إحنا كنّا بنسمع مزيكا، ما كنّاش بنعبد الشيطان، ما كانش فيه أي مساحة لحاجة عقائدية، يعني لعبنا ويجا وشفنا أفلام رعب وحاولنا نحضّر أرواح وزرنا قصر البارون، وفيه لبسوا صلبان مقلوبة، بس كنّا بنصلّي الجمعة عادي.
الشهادة تفريغ لحوار أجراه باسم حافظ وفريق المنصة مع "هشام"*، أحد المقبوض عليهم في قضية عبدة الشيطان.
*تم تغيير اسم صاحب الشهادة الأصلي إلى "هشام" حفاظا على خصوصيته ووفقا لرغبته.
مزيكا الميتال كانت حاجة فيها سحر، يا تخبطك في قلبك يا ما تخبطكش، زي ما قال إيان هيل Ian Hill عازف البيز جيتار Bass Guitar في فريق جوداس بريست Judas Priest، حاجة مالهاش مقياس. فيه كمان الأخوّة اللي بتحسها مع اللي بيحبوا معاك المزيكا دي، فكرة إنك عايز تشتغل ببلاش لمساعدة واحد صاحبك نازل حفلة ومحتاج جيتار احتياطي سلف ولّا عايز حد يطبعله تذاكر، ولا تبقى نازل سوبر ماركت وشباب يشمّوا إنك ميتالهيد فيغنّوا رايزينج فورس Rising Force لـ مالمستين Malmsteen عشان تغمزلهم، أو حد يجيب لك ألبوم من برّه تقوم تلف على صحابك عشان يسمعوه معاك. دي حاجات محدش من برّاكم هايفهمها.
إحنا كنا شباب صغير في أوائل التسعينيات، مليانين طاقة ونشاط وشغف، وكمان رافضين الحتة اللي مجتمعنا وأهلنا واقفين فيها. الناس كان عندها أزمة هوية، حاجة كدا زي دولة بتدّعي الرأسمالية ولسه عندها المدّعى العام الاشتراكي.
عشان كدا خلقنا عالم خاص بينا، بقينا نخرج في أماكننا، وبنسمع مزّيكتنا اللي بنتعامل معاها بشغف، وبنلبس لبسنا. كنّا بنساعد بعض اللي لسه تايه يلاقي نفسه.
كان كل يوم مشهد الميتال بيكبر، وكل كام أسبوع كانت بتتعمل حفلة صغيرة في أماكن صغيرة، أماكن ما تساعش أكتر من 150 لـ 200 واحد.
أول مهرجان كبير كان مونسترز أوف روك Monsters of Rock في استاد التنس سنة 1993، كان فيه حوالي 5000 واحد، وعلى سنة 1996 حضر مهرجان الروك إن Rock Inn أكتر من عشرين ألف.
الذوق الموسيقي كمان توسع بسرعة في الفترة دي، بدأ بمينستريم روك Mainstream Rock وبعدين قلب على ديث ودوم ميتال Death and Doom Metal على النص التاني من التسعينيات.
في كذا حاجة بتشرح التطور دا، أولا المشهد بدأ نخبوي، كان فيه عنصر طبقي في الموضوع. المزيكا دي كانت هواية مكلفة.. ماكانش فيه إنترنت، فأنت كنت بتشتري الألبومات من برّه. وعشان تشتري جيتار أو أمبلفاير او بيز أو درامز كانت شغلانة مكلفة. والصرف على التعليم معناه فلوس تاني. تبدأ الأمور بأنك سمّيع وبيتحول الأمر إنك تحلم إنك نجم، خصوصا إن المنافسة منعدمة، اللي قادر يصرف هو اللي كان عنده فرصة يتلم على اللي زيه ويحلموا سوا.
مع الوقت بدأ الذوق يفتح، وطبقة تانية تحب المزيكا دي، والناس بدأت تستطعم الإنداستريال industrial وبوادر الـ death، خصوصا مع ألبوم Chaos AD لسيبالتورا Sepultura، اللي فيه أغنية Refuse/Resist اللي اتكلمت عن الثورة.
على فكرة لما الحتة الطبقية اتفتحت كان فيه تخوف من الفتحة اللي احنا مش قدها. مثلا مرة جالي مكالمة من منظمين حفلات مسميين نفسهم Doom Club بيعرضوا عليّا ألعب مع فريق من حلوان، اعتذرت عشان بصراحة أنا ما كانتش أعرف فين حلوان دي، يعني مثلا أنا أخاف آخد صاحبتي معايا حفلة من حفلاتهم. دا يوضّح الخطوط الطبقية اللي انقسم حواليها مشهد الميتال، رغم إن لما النظام فشخنا ما فكّرش في الخطوط الطبقية دي.
إحنا كنا لسه في ثانوي، وكنا بنحاول نتحرر من القوالب الاجتماعية المحافظة اللي المجتمع خلقها، والأهل فرضوها. يعني مثلا فكرة إن الواحد يطوّل شعره ويلبس لبس مختلف على ذوقه بعيدا عن توقعات المجتمع كانت حاجة مختلفة وجديدة. الأهل اللي حضروا قوالب الدولة الاقتصادية الاشتراكية وهي بتتكسر مع انفتاح السبعينيات كانوا بيعيشوا في أنماط استهلاكية مش مصحوبة بثقافة وجودية تخليهم يتخلوا عن رضوخهم للدولة اللي ما طوّرتش ثقافتها.
هما كان عندهم إحساس بالدين للدولة اللي وصلتهم للي هما فيه. اللي عمل منهم قرشين في الخليج رماهم في البنك وهو متطمن إنهم مش هيضيعوا لو البنك فلّس، وكمان بياخد عليهم 12 في المية فوايد. ولما راح ناس منهم وادّوا فلوسهم للريان وشركات توظيف الأموال لقوا فلوسهم بتروح أول ما بعدوا عن الدولة. وبالتالي شكرا للدولة اللي طول عمرها ستر وغطا علينا.
دا يمكن يفسّر انحيازاتهم في يناير 2011 ويونيو 2013. أنا لحد دلوقتي مش مسامح أمي لأني بعد ما خرجت من السجن قالت لي: "الظلم درجات، وربنا مش بيسامح فيه، وإنتم ظلمتم نفسكم كتير".
ليلة القبض على الميتالهيد
أبويا صحّاني من النوم الساعة أربعة ونص الصبح وسألني: "هشام.. إنت بتعمل حاجة غلط؟".
قلت له لأ يا بابا وكمّلت نوم، فرجع يقول لي "أمال الناس اللي بره دول عايزينك في إيه؟"
أنا ما كنتش مجّمع إن الموضوع بالحجم دا، قبلها بكام شهر عبد الله كمال حَبّ يعمل فرقعة في روز اليوسف وقلت "إيه القلش دا"، بس الموضوع كِبِر.
لقيت ناس داخلة أوضتي وبيقولولي: "إزيك يا هشام، إحنا جايين نتفرج على شرايطك".
وبدأ أربع خمس ظبّاط (واحد منهم معلّق سلاح) يدعبسوا في حاجتي وهدومي وكتبي ومزيكتي!
ساعتها سألتهم هو كل دا علشان إيه؟ راح واحد منهم رد: "علشان تحقيق أو موضوع عبدة الشيطان.. إنت ما بتقراش روز اليوسف؟" وبعدين ظابط تاني جابله ألبوم طوابع بريد من بتوعي وبدأوا يبصوا في ضهر الطوابع.
أنا على طول فهمت إنهم بيدوروا على LSD، وواحد تاني كان ماسك كتاب عن حرب الجواسيس بين أمريكا والسوفييت في الحرب الباردة. ساعتها أبويا ظهر في الصورة وقال له: "دي كتبي أنا، وهشام بيستلفها من وقت للتاني". راح الظابط مرجّعها.
ساعتها كانوا خلصوا دعبسة وخدوا كام حاجة وقالولي: "إلبس بقى علشان هتيجي معانا ناخد منك كلمتين". قلت لهم: "طيب اتفضلوا في الأنتريه مع بابا عقبال ما ألبس وأحصلّكم". رد ظابط منهم: "لا إحنا هنستنى معاك هنا". قلت له: "آسف، ما بحبش أغيّر هدومي قدام أغراب". أعتقد إني كنت حازم بما فيه الكفاية إنهم يرضخوا ويسيبوني. بس وهمّا خارجين الظابط قال لي: "بس خلّي بالك.. المكان كله محاصر". ضحكت.
حصلت حاجة طريفة ساعتها، أنا كانت لابس جينز أزرق وتكساس بوتس وتيشيرت سودا تحت جاكت جلد، الظابط المؤدب طلب مني أغيّر التيشيرت السودا وقال لي: "بلاش إسود.. إنت مش ناقص مشاكل".
لما غيّرت ولبست تيشيرت بيضا، لقيت أبويا لسه بالروب، سألته: "إنت مش هتيجي ولا إيه؟" لقيته بيوصلنا للباب وبيقول لي: "لا، الصباح رباح.. هكمّل نوم وأجيلك الصبح!". دي كانت أول لحظة أحس بهزة إني ماليش ضهر أتسند عليه. كان لسه عندي 19 سنة، ورغم كدا كان فيه ناس أصغر مني اتقبض عليهم، من بينهم بنت عندها 13 سنة.
نزلت لقيت أربع بوكسات كحلي وعربيتين شرطة لونهم أبيض مش فاكر نوعهم، بس فاكر إن واحدة كانت 128 وكان جواها واحد صاحبي. بصراحة استغربت لإني لسة ماكنتش لامم حجم الموضوع. دخلوني البوكس من صندوقه، ودي كانت مغامرة ماكنتش أحلم بيها، رغم إني كنت مستغرب إشمعني صاحبي واخد كنبة لوحده في عربية وأنا شكلي زي المساجين هنا! المهم من بيتنا للمكان اللي نقلونا ليه وقفنا مرتين وجابوا إتنين كمان.. مش فاكر كانوا مين بصراحة.. بس خلال ساعة وصلنا للمكان.
عملوا لنا منصة تجميع وتحقيق مخصوص للقضية دي، في نقطة مرور جنب تيفولي هليوبوليس في السبع عمارات. هناك لقيت مولد، زحمة في الشارع وأهالي وقرايب ناس أعرفهم ندهوا عليا. "إنت هنا يا هشام؟"، "إنت اللي بتعمل هنا إيه يا أشرف؟"، "دول شدّوا الواد أندرو ابن خالتي"، "إنت بتتكلم جد ؟"، "آه والله، مع إنه ما بيسمعش غير عدوية".
الحفلة
هناك عملولنا حفلة الاستقبال اللي متعود عليها الحبسجية، أولا دخّلوني أوضة طالع منها دوشة، ولقيت كل الحبايب، كل الأصحاب وأعضاء الفرق والشباب اللي كنّا بنقابلهم في الحفلات، دا إداني إحساس بالألفة. وكل شوية الباب يفتح وحدّ من معارفنا أو حبايبنا يدخل ونضحك ونهزّر ومفيش حاجة على بالنا. كنّا بنشوف ظباط شغّالين على ورق وجنبهم أكياس زبالة مليانة، عرفنا طبعا إنها أحرازنا.
فضلنا ساعتين في الأوضة دي، كنا في قمة القلق، والساعة 9 الصبح كانت هتبدأ امتحانات نص السنة للشباب بتوع تجارة وهندسة. وكل شوية ظابط يدخل يقول لنا نوطّي صوتنا، ما كانش ينفع نوطي صوتنا وإحنا حاجة وتمانين واحد في أوضة، بدأت لهجة الظباط تتغير، الصوت يا رجالة، الصوت يا شباب، الصوت يا بني انت وهو، الصوت يا بن الكلب انت وهو.. وبعدين بدأت الحفلة.
فجأة الباب اتفتح وأول واحد مننا جنبه اتشدّ على بره وسمعنا صريخه. كلنا بصينا لبعض وفجأة الباب اتفتح تاني ودخل علينا الظباط وكتيبة أمن مركزي، كل واحد مننا عليه اتنين أو تلاتة بيضربوه، بوكسات وشلاليت وتلطيش وعصيان وأي حاجة ممكن يطولوها، طبعا مع شتايم وإهانات ما كنتش أحلم إنها ممكن تتقال لي في يوم من الأيام! كانت صدمة أخدت لها حوالي ساعة! وبعدين قلّعونا تيشيرتاتنا وغمّوا بيها عيونّا، ووقفونا في البرد وإيدينا مرفوعة، التذنيبة دي فضلت من عشرة الصبح لغاية تلاتة العصر.
كانوا بيعملوا فينا حروب نفسية، زي إن عسكري يمشي ورانا بكلب شرس وكل واحد فينا يبقى مرعوب إن الكلب يعضه، أو ظابط يقرّر يمارس ساديته في شد شعرك الطويل، أو يمارس شذوذه في إنه يقرص حلمات صدرك ويضربك على قفاك.
كنت فجأة تلاقي ظابط ييجي ويلطش عسكري على وشه ويزعق: "إزاي تعاملوا ولاد الناس كدا يا بهايم.. فين حقوق الإنسان.. نزِّل إيدك يابني إنت وهو واقعدوا.. إنتوا نسيتوا إنهم صايمين ولا إيه؟" طبعا بيجيلك أمل وتقول ياما أنت كريم يا رب.. وأكيد فهموا غلطهم وهايعتذروا، ويدخل ظابط تاني يلطش نفس العسكري ويهزقه: "مين ابن دين الكلب اللي قعّد ولاد الوسخة العَبَدة دول؟ قوم ياض انت وهو، ووشك للحيط وإيدك لفوق، وعلى الله أشوف حد بيرمش في يومكم اللي مش فايت دا". ويتكرر السيناريو.
وطبعا الناس دي كانت قارشة ملحتنا، كوننا في نظرهم عَبَدة شيطان وكدا، بصراحة عشان كدا قررت إني ألعب على الحتة دي، وفي أوقات الراحة المؤقتة اللي كنّا بنريّح فيها كنت بحاول أوصل للشباب إننا لو صلينا جماعة، حتى لو كدا وكدا، يمكن نلعب على الوتر الإنساني اللي عند العساكر على الأقل.. أضعف الإيمان هيستحرموا يكفّروا واحد كان لسه بيصلي جنبه ويسلّم عليه بعد الصلاة.
الضرب والإهانة قلّوا فعلا على بالليل، بس مش عارف دا علشان صلّينا وفطرنا سوا (إحنا كنا في رمضان)، ولا علشان الحفلة جابت نتيجتها وإحنا بقينا عارفين حدودنا الجديدة، ولا علشان المصري بطبعه ماعندوش قدرة على المواظبة على أي حاجة.
إحنا لما رحنا سجن المرج، عملولنا حفلة استقبال برضو، بس بعدها كنا بنهزّر عادي واتجرأنا وطلبنا نلعب كورة في الملعب بتاع السجن.
تلاجة سجن طره
بعد فطار أول يوم، اللي كان 22 يناير، كنا قاعدين على الأرض في ممر طويل وبننام على حِجر بعض، وفضلنا كدا لتاني يوم بالليل. ما كانش فيه اتصال بالعالم الخارجي، وعلى الساعة 11 بالليل لمّونا في طوابير ولبّسونا كلابشات لأول مرة.. وشحنونا في عربيات الترحيلات على النيابة اللي في ميدان المحكمة في مصر الجديدة.
دخلونا من الجراج على زنزانة كبيرة كلها سيراميك تحت المبنى وطلعونا واحد واحد على وكيل النيابة للتحقيق. أنا الوحيد اللي قابلت أبويا على باب مكتب وكيل النيابة، ما حَضنّيش بس قال لي إنه يعرف وكيل النيابة، وقال لي ما عليك إلا إنك تعمل عبيط وغلبان. بس وكيل النيابة ما كانش الحمل الوديع اللي أبويا صورهولي. خلصنا على خمسة الصبح وشحنونا مكان ما جابونا.
وكيل النيابة طسّني أسبوعين، خرّجوا حوالي 15 واحد مننا، بحجة ان معندهمش أحراز، وناس قالت واسطة، بس معتقدش، عشان كان لسه محبوس معانا ابن سفير وابن واحد كان بيطلع مع وفود مبارك الاقتصادية. هما كانوا بيحرّزوا أي حاجة ودا طبعا يدل على جهل الظبّاط، النيابة ما كانتش أفضل كتير، وإلا كانوا خرّجوني عشان أحرازي عبارة عن ألبومات فريق بينك فلويد وفريق سافاتاج Savatage.
ركّبونا عربية ترحيلات بعد نص الليل وطبعا جوز العساكر اللي على سلم العربية قلّبونا على وعد إنهم يوّصوا زمايلهم في طرة عننا.
ورحنا على سجن طرة، دخلنا على حفلة استقبال عنيفة، واتعجنّا لمدة ساعة، كان الأصعب إنك بتتعجن وانت متكلبش ودا بيصعّب عليك إنك تجري أو تستخبى تحت ناس بتقع أو بيجيلها إغماء من التعذيب.
استوينا واتربّينا ووقفّونا وفكّوا الكلابشات، وبدأوا يندهوا أسامينا واحد واحد.. واللي اسمه يتنده يجري بأسرع ما يمكنه على التلاجة.
التلاجة دي كانت عنبر كبير، ضلمة وعتمة وبرد، لسه فاكر ريحته لحد دلوقتي، وانت بتجري علشان تدخلها لازم تجري بين دستة عساكر واقفين صفّين، وفي طريقك يضربوك على قفاك، واللي يكسّل منهم يضربك شلّوت، وطبعا بتقعد جوّه لغاية ما مأمور السجن ييجي ويبدأ يتفرج على الدفعة الجديدة.
الزنزانة كان فيها حوالي 30 واحد، نايمين على الأرض، كان فيه جردل في الركن هو الحمّام، وبرميل ميّه طالع منه سرنجة بلاستيك فيها خرم (طول ما السرنجة مقفولة مفيش ميّة بتسرب، واللي عايز يشرب يفتح السرنجة فتنزل المية من الخرم، نفس التكنولوجيا كانت للإضاءة، لمبة في السقف والسلك اللي واصل لها آخره فيه سرنجة وجواها زمبلك، لما تقفل الدايرة تكمل واللمبة تنوّر)، الكل نام بعد العلقة، وأنا نمت معاهم.
الأكل كان عبارة عن صفيحتين جبنة مصديين، صفيحة جواها رز تنقّيه وانت بتاكل، وصفيحة جواها شوربة عدس، وصفيحة فيها مربى سودا، وعيش بلدي كتير فشخ. طبعا ما كلتش حاجة من دي.
في تالت ليلة سمعنا صريخ رجّالة وافتكرنا أنها حفلة لزباين جديدة أو حفلة تعذيب للإسلاميين المسجونين، بس فهمنا بعد كدا إن المساجين الإسلاميين ثاروا على إدارة السجن بعد ما عرفوا إن زمايلهم في السجن عَبَدة شيطان، وشكلهم كانوا عايزين يحافظوا على نقاء السجن بتاعهم. ورغم إن إدارة السجن قمعوهم إلا أنهم قرروا ليلتها ينقلونا على سجن تاني.
خرجنا من سجن طره بحفلة وخلال ساعتين كانت فيه حفلة استقبال تانية في سجن المرج، بس المكان هناك مختلف تماما، السجن وسط مزارع خضرا وفلاحين والمباني قليلة، وجُوّه السجن ترع ونخل وملاعب كورة، ودا كان مريح للأعصاب رغم غٌشم العساكر والشوايشة في البداية على الأقل. ما كانتش فكرتهم عننا إننا عبدة شيطان أد ما كانت مشاكلهم معانا طبقية، لابسين جِزَم غالية، دا غير إننا في نظرهم خولات، ودا استدعى كتير من الممارسات الشاذة من الشوايشة، زي اللعب في الأعضاء الذكرية.
لعبة "الطويل"
هناك علمونا نلعب "الطويل" ودي وسيلة تبادل الأشياء من زنزانة لجارتها. كنت مثلا تحط خيارة ولا موزة ولا علبة سجاير في كيس وتربطه بحبل طويل من ربطة الجِزَم اللي في زنزانتك، وتطلّعهم من "النضّارة" اللي هي العين السحرية اللي في باب زنزانتك، ودي كانت تسمح تطلع دراعك كله. جارك اللي عايز الحاجات دي كان يطلّع دراعه ويستنى تلف الكيس المربوط بحبل رباط الجزمة في شكل دائري لغاية ما يشبك في إيده الممدودة من "النضارة" ساعتها يسحب الكيس جوه زنزانته. بصراحة إحنا كنا بنلعب الطويل على الفاضي والمليان.. كنوع من التسلية بالليل.
قعدنا هناك 9 أيام، السجن جابلنا فيهم شيخ يقنعنا يعدم جدوي عبادة الشيطان.،وعودوا إلى بارئكم وكدا، وطبعا حاجة مافيهاش تُمن جرام مصداقية.. دة غير جمال الشاعر ومفيد فوزي اللي جم يسجلوا خلف الأسوار وعملوا مشهد كوميدي فضلنا نقلش عليه يومين.
القضية بدأت تنزل على فاشوش قانونيا، والوسايط اشتغلت، والهوجة هديت، والجو العام بدأ يهدا. قبل معاد العرض التاني على النيابة، أمن الدولة حاول يمد في عمر القضية.. بعتولنا جوه السجن فريق يحقق تاني ممكن يطلع بحاجة، طلبونا واحد واحد على انفراد وحاولوا يبلطجوا (تغمية عينين، كلبشة، ضرب، تهديد) يمكن يطلعوا بخيوط جديدة، بس ما كانش عندنا حاجة تتقال.
بعدها بيومين أخدوني أنا ومجموعة على النيابة تاني في مصر الجديدة، ولقيت أبويا باعتلي محامي، طلّعونا الدور الرابع، وده كان شكله دور الوسايط. المحامي قعد يتكلم على إني من عيلة متدينة وأبويا بيرفض الويسكي لما بيتعرض عليه كأس، إلخ.
وتاني يوم جالي خبر الإفراج، وعلى المغربية شحنوني مع كام واحد في عربية الترحيلات على لاظوغلي علشان أهلنا يستلمونا من هناك.
قصر البارون والصليب المقلوب
إحنا كنّا بنسمع مزيكا، ما كنّاش بنعبد الشيطان، ما كانش فيه أي مساحة لحاجة عقائدية، يعني لعبنا ويجا وشفنا أفلام رعب وحاولنا نحضّر أرواح وزرنا قصر البارون، وفيه لبسوا صلبان مقلوبة، بس كنّا بنصلّي الجمعة عادي.
بالمناسبة إحنا كنا بنروح قصر البارون عشان قريّب ودخوله سهل وشكله روِش والأساطير حواليه كتير، وبيحسسك بالمود الجوثيك gothic اللي أغاني كتير اشتغلت عليه، والقصر كان واسع فمهما الصوت علّي محدش بره هياخد باله.
بس مثلا كانت فيه حفلة في فيرساي بالاس في الزمالك وأثناء ما كان فيه فرقة بتلعب، حد من الجمهور جاب خشبتين كبار وعملهم على شكل صليب مقلوب، كان ترويش ومعظم الحضور استنكروا المشهد وما اتكررتش تاني.
كان فيه انبهار مراهق بتيمات الشر والدم والسحر الأسود نابع من المزّيكا دي. يعني الأغنية الأم بتاعة بلاك ساباث كانت بتتكلم عن كابوس حلم بيه عضو الفريق جيزر باتلر ظهر فيه الشيطان، فحوّله أوزي أوزبورن لأغنية. وكمان أيومي الجيتاريست اللي كان عنده عُقلتين من صوابعه طايرين أيام ما كان حداد، فرض عليه يلعب مزيكا كانت بتطلع نوتس notes اتقال عليه نوتات الشيطان Devils’ notes، وكمان جيمي بيدج بتاع فريق ليد زيبلين لما بقى غني اشتر قصر آلستر كراولي، اللي كان ساحر مشهور في الأربعينيات واتقال إنه باع روحه للشيطان. كل دي كانت قصص مبهرة لجيلي اللي كان نفسه يجرّب ويروَش.
بس ما كانش فيه حاجة برا المزيكا، تنظير مثلا أو ترويج كتب عقائدية بعينها، كتيره كنا بنتكلم عن مذكرات موسيقي انتحر ولا حاجة، أو ننظّر على إيجاد إجابات زي ليه توم أرايا كاثوليكي وبيكتب أغاني ضد المسيحية وتمجّد الشيطان.
أتمنى الناس تعرف الحقيقة، وتعرف إزاي البروباجاندا بتتصنع، وإزاي مش المفروض الناس تتعامل بحسن نية ويصدقوا الإعلام الأنتيكة بتاعنا علشان ناس كتير بتتفرم بسبب دعم جنان زي دا.