على الرغم من إعلان البنك المركزي قبل أيام إنهاء الإلزام بنظام الاعتمادات المستندية، الذي فُرض في مارس/ آذار الماضي كمحاولة للحد من تدفق الواردات مع تراجع احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، يقول مستوردون إنهم لا زالوا يواجهون مصاعب بشأن تيسير حركة التجارة، نظرًا إلى أن جوهر المشكلة هو تدبير النقد الأجنبي بغض النظر عن طبيعة إجراءات الاستيراد المعمول بها.
وبدأ تنفيذ قرار البنك المركزي بعودة نظام مستندات التحصيل مع بداية العام الجديد، وبحسب ما قاله مستوردون للمنصة عن تجربتهم مع البنوك خلال أول أيام عملها في 2023، فإن كافة القطاعات لاتزال تواجه مصاعب بشأن تدبير سيولة لاستيراد خامات الإنتاج أو المنتجات تامة الصنع، باستثناء قطاعي الصناعات الغذائية والمستلزمات الطبية اللذان تتعامل معهما البنوك بشكل استثنائي بالنظر إلى ما يمثلانه من أهمية للمواطنين.
وتسبب نظام الاعتمادات المستندية في إطالة أمد عملية الاستيراد، ما أدى إلى إعاقة العديد من عمليات الإنتاج ونقص سلع أساسية في السوق، بينما كان نظام مستندات التحصيل هو الأكثر شيوعًا قبل قرارات المركزي بوقفه في مارس الماضي كونه يستغرق وقتًا أقل لإتمام عملية الاستيراد.
يقول متى بشاي، عضو مجلس إدارة شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، إنه يعاني منذ فبراير/ شباط الماضي بشأن إتمام عمليات الاستيراد الخاصة بنشاطه، حيث تقدم خلال هذه الفترة بطلبات للبنوك لفتح 9 اعتمادات مستندية ولم يستجَب لأية واحدة منها حتى الآن، ومع إعلان البنك المركزي الأخير حاول أن يجدد المطالبة ولكن جاءه الرد من البنوك "كما كنت مفيش تعليمات"، على حد قوله.
ويقول بشاي إن توفير العملة الصعبة سواء من خلال الاعتمادات المستندية أو مستندات التحصيل في الوقت الراهن من نصيب الصناعات الغذائية بشكل أكبر في ظل اقتراب شهر رمضان وزيادة استهلاكها من قبل المواطنين، يأتي بعدها خامات ومكوّنات إنتاج المصانع.
ويؤكد محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية، على الرأي السابق بناء على تجارب أعضاء الغرفة خلال الأيام الماضية مع البنوك، مشيرًا إلى أن التيسيرات المتاحة تقدم بشكل استثنائي لقطاعات مع خامات الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية، "الاعتمادات المستندية ومستندات التحصيل مجرد وسيلتين لتوفير احتياجات المصانع من العملة الصعبة، الأهم هو توفير الدولار للمصانع لشراء الخامات بأي طريقة منهما".
وتراجعت احتياطات النقد الأجنبي لمصر من نحو 41 مليار دولار في يناير 2022 إلى 33.1 مليارا في يوليو/ تموز الماضي إثر تضخم أسعار السلع الأولية عالميًا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وهو التضخم الذي استنزف جانبًا من الموارد المصرية بجانب خروج جزء كبير من استثمارات الأجانب في سوق الأوراق المالية بسبب سياسات الفائدة الأمريكية، وصعد الاحتياطي خلال الأشهر التالية ولكن بشكل طفيف ليصل إلى 34 مليار دولار في ديسمبر.
في هذا السياق عملت البنوك على إعطاء الأولوية للقطاعات الأكثر أهمية، مثل القطاع الطبي، كما يقول
محمد إسماعيل عبده، رئيس شعبة المستلزمات الطبية بغرفة القاهرة التجارية "جاءت تلك الخطوة من البنوك بعد أن تواصلت الشعبة مع البنك المركزي وأبلغته بضرورة إخراج منتجات القطاع من حسابات تدبير العملة لإمكانية حدوث أزمة في المخزون وأهميته القصوى للقطاع الطبي".
كما قال مستثمرون في بعض المناطق الحرة إن بعض الشركات العاملة هناك نجحت الأيام الماضية في إبرام تعاقدات استيرادية جديدة بعد قرار البنك المركزي العودة للعمل بمستندات التحصيل فى العمليات الاستيرادية.
كيف يتعايش المستوردون مع استمرار الأزمة؟
في ظل معاناة الفئة الغالبة من المستوردين من استمرار صعوبة تيسير حركة الاستيراد، يقول حسن فندي، رئيس شركة الحرية 2000 للصناعات الغذائية، إن بعض الشركات استوردت خامات ومكوّنات إنتاج لمصنعها خلال الفترة الماضية من حصيلة الصادرات التي حققتها.
أما وجدي مجدي، رئيس الشركة المصرية لتشغيل المعادن، فيوضح أنه يعتمد على المورّدين المحليين في توفير احتياجاته من مكوّنات الإنتاج، إلا أن ذلك يعرضه لمخاطر مبالغة الموردين في تسعير الخامات في ظل استغلالهم لطبيعة الأزمة، ويستشهد بألواح الحديد التي ارتفع سعرها من نحو 18 ألف جنيه إلى 40 ألف جنيه خلال عام.
وبسبب ارتفاع أسعار الخامات في السوق المحلية بشكل متسارع خلال الفترة الماضية، اتجه مجدي إلى تقصير أجل عروض أسعار منتجاته لـ5 أيام فقط، وكان قبل هذه الأزمة يقدم عروض أسعار سارية لـ40 يومًا.
ويرى بشاي عضو مجلس إدارة شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، إنه كان ينبغي على البنك المركزي التراجع عن قرار رفض الحصول على العملات الأجنبية من خارج القطاع المصرفي وقبول العملات من المستوردين لفتح الاعتمادات المستندية لهم "على الأقل كانت ستتوفر البضائع في الأسواق".
وتلقت البنوك تعليمات من البنك المركزي في أبريل/ نيسان الماضي تمنعها من إتمام عمليات استيراد ممولة عن طريق دولارات مجهولة المصدر، حيث يجب أن يأتي التمويل إما من البنك أو من نشاط للعميل، في محاولة للحد من تعاملات السوق الموازية للدولار.
صعوبات الاستيراد دفعت العديد من المستوردين إلى إعادة تصدير البضائع للمورّدين والتخارج من العمل بالقطاع، بحسب بشاي، وذلك في ظل صعوبة تدبير الالتزامات الأساسية لشركاتهم بسبب احتجاز البضائع بالمواني لمدة تعدّت 10 أشهر في بعض الحالات.