جزيرتا تيران وصنافير.. لو كان فرانك أندروود في "الاتحادية" ثقافة_ أحمد بلال منشور الثلاثاء 12 أبريل 2016 سياسي طموح وماكر ومتآمر، يسعى للوصول إلى رأس السلطة والبقاء فيها، حتى لو جر العالم إلى حرب عالمية ثالثة لتحقيق مصالحه، بهذه الصفات يمكن تلخيص شخصية فرانك آندروود، وهو الشخصية الخيالية التي قدمها الممثل الأمريكي كيفن سبيسي في المسلسل الأمريكي House of Cards. بعد تواتر أنباء تنازل الدولة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير، كنت بصدد البحث عن مواقف تاريخية مشابهة، لكني تخيلت فرانك أندروود على رأس الدولة المصرية، وتساءلت هل كان سيقوم بهذا التنازل لو كان مكان الرئيس عبد الفتاح السيسي؟ في الواقع إجابة هذا السؤال بسيطة ولكن أولا يجب وضع بعض النقاط للتوضيح. كيفين سبيسي في دور فرانك أندروودلم يحكم أندروود وحده في المسلسل، لم يكن ديكتاتورًا كلاسيكيًا، لم يكن قراره قرارًا فرديًا بأي شكل من الأشكال، لكن كان لديه فريق يستطيع الاعتماد عليه في عملية اتخاذ القرارات، والأهم من ذلك هو تأثير هذه القرارات على الناخب الأمريكي، الذي يضمن صوته بقاء أندروود في البيت الأبيض. بالطبع الوضع معقد في الحالة المصرية، فالناخب هنا غير مؤثر، لكن مع ذلك لا يستطيع الرئيس في مصر أن يحكم بدون ظهير شعبي، هذا الظهير الشعبي نفسه هو الذي فتح أمام السيسي مجالًا لإزاحة من قبله، لإنقاذ الدولة والحفاظ على أراضيه. بالتالي لو كان أندروود في قصر الاتحادية بدلًا من البيت الأبيض، كان سيحسبها ألف مرة قبل أن يتخذ قرارات تقلب عليه هذا الظهير الشعبي، فهو يعلم جيدًا أن المشهد السياسي المضطرب، والحالة الثورية التي تعيشها البلاد -وإن كانت في أضعف مراحلها - بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية، تجعل من الحفاظ على السلطة أصعب من الوصول إليها. يعلم أندروود جيدًا أنه بحاجة إلى أموال النفط، للخروج من الأزمة الاقتصادية، ولإدارة البلاد، لكنه يعلم أيضًا أن سيل هذه الأموال يمكنه التوقف في أي لحظة تغضب فيها السعودية عليه، بل والأكثر من ذلك يعلم أنه لا يستطيع مجاراة السعودية في كل شيء تطلبه، بالتالى فإن هذه الأموال مرتبطة بطاعته العمياء وولاءه التام للرياض، بغض النظر عن تقلبات المشهد الإقليمي المضطرب. والأهم من ذلك أن هذا القرار مخالف تمامًا للدستور الذي وضعه. كل هذه الأسباب تجعله يرفض الصفقة كرئيس يحاول الحفاظ على التأييد الشعبي له، خاصة في أول فترة رئاسية له، لكن في المقابل لو كان أندروود مستشارًا طامحًا للسلطة، كان سينصح الرئيس بالتنازل، ويقدم له كل المبررات التي تدعم اتخاذ هذا القرار، ليتركه مثل الشجرة تضربها الرياح، فهو يطمح للجلوس على هذا الكرسي، وإزاحة هذا الرئيس، وتوريط رأس السلطة في اتخاذ هذا القرار ليعجل إزاحته من على كرسي الحكم. لكن ماذا لو تخيلنا أندروود يقبل الصفقة ويتنازل؟ هل كانت ستدار بشكل مختلف؟ بالنسبة لفرانك السياسة ليست مجرد أداء مسرحي دراماتيكي أمام الجمهور، بل هي أكثر من ذلك، إنها Show Business، ولذلك كانت سيدير هذه العملية بكل ما أوتي من قوة وأفكار لتمرير هذه الصفقة للرأي العام بشكل مقبول، وبالتدريج، وكلمة السر في هذه العملية ستكون وسائل الإعلام التي سيمرر لها معلومات بشكل تدريجي عن المباحثات بين الجانب المصري والسعودي، مع التركيز على المنافع الاقتصادية التي ستعود على الجمهور، بالإضافة إلى افتعال مشاكل سياسية لها علاقة بهاتين الجزيزتين تجعل من هذه الصفقة رابحة في نظر الرأي العام حتى إن كانت غير كذلك، الأمر سيكون سهلًا بالنسبة إليه لأنه لا يفكر وحيدًا، وكل شيء مخطط له. على الأقل كان سيجعل مجلس النواب يناقش هذه الصفقة في أكثر من جلسة بدلا من التصفيق، كان سيمنطق الوضع بالشكل الذي يجعل هذا الحدث مهضوما للرأي العام. خارج هذا السياق، السياسة لعبة صعبة، ومغرية جدًا لأولئك المقربين من دوائر السلطة، يتخيلون بشكل ما أنهم يستطيعون اللعب بكفاءة عالية، لكن عندما تكون الكرة بين أقدامهم يتعثرون، يكتشفون أنهم بدون إمكانيات حقيقية تمكنهم من اللعب، لتبدأ مرحلة الارتجال والتجربة وهذا بالظبط ما يحدث، لا يوجد داخل دوائر السلطة في مصر، من مارس السياسة من قبل بشكل محترف، يوجد فقط موظفون كانوا بالقرب من دوائر العملية السياسية، لكن لم يتعلم أحد منهم سحب المجداف. قد يكون فرانك أندروود شخصية خيالية، لكنه نموذج للديكتاتورية الحديثة، السياسي الذي يعرف أن البقاء مرهون برضا الجمهور والرأي العام، بل ويعلم أن مصالحه يجب أن تكون موازية لمصالح الجمهور بشكل أو بآخر، وإن كان لابد من أن تسير هذه البلد بنظام ديكتاتوري فعلى الأقل فإن هذا الشعب يستحق نسخة مطورة، تستطيع أن تحقق الحد الأدنى من رعاية مصالحه.