جورج طرابيشي رحيل جورج طرابيشي.. نهاية مغامرة فكرية ثقافة_ أمير زكي منشور الخميس 17 مارس 2016 توفى الكاتب والمترجم السوري جورج طرابيشي، عن عمر السابعة والسبعين، منهيًا حياة حافلة، امتلأت بالإسهامات المتتالية في الفكر العربي، ومنهيًا أيضًا رحلاته الطويلة التي تنقل فيها بين الأفكار والأيدولوجيات والمهن والبلدان. وُلد طرابيشي في حلب عام 1939، لأسرة مسيحية سورية، درس اللغة العربية في جامعة حلب وحصل منها على الليسانس ثم حصل على الماجستير في التربية. كان من ضمن الانتقالات المهنية لطرابيشي توليه إدارة إذاعة دمشق في النصف الأول من الستينيات من القرن العشرين، ورئاسته لتحرير مجلة دراسات عربية ثم عمله كمحرر في مجلة الوحدة. إلى جانب ذلك انتقل طرابيشي من العيش في سوريا إلى العيش في لبنان ثم تركها أثناء الحرب الأهلية ليقضي بقية حياته في فرنسا. وتتضاءل قيمة التنقلات المهنية والتنقلات بين البلدان أمام التنقلات الفكرية التي مر بها طرابيشي. فالمفكر السوري الذي قضى طفولة متدينة كمسيحي تحول إلى القومية البعثية في فترة شبابه، ليترك ذلك ويتفرغ أكثر بأمور الفكر. يذكر طرابيشي في مقاله الأخير "ست محطات في حياتي" كيف غيرت الكثير من المواقف الشخصية التي تعرض لها من حياته الفكرية، وكيف عرف أن البنية الداخلية للعقل هي الأساس ومن دونها لن تتغير البنية السطحية السياسية أو الأيدولوجية في العالم العربي. كمترجم قدّم طرابيشي للعربية العديد من أعمال عالم النفس النمساوي سجموند فرويد، ليساعد ذلك على حصول القاريء العربي على معرفة عميقة بأحد من شكّلوا الفكر الغربي في النصف الأول من القرن العشرين. وفي مقاله السابق ذكره يتحدث طرابيشي بلهجة اعتذارية عن كونه ترجم فرويد عن الفرنسية، وليس الألمانية، اللغة الأصلية للكاتب، ولكنه يبرر ذلك بطبيعة ثقافتنا التي تسيطر عليها اللغتان الإنجليزية والفرنسية، وإن لجوءه للغة وسيطة كان الحل الأفضل لأنه بدونها لما عرف القراء العرب فرويد أو التحليل النفسي إلا بعد ذلك بفترة طويلة. ولم يكتف طرابيشي بترجمة أصول مدرسة التحليل النفسي لدى فرويد، بل استخدم المدرسة لقراءة العديد من الأعمال الأدبية العربية مثل أعمال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ونوال السعداوي. وكذلك طبقها في مجالات الفكر العربي كما هو الحال في دراسته التحليلية النفسية عن أعمال المفكر المصري حسن حنفي. وكمترجم أيضًا لم يغفل القيام بترجمات لأعمال أدبية لألبير كامو ونيكوس كازانتزاكيس وهنري باربوس. قضى طرابيشي سنوات عديدة في نقد أفكار المفكر المغربي محمد عابد الجابري، وقدّر تلك الفترة بربع قرن، وكان كتب في مقدمة كتابه "نظرية العقل" الذي ينتقد فيه أفكار الجابري: "استغرق مني الإعداد لهذا العمل ثماني سنوات. فقد كان عليّ أن أقرأ لا كل ما كتبه الجابري، ولا كل ما قرأه أو صرح أنه قرأه فحسب، بل كذلك ما لم يصرح أنه قرأه وما كان يفترض به أنه قرأه". وهذه القراءات تضمنت التراث العربي والتراث اليوناني والفلسفة الأوروبية الحديثة. في السنوات الأخيرة من حياته وبعد أسابيع من انطلاق ثورات الربيع العربي عبّر طرابيشي عن فرحه بما حدث ولكنه عبّر أيضا عن قلقه من مسار الثورات، معترفًا بأنه "ابن الخيبة بالثورة الإيرانية الآفلة أكثر مني ابن الأمل بالثورات المشرقة". طرابيشي الذي عدّد مظاهر فشله في مقال من مقالاته الأخيرة، اعتبر هزيمة العرب عام 1967 أحد مظاهر هذا الفشل، خاصة أنها تعبّر عن فشل جيل بأكمله، وأضاف أنه كان يأمل في أن يشهد نهاية لهذا الفشل، وعن تشككه في أنه يكون له نهاية.