عن إندبندنت البريطانية
في ذروة سعي تنظيم الدولة الإسلامية لضم جنود مشاة خلال عامي 2013 و2014، كان من بين المتقدمين مجموعة من الرجال الفرنسيين، الذين يقضون الوقت في البارات مع مندوب التنظيم الساعي لضمهم في فرنسا. أحد الأوروبيين المنضمين تحول للإسلام حديثًا ويفصح بتردد عن مثليته الجنسية، وبريطانيان آخران طلبا كتابي "القرآن للحمقى"[1] و"الإسلام للحمقى" عبر أمازون[2] كي يعدا أنفسهما للجهاد عبر الحدود.
وفقًا لشهادات قيلت أمام المحاكم، ومقابلات أجرتها وكالة أسوشيتد برس؛ فإنه بمجرد انتهاء إجراءات ضمهم للتنظيم؛ جُمِعوا في بيوت آمنة أتاهم فيها أئمة من التنظيم، كي يعطوهم المحاضرات (الدينية) المطلوبة.
في شهادته لوكالة أسوشيتدبرس يقول أحد العائدين من التنظيم وهو أوروبي يبلغ 32 عامًا: "أدركت أنني كنت في المكان الخاطئ عندما طالعت أسئلتهم في استمارة الإنضمام. كانوا يسألون: بمن نتصل عندما تموت؟". تحدث الشاب بشرط إخفاء هويته خوفًا من عواقب الإدلاء بشهادة حول أيامه في التنظيم. يقول إنه ذهب إلى سوريا للانضمام إلى "مجموعة مقاتلة ضد الرئيس السوري بشار الأسد لمساعدة السوريين، وليس من أجل القتال لما يدعى تنظيم الدولة الإسلامية".
الشاب ذو الأسلوب الطفولي، الذي يجعله يبدو أصغر كثيرًا من عمره الحقيقي، ذهب إلى سوريا في 2014. يقول إن المنضمين الجدد عرضت عليهم أشرطة دعائية للإسلام أنتجها تنظيم الدولة الإسلامية، وأن الأئمة الزائرين دأبوا على امتداح "فضل الشهادة". ومع البعد عن الوطن، والجهل الواضح بالدين وانقطاع العلاقات بأسرهم، و الحياة بأجهزة إلكترونية مغلقة تمامًا؛ لم يكن أغلبهم في وضع يسمح بالجدل أو إصدار الأحكام.
كشف تحليل قامت به وكالة أسوشيتدبرس لآلاف الوثائق المسربة من "داعش"، أن معظم المنضمين إليها منذ أيامها الأولى تجمعهم المعرفة المتواضعة بالإسلام. أكثر من 3000 وثيقة من تلك الوثائق مكرّسة للتعرف على مجدى معرفة الملتحقين الجدد بالشريعة وعلمي التفسير ورواية الحديث.
مقاتلون في مستوى المسلم المتوسط
وفقًا لهذه الوثائق التي حصل عليها الموقع السوري المعارض "زمان الوصل" وشاركها مع أسوشيتدبرس؛ فـ70% من المنضمين للتنظيم، أُدرِجوا باعتبارهم ذوي معرفة "بسيطة" بالشريعة، وأجابوا على أسئلة الاستمارة حول معرفتهم بها؛ بأنهم لديهم "أقل معرفة ممكنة". 24% منهم كانت لديهم معرفة متوسطة، بينما لم تزد نسبة "طلاب العلم" عن 5%، وخمسة متقدمين قالوا إنهم يحفظون القرآن.
هذه النتائج تلقي الضوء على واحد من أكثر الأسئلة إرباكًا حول المنضمين لتنظيم الدولة من أمريكا وأوروبا: هل من هم على دراية واسعة بالشريعة أكثر قابلية للتأثر بالأفكار المتشددة للتنظيم؟ أم أن الجاهلين بها أو ذوي المعرفة المتواضعة، هم الأسهل خضوعًا للأفكار الراديكالية للتنظيم التي تحرض على العنف؟
تؤيد الوثائق الفكرة الأخيرة، التنظيم المتشدد يقتات على الجهل بالدين، الذي يمنح المتشددين الفرصة لترويج نسخة معينة من الإسلام تمت صياغتها لتناسب أهدافهم الرامية إلى التوسع الجغرافي. ويبدأ الافتراس بمجرد أن يقع أحد المنضمين المحتملين في طريق مندوبي التنظيم.
مما كشفت عنه تلك الوثائق، يبدو أن الملتحقين الجدد البارزين أصحاب السمعة الأكثر سوءًا؛ هم أصحاب الروايط الأكثر ضعفًا مع الدين.
محمد لحْوَيِّج بوهليل الذي قتل 85 شخصًا دهسًا بشاحنة ضخمة في الاحتفال بيوم الباستيل في نيس بفرنسا؛ وصفه أفراد عائلته وجيرانه بأنه بعيد كل البعد الدين، فهو صاحب مزاج متقلب، ومعتاد على الإسراف في شرب الكحول، يميل لرقص السالسا ومعروف عنه أنه محب للذكور (ذا ميول مثلية).
مثل عمر متين الذي قام بهجوم أورلاندو؛ فإن بوهليل لم يعلن أنه مؤيد لتنظيم الدولة الإسلامية، ولا يوجد دليل على على اتصاله بالمتشددين في منطقة الحرب. ولكن؛ سارع التنظيم للإعلان عنهما باعتبارهما من ذئابه المنفردة.
تقرير وكالة أسوشيتدبرس عن محتوى الوثائق، تضمن تحليلاً لبيانات تتعلق بحوالي 4030 مقاتل أجنبي، عبروا الحدود السورية، خلال الفترة التي كان التنظيم فيها يتوسع ويستولي على المزيد من الأراضي في العراق وسوريا في عامي 2013 و2014. في هذا الوقت قَدَرَّت المخابرات المركزية الأمريكية عدد مقاتلي التنظيم؛ بكونه يتراوح بين 20 ألف إلى 31 ألف وخمسمئة مقاتل في العراق وسوريا.
في تلك الوثائق ظهرت أسماء وبيانات لعشر شبان من مدينة ستراتسبرج شرق فرنسا. تسعة منهم؛ جندهم رجل يدعى مراد فارس. أحد هؤلاء التسعة عُرِف عنه أنه يقضي وقته في التسكع بين البارات في ألمانيا مع فارس. الشاب المتسكع قال للمحققين: إن فارس استخدم "معسول الكلام" في إقناعه بالانضمام إلى التنظيم.
ممن سافروا مع هذا الشاب من فرنسا إلى سوريا، كان هناك شقيقان سافرا بصحبة أصدقائهما في نهاية 2013. مات اثنان من مجموعة ستراتسبرج في سوريا، وفي غضون سبعة أشهر؛ عاد سبعة منهم إلى فرنسا حيث أُلقي القبض عليهم. الشقيقان هما كريم محمد العقاد وشقيقه فؤاد البالغ من العمر 23 عامًا. بعدما عاد إلى باريس؛ كان فريد ضمن الانتحاريين الثلاثة الذين اقتحموا مسرح باتاكلان في 13 نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، وتسبب في قتل 130 شخصًا.
أمام المحكمة، قال كريم محمد عقّاد: "معتقداتي الدينية لم يكن لها علاقة بذهابي إلى هناك" قبل الحكم عليه بالسجن لتسع سنوات قال: "تم استخدام الإسلام كفخ أوقعوا بي فيه كالذئاب".
تقول وثائق التنظيم إن كريم وشقيقه فؤاد كانوا بين 8 شبان في مجموعة ستراتسبورج. وجميعهم مذكور أمام أسمائهم أن لديهم معرفة "بسيطة" بالإسلام.
أمام المحكمة؛ أفصح كريم العقاد عن شعور يتشارك فيه معظم الأروبيين ذوي الأصول الراجعة لشمال إفريقيا "في الجزائر ينظرون إلى باعتباري مهاجر، وفي فرنسا أنا مجرد عربي قذر". بعد شهور قصيرة في سوريا ترك كريم رفاقه في "داعش"، بعدما شعر بأن رفاقه في التنظيم يعاملونه وكأنه "ملحد رافض للدين".
عندما ساءله القاضي عن مدى معرفته بالشريعة وتطبيق تنظيم الدولة الإسلامية لها، بدا محمد العقاد الذي كان يعمل سابقًا بمحطة بنزين كالمصعوق، أخدذ يردد: "ليس لدي معرفة تمكنني من الإجابة على هذا السؤال".
واحد من المتهمين معه في المحاكمة نفسها، رضوان طاهر، تعرض لنفس الاستجواب من القاضي الذي سأله: إن كان من الثابت أن قطع الرؤوس الذي يمارسه التنظيم مطابق للشريعة. لم يكن بإمكان الفتى أن يجيب بثقة، فرد: "لست مؤهلا للإجابة".
وهنا جاء دور أمازون
خلاله محاكمة الصديقين محمد أحمد ويوسف ساروار من برمنجهام البريطانية؛ تبين أن الشابين ابني 22 عامًا، طلبا كتابي "الإسلام للحمقى" و"القرآن للحمقى"، للإعداد لرحلتهما للانضمام للمتشددين في سوريا. تم القبض عليهما عند عودتهما إلى بريطانيا، وحوكما في 2014 بتهم ارتكاب جرائم إرهابية.
يقول باتريك سكينر وهو ضابط حالة في المخابرات المركزية الأمريكية: إن كثير من الناس يعلنون ارتباطهم بالتنظيم ودعمهم له انطلاقًا من إيمانهم بالدين. يواصل الضابط الخبير بشؤون الشرق الأوسط: "لكن معظم من ينضمون بالفعل، ومنهم هؤلاء القادمين من الغرب هم أناس يبحثون عن الشعور بالانتماء والأهمية والمغامرة".
"الدين فكرة لاحقة" يؤكد سكينر الذي يعمل كذلك كمدير للمشروعات الخاصة في شركة صوفان جروب للاستشارات الأمنية.
هؤلاء الذين يريدون الخوض في معرفة الدين فعلاً يتوجهون إلى الأزهر في القاهرة، وهو مكان ظل يعلم الشريعة وعلوم القرآن منذ ألف عام.
خصص تنظيم الدولة الإسلامية العدد الأخير من مجلته الصادرة بالإنجليزية "دابق" للترويج لـ"علمائه الشرعيين". وأعلن التنظيم رفضه للأزهر باعتباره "وسيلة لإخضاع المسلمين ودفعهم لمهادنة الغرب".
يرى الباحث الإسلامي محمد عبد الفتاح؛ أن التنظيم المتشدد تفيض منه الرؤى السطحية لـ"ما هو حلال وما هو حرام"، ولما يراه التنظيم ممنوعًا في الإسلام. الباحث الذي يترأس وحدة خاصة في الأزهر لتتبع الدعاية التي يبثها تنظيم الدولة الإسلامية باللغة الألمانية، قال: إن الفيديوهات الدعائية التي يبثها التنظيم "تؤسّد" مقاتليه بإظهارهم كرجال أشداء مفتولي العضلات، شهداء أقوياء يطرقون أبواب السماء ابتغاءً لمرضاة الله، "وذلك بالمناقضة لتعاليم الإسلام التي ترفض الإرهاب وقتل العزل غير المقاتلين، وفرض الإسلام على غير المسلمين وسواها من الأنشطة الإرهابية".
معرفة من تقبلهم المنظمة المتشددة بالشريعة ذات أهمية، لأن "داعش" لا تريد فقط جنودًا وانتحاريين؛ لكنها كذلك تحتاج إداريين ومسؤولين عن الشريعة يراقبون المحاكم المحلية وعمل القضاة فيها، الذين يقومون بدورهم بالترويج لأيدولوجية التنظيم.
وهو مهم أيضًا (معرفة مدى إلمامهم بالشريعة)، لأن أؤلئك الذين ادعوا وجود معرفة واسعة بالشريعة في وثائق التنظيم؛ كانوا أقل قبولاً للاشتراك في العمليات الانتحارية، وفقًا لدراسة أعدها المركز الأمريكي لمحاربة التطرف، وهو مؤسسة أكاديمية ملحقة بالأكاديمية العسكرية الأمريكية.
تقول الدراسة: "لو كانت الشهادة هي المرتبة الدينية الأعظم، فمن المنطقي أن نتوقع مسارعة الأكثر إلمامًا بالشريعة الإسلامية نحو تنفيذ العمليات الانتحارية بوتيرة أكبر".
ورغم كل الأطروحات الدينية التي قدمها تنظيم الدولة الإسلامية لتبرير المهام الانتحارية؛ وجدت الدراسة أن "أؤلئك الذين لديهم معرفة أوسع بالدين داخل المنظمة نفسها، هم الأقل قابلية للتطوع للمشاركة في تلك العمليات".
يرى طارق رمضان الباحث في الشؤون الإسلامية، أن النظرة المتفحصة لكبريات القيادات في التنظيم تظهر أنهم ليست لديهم أية مؤهلات دينية، لكنهم احتلوا مواقعًا قيادية في نظام صدام حسين العلماني البعثي.
طارق رمضان، المُحَاضِر في الدراسات الإسلامية بجامعة أوكسفورد البريطانية؛ ألف العديد من الكتب التي تبحث في قضايا الإسلام واستيعاب المسلمين في المجتمعات الأوروبية. يرى رمضان أن العارفين المتخصصين بالإسلام يجب أن يبينوا بوضوح أن تعاليم الدين التي تروجها "داعش" خاطئة.
"من يفعلون هذا لا يلتحقون بالشهداء؛ إنهم مجرمون يقتلون الأبرياء. لا شيء في الإسلام، بل لا شيء على الإطلاق يبرر قتل الأبرياء، أبدًا أبدًا".
الشاب الأوروبي المثلي يقول إنه تحول للإسلام لأنه كان معجبًا بالثقافة ولأن الأمر كان يسيرًا: "كل المطلوب صلاة واحدة. ولا يشترط المعرفة السابقة بالدين، لا يوجد هيراركية (مراتب دينية) والتعاليم كلها تدور حول كيف يعيش الإنسان حياة جيدة". كمعتنق جديد للإسلام بلا معرفة بالدين تقريبًا؛ كان الشاب – على حد قوله- صيدًا سهلاً: "أناس مثلي خُدِعُوا للتورط في شيء لم يفهموه. لم أرد أبدًا أن ينتهي بي الأمر للانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية".
1- الإسلام للحمقى: Islam for dummies اسم لكتاب يستعير اسم سلسلة شهيرة لتقديم المعلومات للمبتدئين في مجالات عدة. بعضها يركز على الهوايات والأعمال وبعضها يهتم بتقديم أعمال أدبية أو تواريخ حضارات من خلال كتب صغير الحجم ومبسطة تتكلم عن المبادئ الأساسية دون تفاصيل أو عمق.
2- أمازون: موقع إنترنت متخصص في مبيعات الكتب والإنتاج الفني المسموع والبصري (أفلام- موسيقى- ملصقات لأعمال فنية ... إلخ) ويستخدمه العديديون لتسوق الكتب في كافة أنحاء العالم.