

حسب الصحفي السوداني المقيم بعاصمة دارفور معمر إبراهيم، فالدعم السريع أجبرت المواطنين من القرى المجاورة على النزوح خلال الأسابيع الماضية، مقدرًا عدد المحاصرين في الفاشر ومعسكر زمزم بنحو مليون و650 ألف نسمة.

وذكر إبراهيم لـ المنصة أن القرى التي أصبحت تحت سيطرة الدعم السريع وأُجبر سكانها على النزوح تقع في ريفي الفاشر ومنطقة خزان قولو، التي تعد المصدر الرئيسي لإمداد الفاشر بالمياه. إلى جانب منطقة شقرة المعروفة بالمحاصيل الزراعية، والتي جرى نهبها بالكامل ما سيؤثر سلبًا على وصول الغذاء للفاشر.

ويوضح أن "السيطرة على معسكر زمزم سهلت مهمة الدعم السريع في الوصول إلى المؤن والأسلحة، كما أنها حرمت الفاشر من حركة التجارة التي كانت ثرية في المعسكر بفضل وجود السوق الرئيسية التي نهبتها القوات لاحقًا".

من يسيطر على دارفور؟

لإقليم دارفور أهمية جيوسياسية كبيرة نظرًا لمساحته الشاسعة، إضافة إلى ثقله السكاني والاقتصادي الكبير.

يتمدد الإقليم على 493 ألف كيلومتر مربع، أي أكثر من ربع مساحة البلاد، وتقدر نسبة سكانه بنحو 17% من تعداد سكان السودان البالغ نحو 48 مليون نسمة، ويرتبط بحدود مباشرة مع 4 ليبيا من الشمال الغربي، وتشاد من الغرب، وإفريقيا الوسطى في الجنوب الغربي، إضافة إلى دولة جنوب السودان.

جنود من الحركات المسلحة في دارفور المتحالفة مع الجيش، 28 أبريل 2025

وتختلف معركة الفاشر عن معركة معسكر زمزم؛ الذي سقط فقط في غضون ثلاثة أيام فقط.

حسب معمر إبراهيم المقيم بالمدينة، تفشل قوات الدعم السريع في السيطرة على عاصمة دارفور رغم حصارها وتكثيف الهجمات عليها من مختلف المحاور والاتجاهات بفضل الحضور الكثيف للجيش والقوات المشتركة وانتشار المدفعية والمسيرات التي تصد هجمات قوات الدعم، كما أن الأخيرة فقدت عددًا كبيرًا من قادتها الميدانيين في معارك على تخوم المدينة. 

ملايين تحت حصار البنادق

لا يتصور الجيش أن بالإمكان خسارة الفاشر التي تشهد منذ الأسابيع الأولى من الحرب  معارك طاحنة.

ويقلل الخبير العسكري السوداني أمين مجذوب إسماعيل من الأهمية الاستراتيجية لسيطرة الدعم السريع على معسكر زمزم، مشيرًا إلى أن الهدف من اقتحامه استهداف المدنيين وترهيبهم ومحاولة التأكيد على أنها ما زال لديها القوة التي تمكنها من التقدم على الأرض.

بدوره يدعو المستشار الإعلامي لرئيس حركة جيش تحرير السودان محمد محمدو، في حديثه لـ المنصة المجتمع الدولي لإنقاذ النازحين في محيط المدينة الذين يعانون القتل وشح المياه والغذاء، وتشير تقديرات لوجود مليون أسرة في العراء تحاصرهم نيران البنادق.

يلفت محمدو إلى أن كارثية الوضع الإنساني لا تمنع استمرار القوات المشتركة والجيش في الدفاع عن المدينة.

هذا رغم أن الواقع، وفق رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن، وهي منظمة حقوقية غير حكومية فاعلة في العمل السياسي والحقوقي، يشير إلى أن قوات الدعم السريع "قاب قوسين أو أدنى من إعلان سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر بعد أن أصبحت تستحوذ على غالبية المناطق والأحياء والمرافق العامة داخل المدينة".

الغلبة العسكرية في الفاشر بدأت تميل تجاه الدعم السريع بعد حصولها على عتاد حربي

يرصد الصادق علي حسن لـ المنصة أن عناصر قوات الدعم كان لها حضور في المدينة منذ تشكيل القوات المشتركة التي جرى تأسيسها بموجب اتفاق جوبا للسلام في عام 2020، وسيطرت على أجزاء واسعة من المدينة إلى أن اندلعت الحرب. وقاد ذلك لانقسام القوات المشتركة بين حركات ومجموعات مسلحة تتبع الجيش وأخرى موالية للدعم السريع قبل أن يتم طردها بعد أشهر قليلة من الحرب".

مجموعة من قوات الجيش وعناصر الحركات المسلحة المتحالفة في الفاشر، 30 أبريل 2025

ويوضح أن وسط المدينة ما زال تحت سيطرة الفرقة السادسة التابعة للجيش السوداني إلى جانب حلفاء الجيش من حركة جيش تحرير السودان جناح مني آركو مناوي، وهو أيضًا حاكم إقليم دارفور، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم.

ويضيف أن قوات الدعم السريع والحركات المسلحة التي تحالفت معها وبخاصة حركتا جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس يحيى، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر تتمركز على أطراف المدينة.

ويرى حسن أن التوازن داخل المدينة وفقًا لهذه المعطيات كان لصالح الجيش السوداني والقوات المشتركة المتحالفة معه غير أن الواقع تبدل مؤخرًا بعد أن حصلت قوات الدعم السريع على عتاد حربي متطور وصعدت من عملياتها التي قلبت موازين القوى.

حال نجحت قوات الدعم السريع في السيطرة على الفاشر فإن ذلك يعني، وفق الحقوقي والناشط السوداني، أن الصراع في البلد "سيعود إلى نقطة الصفر، وسيؤدي ذلك لمزيد من الاقتتال بين المكونات المحلية في الإقليم، وربما تعود المعارك مرة أخرى إلى العاصمة في الوسط وإلى ولايات الشمال، ولن تقتصر على دارفور".