أعلن البنك الدولي، اليوم، أنه سيضخ تمويل بمبلغ 8 مليارات دولار، لمصر على 3 دفعات في فترة ممتدة لأربعة أعوام، بدأت منذ 2015 وحتى 2019، والتمويل موجه لسياسات التنمية في إطار الشراكة بين الجانبين، والتي تعمل على دعم القطاعات الحيوية في الاقتصاد، من أجل الحد من الفقر.
وتسلّمت مصر، أول أمس الجمعة، مليار دولار أمريكي من البنك الدولي، كدفعة أولى من إجمالي قرض بقيمة 3 مليارات دولار، لدعم برنامج الحكومة الاقتصادي، الذي يهدف إلى ضبط أوضاع المالية العامة، وتوفير الطاقة المستدامة، وزيادة القدرة التنافسية.
وذكرت وزيرة التعاون الدولي، سحر نصر، في تصريحات صحفية، أن تسلم مصر الشريحة الأولى البالغ قيمتها 1.5 مليار دولار، يأتي في إطار حزمة تمويلات البنك الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، وفق إطار الشراكة الاستراتيجية الموقعة معه على مدار 4 سنوات، والتي حصلت مصر منها على نحو 3.150 مليار دولار حتى الآن.
وأضافت "نصر" أن ذلك يتزامن مع حزمة تمويلات من البنك الأفريقي للتنمية، بقيمة 4 مليارات دولار، على مدار 4 سنوات، ليصل إجمالي التعاون مع البنكين إلى 12 مليار دولار.
أول غيث البنك الدولي
ويأتي المليار دولار الأول الذي تسلمته مصر، ثمرة لمفاوضات دارت بين مسؤولي البنك والحكومة المصرية عام 2015، انتهت في 19 ديسمبر/ كانون الأول إلى توقيع هذا القرض، بعد موافقة مجلس المديرين التنفيذيين للبنك عليه.
والبنك الدولي هو مجموعة من 5 مؤسسات إنمائية هي "البنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمؤسسة الدولية للتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار".
وبدأت المجموعة بمؤسسة واحدة فقط عام 1944، وكانت مهامها في البداية ترتبط بإعادة الإعمار والتنمية في فترة ما بعد الحرب، ثم تطورت إلى تخفيف حدة الفقر في أنحاء العالم. وتتضمن حافظة مشاريع البنك الدولي الحالية في مصر 24 مشروعًا، بإجمالي ارتباطات تمويل قدرها حوالى7 مليار دولار.
وذكر البنك الدولي، وقت توقيع القرض الأول، أن برنامج الإصلاح متعدد السنوات- 2015/ 2019- يستهدف "ضبط أوضاع المالية العامة من خلال ترشيد الأنظمة الضريبية والحد من تضخم فاتورة الأجور، وتقوية إدارة الدين، وضمان إمدادات مستدامة للطاقة عن طريق ترشيد دعم الطاقة، وتحرير سوق الطاقة لتيسير زيادة مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز بيئة أنشطة الأعمال عبر حزمة إصلاحات تستهدف تقليص الإجراءات الروتينية وتقليل الحواجز أمام دخول السوق والتشجيع على تحسين سياسات المنافسة".
مصر ما بعد 30 يونيو
ويأتي تسلّم القرض بعد نحو 10 أيام فقط من إقرار مجلس النواب المصري لمشروع قانون ضريبة "القيمة المُضافة" الذي أثير الجدل حوله، باعتباره يرفع تكلفة السلع على المستهلكين، وكذلك كأحد شروط الجهات الدولية المانحة لمصر.
ويرى البنك الدولي، كجهة مانحة، في مصر بلدًا أنهى مؤخرًا عملية تحول سياسي، امتدت في الفترة من يونيو/حزيران 2013 إلى ديسمبر/كانون الأول 2015- وقت إجراء انتخابات مجلس النواب، في أعقاب أحداث 30 يونيو 2013، التي أطاحت بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي.
ووفقًا لرؤية البنك الدولي، فإن الاقتصاد المصري بدأ في التعافي خلال عامي 2014 و2015، بمعدل نمو ارتفع إلى 4.2%، وما لبث أن تراجع في الربع الأول من 2015/ 2016.
وقرر البنك المركزي المصري، منتصف مارس/ آذار الماضي، خفض قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكي بنسبة 15%، وأعلن وقتها طرح عطاء استثنائي لبيع 200 مليون دولار للبنوك على سعر 8.85 جنيه، مقابل 7.73 جنيه في العطاءات السابقة.
وذكر البنك المركزي، في بيان رسمي وقتها، أنه سينتهج خلال الفترة المقبلة سياسة أكثر مرونة فيما يتعلق بسعر الصرف "لعكس القوة والقيمة الحقيقية للعملة المحلية"، بعد نحو أسبوع واحد من قرار البنك بإلغاء الحدود القصوى لسحب وإيداع الدولار للأشخاص والشركات.
وشهدت مصر خلال الأشهر الماضية انخفاضًا حادًا في سعر الجنيه أمام الدولار الأمريكي، إثر تقلص تدفقات النقد الأجنبي، بسبب تراجع عوائد عدة قطاعات على رأسها السياح، التي تضررت من حادث مقتل السياح المكسيكيين، ثم سقوط الطائرة الروسية.
"معاداة" العدالة الاجتماعية
وقوبل قرض المليارات الثلاث من البنك الدولي والبرنامج المرتبط، بتحفظات ومخاوف حقوقية، كان منها ما دفع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للوقوف ضده، باعتباره يأتي في فتره "عصيبة" على الاقتصاد المصري، وفي ظل أزمة انخفاض احتياطي النقدي الأجنبي وتخفيض البنك الدولي لمعدل النمو الاقتصادي لمصر من 4.2% لـ3.8%.
اقرأ أيضًا: خطاب السيسي في الإسكندرية.. الرئيس يعد بقرارات صعبة ويستعيد "انتفاضة الخبز"
وأبدى المركز الحقوقي مخاوفه مما يتطلبه قرض البنك الدولي تحديدًا، إذ اعتبر شروط البنك الدولي للقرض "مجحفة" وتتماشى تمامًا مع مبادئ برامج التعديل الهيكلي التي يتبناها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كشروط عامة للقروض وكأداة أساسية لإخضاع المستدين للسياسات "النيوليبرالية" والتي تجعل اقتصاد وسيادة مصر تابعة للهيئة المانحة.
وأورد "المركز المصري"، في بيان صادر عنه، بعضًا من الشروط المطلوبة للحصول على القرض، وهي "خفض فاتورة الأجور كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بـ8.5%، وخفض دعم الطاقة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بـ50%، ومضاعفة متوسط تعريفة الكهرباء لجميع الفئات المستهلكة والتي تشمل المصانع والمنشأت والمنازل، وخفض الحصة السوقية لشركات الطاقة القابضة بـ7% لصالح القطاع الخاص".
وفي السياق نفسه، أبدت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" تحفظات على القرض، قالت إنها تتعلق بغياب الشفافية، وباختيار الحكومة تنفيذ سياسات اقتصادية في سبيل الحصول عليه تُعدّ في مجملها "مُعادية للعدالة الاجتماعية".
وذكرت "المبادرة المصرية" أن الحكومة نفذت إجراءات مسبقة خلال العامين 2014 و2015، بدون أن تعلن أمام الرأي العام عن نيتها في الحصول على القرض، وانتقدت أمورًا شابت الاتفاق عليه، كان منها "سرية التفاوض وعدم اتباع الإجراءات الدستورية، وتوقيعه قبل انعقاد أولى جلسات البرلمان؛ مما حرم الوثيقة من فرصة النقاش المجتمعي، وبالمخالفة لنص المادتين 127 و151 من الدستور".
وأشارت "المبادرة المصرية" إلى أن البنك الدولي فرض على مصر تخفيض الأجور والدعم "دون مراعاة أثر ذلك على العدالة الاجتماعية"، بينما اقترحت الحكومة رفع أسعار الكهرباء وفتح أسواق الطاقة أمام القطاع الخاص، في وقت يُلزم فيه البنك مصر بتخفيض الدين العام تحت مسمى تعزيز انضباط المالية العامة، والتي تلتزم الحكومة فيه بزيادة الإيرادات عن طريق فرض الضريبة على القيمة المضافة "المنافية للعدالة الاجتماعية".