عادت أحاديث الإضراب عن الطعام، لدائرة الاهتمامات الحقوقية، بعد إعلان عدد من السجناء- بينهم مرضى- خوض معركة "الأمعاء الخاوية"، في محاولة للاحتجاج على أوضاعهم في الزنازين.
وأثارت جهتان حقوقيتان- هما الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومركز "الحقانية" - واقعتي إضراب عن الطعام، تزامنتا في توقيتيهما دون سابق ترتيب، ومازلت تطوراتهما تتلاحق، على اختلاف الانتماءات السياسية لأبطالهما.
مرضى "العقرب" إضراب من أجل العلاج
أعلنت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أمس الأول، أن الصحفي هشام جعفر والمستشار محمود الخضيري، "وآخَرَيّن من سجناء الرأي" هما المستشار علاء حمزة والمهندس جمعة محمد، وهم جميعًا مودعين في مستشفى قصر العيني لتلقي العلاج. وبدأوا إضرابًا عن الطعام منذ السبت الماضي، احتجاجًا على "حرمانهم من العلاج الذي تحضره أسرهم على نفقاتها الخاصة، وتهديدهم بإعادتهم لسجن العقرب قبل شفائهم أو إجراء الجراحات اللازمة"، ما اعتبروه "قتلاَ بالبطيء".
وقررت السلطات في اليوم نفسه، بعد انتشار نبأ إضراب السجناء الأربعة، إعادتهم إلى "العقرب"، قبل أيام من انعقاد جلسة تجديد حبس "جعفر"، المنعقدة ظهر اليوم، بالتجمع الخامس، والتي قررت "الشبكة العربية" استباقها بفيديو تضامني يوضح ملابسات قضيته.
https://www.youtube.com/embed/WETNCaN9SCYويقول المحامي طارق خاطر، مسؤول الوحدة القانونية في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن هذه ليست المرّة الأولى التي يردّوا فيها هشام جعفر للسجن دون إجراء الجراحة. موضحًا أن هذه المرّة تختلف فقط في صدفة وجود 3 سجناء آخرين معه، واتفاقهم على الاحتجاج على عدم تقديم الرعاية الصحية هم، بالإضراب عن الطعام.
وعلّق "خاطر"، على سبب ردّهم للسجن فور إعلان نبأ الإضراب، بقوله لـ"المنصة"، إنه من وجه نظر المسؤولين "السبيل الوحيد" لإنهاء الإضراب قسريَا، دون أن يتمكن المحامين من إثبات ذلك، إذ يُمكن للأمن التذرّع بتأشيرة ورأي طبي يفيد بعدم حاجتهم لمزيد من العلاج خارج السجن، معقبّا "الحجج والذرائع لا تنتهي".
واعتبر المحامي الحقوقي ما وقع بحق "جعفر" أحد أشكال "التنكيل المتعمد بصحفي متهم دون أي دليل، على الرغم من كونه محبوسًا احتياطيًا، يمنحه القانون حقوقًا وامتيازات، تفوق حتى الممنوحة للسجين، لدرجة تُمَكنه من التعامل مع طبيب خاص، بينما نتحدث نحن هنا عن حرمان من العلاج والجراحة، مع وضعه في سجن سيء السمعة حقوقيًا، هو العقرب".
وألقت السلطات القبض على الصحفي هشام جعفر، مدير مؤسسة مدى للدراسات الإعلامية، في أكتوبر/ تشرين أول 2015، ولايزال على ذمة تحقيقات النيابة العامة في اتهامه بـ"الانضمام لجماعة إرهابية محظورة (الإخوان المسلمين)".
ويُنفّذ المستشار "الخضيري" حكمًا بالسجن 3 سنوات، صدر ضده في القضية المُتَهم فيها بالمشاركة مع قيادات بجماعة الإخوان المسلمين بـ"احتجاز محام وتعذبيه وصعقه بالكهرباء داخل مقر إحدى شركات السياحة بميدان التحرير" خلال ثورة 25 يناير.
ونقلت الشبكة الحقوقية عن أسرة السجين هشام جعفر، أنه كان من المفترض أن يخضع لجراحة منذ مارس/ آذار الماضي، ولم تجر إلى الآن، واتهمت الجهات الشرطية المسؤولة بـ"تصعيد التعسف" ضده.
نداء وبلاغ لإنقاذ "عبد الرحمن"
أعلن مركز "الحقانية"، أمس، تقديم بلاغ يحمل رقم 11083 لسنة 2016 عرائض النائب العام، نيابة عن أحمد عبد الرحمن، المحكوم عليه بالسجن 5 سنوات في القضية رقم 12058 لسنة 2013 جنايات قصر النيل والمعروفة إعلاميًا بـ"أحداث مجلس الشورى"، ضد مأمور سجن طره "عنبر التحقيق"، ورئيس المباحث وأحد المخبرين، بسبب تعريضهم حياته للخطر بعد إضرابه لليوم الخامس عشر داخل السجن، والسابع في الحبس الإنفرادي، ومنعه من زيارة العيادة (الوحدة الطبية).
تزامن بلاغ "الحقانية" مع نداء عاجل وجهه المركز لكل من النائب العام ووزير الداخلية تحت عنوان "حياة مسجون في خطر"، أفاد بأضراب "عبد الرحمن" عن الطعام، وامتناع مسؤولي السجن عن تحرير محضر لإثبات الإضراب ومتابعة حالته الصحية، وأن أحدهم- رئيس المباحث- قرر تحويله للحبس الانفرادي منذ أسبوع امتد لأسبوع آخر، ليودعه الأحد الماضي زنزانة التأديب.
واتهم المركز الحقوقي مخبرين في السجن بالتعدي على أحمد عبد الرحمن بالضرب، "الذي بلغ حد استخدام الأحذية، في حضور رئيس مباحث السجن، محمد إبراهيم"، الذي اتهمه المركز بالتعدي على "عبد الرحمن" بصفعه على وجهه، عندما حاول الاستغاثة به.
أما عن سبب إضراب السجين- وفقًا للنداء الحقوقي- فهو احتجاج "عبد الرحمن" على عدم تنفيذ طلبه بردّ عدد من أغراضه في "عنبر 1"، والتي حُرِم منها، وكذلك ضد حرمانه من الذهاب العيادة والكافيتريا بالسجن.
وذكر "الحقانية" أن المحامي محمد عبد العزيز، المُوَكَّل عن السجين، توجه إلى مأمور السجن ورئيس المباحث بشكوي شفاهية للمطالبة بتحرير محضر، "على الرغم من وجود السجين تحت رقابتهم وفي التأديب بالحبس الانفرادي"، ما استدعى تقديم المركز بلاغ النيابة العامة بشأن الواقعة، وتحميل وزارة الداخلية المسؤولية عن حياة السجين وسلامته.
مخالفات قانونية
يؤكد المحامي الحقوقي طارق خاطر، أن مصر ليست بحاجة لمزيد من الاتفاقيات الدولية لتلتزم بعلاج المرضى، إذ تقرّه لائحة السجون المصرية ومن قبلها الدستور، والقوانين التي تُلزم السلطات بإخلاء سبيل المُتهم، في حالة كان مرضه يهدد حياته أو زملائه، ولخَّص ما يحدث من ممارسات في كونه أزمة لا تتمثل في القانون، بل في تطبيقه و"انتهاك" حق السجين احتياطيا.
وينص قانون تنظيم السجون، وفقًا لآخر تعديلاته، في المادة 33 مكرر على أن "تلتزم المنشآت الطبية الحكومية والجامعية بعلاج المسجونين المحالين إليها من السجون لعلاجهم". وفي المادة 46، على إلزام مأمور السجن بالإبلاغ الفوري لدى مساعد الوزير لقطاع السجون ومدير الأمن والنيابة العامة، عند علمه بحالات الإضراب عن الطعام، على ان يشمل البلاغ الإجراءات التى قامت بها إدارة السجن حيال ذلك، وهو ما يعني اعترافًا به كأحد حقوق السجين.
ويتسق القانون المصري في هذا الصدد مع الموقف الحقوقي الدولي إزاء الإضراب عن الطعام، كحق أصيل للسجناء، تناولته تفصيلاً الجمعية الطبية الدولية في إعلان مالطا. ويحظى الممارسين له من السجناء باعتراف ومتابعة من جهة طبية دولية مثل الصليب الأحمر.