على مدار الساعات القليلة الماضية، حظيت 30 دقيقة، هي مدة لقاء جمع أعلى ممثلين عن الديانة الإسلامية والمسيحية في المقر البابوي في روما، باهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية، إذ أنهى عناق شيخ الأزهر أحمد الطيب لبابا الفاتيكان فرنسيس قطيعة دامت نحو 5 سنوات بين المؤسسة السنية ونظيرتها الكاثوليكية، وذلك في عهد البابا السابق بنديكت السادس عشر. كما ألقت الزيارة حجرًا في مياه حوار الأديان الراكدة، فاتفق الجانبان على عقد مؤتمر عالمى للسلام، لنبذ العنف والإرهاب.
فسلطت أضواء الإعلام بما فيها الموقع الرسمي لإذاعة الفاتيكان على الود الذي جمع المضيف والضيف في القصر الرسولي بالفاتيكان، حيث أهدى البابا الإمام الأكبر ميدالية شجرة زيتون السلام ونسخة من رسالته العامة "كن مسبحا". كما تناول الجانبان مسألة الالتزام المشترك لمسؤولي ومؤمني الديانات الكبرى لصالح السلام في العالم ونبذ العنف والإرهاب فضلًا عن أوضاع المسيحيين في إطار الصراعات والتوترات في الشرق الأوسط ومسألة حمايتهم.
الزيارة لا تصل فقط حبال الود المقطوعة بين الجانبين، ولكنها أيضا هي الأول من نوعها من جانب شيخ الأزهر إلى مقر الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، في المقابل كان البابا الراحل يوحنا بولس الثاني زار شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي في القاهرة في 27 شباط/فبراير عام 2000.
يذكر أن مسألة حماية المسيحيين كانت السبب في إنهاء العلاقة المتوترة بين الأزهر والفاتيكان في عهد البابا السابق. فكانت نُسبت تصريحات لبنديكت السادس عشر عام 2011، يطالب فيها بتدخل الغرب لحماية المسيحيين الموجودين بالدول العربية الإسلامية، خاصة مصر، بعد حادث كنيسة القديسين. وهو ما اعتبره الأزهر تدخلًا في الشأن المصري.
ولكن بداية التوتر في العلاقات، كما ذكر عبد المنعم فؤاد عميد كلية العلوم الإسلامية لبوابة الأهرام الرسمية، تعود إلى عام 2006 بعد تولي بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان السابق، حين استشهد في أحد خطاباته بإحدي الجامعات الألمانية بقول أحد الفلاسفة الذي ربط بين الإسلام والعنف، ما أثار استياء الأزهر وجمد على أثرها الحوار، ليعود على مضض مرة أخرى عام 2008، لكن سرعان ما انقطعت العلاقات مرة أخرى عام 2011.
الحساب الرسمي باللغة العربية لبابا الفاتيكان
وكان بنديكت الذى يعد أول ألماني يُنتخب لمنصب البابا منذ القرن الحادي عشر الميلادي عام 2005، استقال من منصبه في واقعه هي الأولى من نوعها، في مطلع عام 2013، في أعقاب تسريبات صحفية عن صراع كنسي. ليخلفه فرانسيس بعدها في مارس/آذار 2013.
جاء على أجندة زيارة الطيب إلى الفاتيكان استنئاف حوار بين الأديان، كانت انقطعت وصاله خلال الخمس سنوات الماضية. فاللقاء نفسه كما وصفه مدير دار الصحافة الفاتيكانية: "يندرج في إطار الحوار بين الكنيسة الكاثوليكية والإسلام". مشيرًا إلى أن الوفد الزائر وبعد اجتماعه إلى البابا فرنسيس عقد لقاء مع رئيس المجلس البابوي للحوار ما بين الأديان الكاردينال توران وأمين سر المجلس المطران كيكسوت قبل أن يغادر شيخ الأزهر القصر الرسولي بعد الساعة الواحدة ظهرًا.
وكانت من ضمن تصريحات الطيب عن اللقاء الأول مع بابا الفاتيكان: "نحن في حاجة إلى مواقف مشتركة يدًا بيد من أجل إسعاد البشرية، لأن الأديان السماوية لم تنزل إلا لإسعاد الناس لا إشقائهم"، مشيرًا إلى أن الأزهر يعمل بكافة هيئاته على نشر وسطية الإسلام ويبذل جهودًا حثيثة من خلال علمائه المنتشرين فى كل العالم من أجل إشاعة السلام وترسيخ السلام والحوار ومواجهة الفكر المتطرف، ولدينا مع مجلس حكماء المسلمين قوافل سلام تجوب العالم.
بدوره قال بابا الفاتيكان، كما نقلت بوابة الأهرام الرسمية، إن الهدف من اللقاء هو إبلاغ الجميع برسالة مشتركة عنوانها السلام والتسامح والحوار الهادف، وأن على الأزهر والفاتيكان عبئًا كبيرًا فى إسعاد البشرية ومحاربة الفقر والجهل والمرض. وأشاد بدور الأزهر الشريف فى نشر ثقافة السلام والتعايش المشترك وجهوده فى مواجهة الفكر المنحرف.
رحب الخبراء في مجال حوار الأديان بمخرجات اللقاء. فقال علي سلمان رئيس الاتحاد الدولي لحوار الثقافات والأديان إن زيارة شيخ الأزهر إلى الفاتيكان تاريخية ولم تكن مجاملة لأحد، مشيرًا إلى أن هذا الأمر واقع مادي على الأرض لأنها المرة الأولى التي تزور فيها قيادة إسلامية عالية المستوى الفاتيكان. وهو ما اتفق معه المنسق العام للتيار العلماني المسيحي، كمال زاخر ، قائلًا: "إن زيارة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إلى الفاتيكان تعد تاريخية بكل المقاييس، مشيرًا إلى أن الحوار بين المؤسستين الباب الوحيد للوصول إلى التفاهم والسلام".
ولكن في الوقت نفسه نبه زاخر إلى ضرورة وضع آليات واستراتيجية محددة لإنجاح المؤتمر الدولي للسلام، حتى لايصبح لقاءً بروتوكوليًا واحتفاليًا فقط.
ومن الفاتيكان توجه الطيب صباح اليوم إلى باريس ليلقي خطابًا في افتتاح فعاليات الملتقى الثاني لحكماء الشرق والغرب، قائلًا إن عالمية الإسلام تنظر إلى العالم كله على أنه مجتمع واحد تتوزع فيه مسؤولية الأمن والسلام على الجميع. وقبلها بشهرين، تحديدًا في 15 مارس/آذار الماضي، زار ألمانيا مُجتمعًا بعدد من رجال الدين المسيحي في إطار تجديد الخطاب الديني، والحوار بين الأديان.