بنهاية الأسبوع الأول من عمليات القوات العراقية الهادفة لتحرير مدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار غرب العراق من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية؛ أعلن قائد العملية العسكرية الفريق عبد الوهاب الساعدي، مساء السبت، عن وصول قواته لأول مرة منذ بدء العمليات القتالية لبلدة الكرمة الواقعة على مشارف الفلوجة، الخاضعة لقبضة تنظيم الدولة الإسلامية منذ أواخر عام 2014. فيما تقف القوات المواجهة للتنظيم، المكونة من جهاز مكافحة الإرهاب وأفواج طوارئ شرطة الأنبار ومقاتلي عشائر "الحشد الشعبي" عند معسكر طارق ومعسكر المزرعة، الواقعين جنوب شرق المدينة. ويتوقع الساعدي نجاح تلك القوات في اقتحام المدينة وطرد تنظيم الدولة خلال الساعات القادمة.
وبالتزامن مع بدء العملية العسكرية الأثنين الماضي، تصاعدت تحذيرات دولية من أوضاع المدنيين المحاصرين في المدينة، بالإضافة إلى المخاوف من يتبع عملية الاقتحام عمليات انتقامية تنفذها ميليشا "الحشد الشعبي" الشيعية المشاركة في العملية العسكرية، بسبب ما قام به سنة الفلوجة من هجمات ضد الشيعة عقب الاحتلال الامريكي البريطاني للعراق. كما انتقد سياسيون عراقيون تواجد مسؤول عسكري إيراني في غرفة عمليات الحشد.
رغم أن القوات العراقية سبق وحررت عاصمة محافظة الأنبار مدينة الرمادي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلا أن الفلوجة تعتبر معركة فاصلة في سعى الحكومة العراقية استعادة المدن الواقعة تحت نفوذ تنظيم الدولة منذ مطلع 2014. وهذا يعود أولا إلى أنها أول مدينة عراقية تسقط في يد التنظيم، وبعد الاستحواذ عليها أعلن التنظيم دولة الخلافة على المناطق التى يسيطر عليها في العراق وسوريا؛ ويعود ثانيًا إلى كونها ثاني أكبر مدن العراق، وآخر المدن الرئيسية التي ما زالت تحت سيطرة التنظيم المتشدد إلى جانب الموصل.
وبتطهير المدينة الواقعة على بعد 50 كليو مترا غربي العاصمة العراقية بغداد، تأمل الحكومة العراقية في انخفاض الهجمات المتتالية على العاصمة التي اتخذت من الفلوجة قاعدة للإطلاق خلال الأشهر الماضية.
فمنذ الغزو الأمريكي البريطاني للعراق في مارس/ آذار 2003، اشتهرت الفلوجة بتمركز الجماعات المسلحة السنية التي اكتسبت خبرة عسكرية في مواجهتها للقوات الأمريكية والبريطانية، ومن بعدها الحكومات المتتالية التي قادتها الأغلبية الشيعية. لهذا يرى متابعون من سنة العراق إن قوات الحشد الشعبي التي يتردد أنها مدعومة من إيران، تشارك في عملية تطهير الفلوجة من تنظيم الدولة الإسلامية، انتقامًا من "سنة" المدينة.
فحسب تصريحات ضابط في الجيش العراقي لجريدة القدس اللندنية، فإن الولايات المتحدة قد شاركت على مضض في العملية العسكرية الحالية، لأنها تخشي من تفاعل أهالي الفلوجة ومحيطها مع مقاتلي تنظيم الدولة، لشعورهم "بالاستفزاز" من وجود قوات شيعية. وربما تعود قلة حماس الولايات المتحدة إلى الذكرى التي تحملها قيادات البنتاجون لمعركة الفلوجة الأولى في عام 2004، حين هب أهالي المدينة ومحيطها مع المسلحين، ورفعوا السلاح بوجه القوات الأمريكية، واستعصت المدينة على القوات الأمريكية البريطانية المشتركة.
من يقاتل تنظيم الدولة؟
في كلمة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التى نقلها التلفزيون العراقي الإثنين الماضي؛ أعُلن عن تكليف الفريق عبدالوهاب الساعدي بقيادة عملية التحرير الفلوجة. ويبلغ التعداد العسكري للعملية نحو 22 ألف مقاتل من الجيش والشرطة ومسلحي العشائر، بالإضافة إلى مقاتلي ميليشيات الحشد الشعبي. وتهدف العملية إلى قتال وطرد نحو 700 من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية.
ومع اقتراب بدء المرحلة الثالثة من العملية العسكرية، وهي اقتحام مدينة الفلوجة، أعلن جهاز مكافحة الإرهاب التابع للقوات العراقية، السبت، عن انضمام قواته إلى العمليات. وهي القوات التي وصفها الناطق باسم الجهاز صباح النعمان بأنها: "قد تكون أكبر قوة" شاركت في العمليات العسكرية ضد التنظيم منذ عامين.
المدنيون على خط النار من الممرات الآمنة
من أكبر المخاوف التى تصاعدت مع بدء الإعلان عن العملية العسكرية، هو احتمال أن تطال "النيران الصديقة" أرواح نحو 50 ألف مدني يعيشون بالمدينة، حيث لا توجد فواصل جغرافيه بين تجمعاتهم السكنية، وأماكن تواجد مسلحي التنظيم. فدعت منظمة الأمم المتحدة، الثلاثاء الماضي، إلى توفير ممرات آمنة للسماح للمدنيين من سكان مدينة الفلوجة بالنزوح. وبدوره، ألقى الجيش العراقي، آلاف المنشورات، داعيا سكان المدينة للمغادرة عبر ممرات آمنة، منبهًا من لا يستطيع المغادرة لتجنب المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، ووضع رقع قماشية بيضاء على أسطح منازلهم.
وحسب آخر بيانات معلنة من جانب قيادة عمليات بغداد، تم إجلاء 507 عائلات عبر ممرات آمنة بدعم من الفرقة السادسة وفرقة المشاة (14) بالجيش العراقي.
وحذر المجلس النرويجي للاجئين من أن الممرات الآمنة، يصعب لجوء المدنيين إليها في ظل العمليات العسكرية وحصار تنظيم الدولة للمدينة. مشيرًا إلى أن الأسر التى تمكنت من الفرار، اختبئت في أنابيب الصرف الصحي. كما نقل مراسل رويترز عن أحد المدنيين "لا أحد يستطيع الخروج، القناصة منتشرون على منافذ المغادرة".
من جانبه، حذر الخبير العسكري العراقي أحمد الشريف في تصريحاته لـموقع سكاي نيوز عربية من قيام تنظيم الدولة الإسلامية باتخاذ المدنيين كدروع بشرية ورهائن "الأمر الذي يوجب على القوات الأمنية ضبط استخدام النيران حتي لا يسقط ضحايا من المدنيين".
مكاسب الجيش العراقي وخسائر التنظيم
من أول مكاسب الجيش العراقي، وخسائر التنظيم، استعادة السيطرة على بلدة الكرمة، التي تعد خط الدفاع الأول للتنظيم، الواقعة على 16 كيلومترا شمال شرق مدينة الفلوجة. وهو ما أوضحه وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي خلال جولة تفقدية قام بها السبت، للوقوف على تقدم معارك عملية "تحرير الفلوجة". وحسب البيان الصادر عن الوزارة، فإن العبيدي أشاد بما وصفه بـ"التقدم الكبير لقوات الجيش العراقي من تشكيلات قيادة فرقة المشاة الثامنة التي استطاعت أن تحرر أراضي واسعة باتجاه مركز مدينة الفلوجة".
ولكن حسب مراسل بي بي سي في الكرمة فإن "البلدة صارت حاليا بلدة أشباح، إذ لا يوجد فيها أثر لمدني واحد، كما أن هناك العديد من المتاجر المحطمة والمحروقة، فيما لحقت أضرار بالغة بعدد من المباني الأكبر حجما".
ومع بدء الإعلان عن المرحلة الثانية من العملية العسكرية، يوم الخميس الماضي، قال متحدث باسم قوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية ستيف وارن، إن طيران التحالف استهدف 30 موقعًا داخل الفلوجة، ونجم عن تلك الهجمات مقتل ماهر البيلاوي القيادي البارز بالتنظيم في الفلوجة، مع عشرات المسلحين. وهو ما رد عليه التنظيم بعد عدة أيام، بشن هجوم مضاد جنوب المدينة، لكن القوات صدته بمساعدة طائرات مروحية مقاتلة.
ومن الكرمة تقدمت القوات التابعة لقيادت عمليات بغداد نحو محيط مدينة الفلوجة، وتمكنت القوات أمس السبت، من قتل 110 مسلحين وتدمير 18 سيارة، سبعة منها مزودة برشاشات أحادية، وتطهير طريق وقنطرتين من العبوات الناسفة. وفي المقابل، شن التنظيم هجوما انتحاريا في منطقة في شمال الفلوجة، السبت، بسيارة مفخخة أسفر عن مقتل وإصابة عدد من أفراد القوات العراقية.
إيران تقاتل ضد تنظيم الدولة
يوازى القلق من أوضاع المدنيين، المخاوف من اندلاع أعمال عنف على أساس طائفي في الفلوجة، حيث يرجح سياسيون سنة أن تنتقم قوات الحشد الشعبي الشيعية المشاركة في العملية العسكرية من أهالى المدينة على خلفية الاتهامات الموجهة لبعض أبنائها بتأييد التنظيم واحتضانه. وهي القوات التى يرفض سكان الفلوجة مشاركتها في المعارك ، لاعتقادهم بتورطهم في ممارسات إجرامية طائفية بحق السنة في العراق.
وبناء عليه، وجّه المرجع الديني الشيعي آية الله السيستاني الجنود ومقاتلي الحشد الشعبي المشاركين في عملية الفلوجة، للالتزام بما سماه "آداب الجهاد"، والحفاظ على حياة المدنيين وممتلكات السكان. ومن جانبهم قال المسؤولون العراقيون أن قوات الحشد لن تدخل المدينة، تحسبا لأية عمليات انتقامية.
وجلب الإعلان عن وجو قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في غرقة عمليات ميليشيات الحشد الشعبي في غرفة عمليات الحشد الشيعي انتقادات ثلاث نواب في البرلمان عن محافظة الأنبار، صرحوا لرويترز: "يمكن أن تذكي [تلك الزيارة] التوتر الطائفي وتلقي بظلال من الشك على تأكيدات بغداد بأن الهجوم هو عملية يقودها العراق لهزيمة الدولة الإسلامية وليس لتصفية حسابات مع السنة".
بدوره، أوضح الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابري أنصاري، أن تواجد سليماني في العراق تم بناء على طلب من الحكومة العراقية لمكافحة الإرهاب والمتطرفين الذين يزعزعون أمن العراق والمنطقة على حد تعبيره.