أول ما اتعرفت على موسيقى الروك كان عندى 14 سنة، في ليلة من ليالي صيف 1992 في بلكونة بيتنا عن طريق أخويا اللي أكبر منى.
أول حاجة سمعتها كانت ألبوم The Wall لبينك فلويد Pink Floyd. عالم سحري وفي نفس الوقت واقعي جدا. أكتر ما أثّر فيّ كانت الكلمات اللي حسيت إنها بتكلمني شخصيا؛ حياتي اتغيرت تماما من مراهق بيسمع إيهاب توفيق و مصطفى قمر وهما بيتكلموا عن الهجر والسهر، لواحد مهتم بالعدالة الاجتماعية و القضايا السياسية والبيئية و فاهم إلى حد كبير الموروث الثقافي الغربي.
الموضوع كان صعب جدا لأني ما كنتش بادرس في مدرسة لغات أصلا و لا كان فيه أي حد من أصحابي مهتم بالنوع ده من المزيكا، ولا كان فيه ساتالايت ولا إنترنت، ولا أي طريقة لمتابعة المزيكا دي غير لو حد من الأسرة أو الأصدقاء سافر أوروبا أو أمريكا، فكنت عادة بطلب منه شرايط كاسيت أو فيديو وفي مرحلة لاحقة نوتات موسيقية لما بدأت أتعلم أعزف على الجيتار.
في مصر كانت المصادر محدودة جدا، محل كاسيت في الزمالك، أو تسمع عن واحد صاحب واحد صاحبك جاب ألبوم من أوروبا فتروح وتسجّله من عنده. وفي الإعلام المصرى كان فيه أحيانا حاجات بتفلت من "العالم يغني" أو "بانوراما فرنسية" زي مثلا المرة اللي حمدية حمدي، مذيعة العالم يغني، جابت Nothing else matters وبعد كدا أبدِت قرفها من "الإزعاج الكهربائى" رغم إنها تعتبر أغنية هادية في عُرْف اللي بيسمعوا المزيكا دي.
اقرأ أيضًا: أسطورة عَبَدَة الشيطان: الميتال.. صخب عُمّال المصانع
تطور الأمر عندي لسماع أنواع كتيرة من أول كلاسيك روك classic rock لغاية دوم دث ميتال doom death metal، وانفتح قدامي عالم من أساطير و تاريخ وتجارب إنسانية، بداية من العصور الوسطى في أوروبا لغاية لما ديف موستين Dave Mustaine، عازف الجيتار في فريق ميجاديث Megadeth، كان بيمسح بكرامة جورج بوش الأب الأرض في وقت كان الإعلام الرسمى بتاع الدولة فى مصر بيمجّد فيه على أساس إنه بطل حرب تحرير الكويت.
عرفت تفاصيل مذبحة ارتكبها النظام في البرازيل ضد مسجونين عن طريق فريق "سيبولتورا" Sepultura في الوقت اللي كانت صورة البرازيل في دماغي هي فريق الكورة والمشجعات بتوعه.
حسّيت بتغيير كبير في طريقة تفكيري وتقييمي للأمور، فمثلا أول ما رحت الجامعة جالنا دكتور طَلَب من كل واحد إنه يقدم نفسه و يتكلم عن هوايته و طبعا أنا اتكلمت عن الروك و الميتال، بعد المحاضرة جَت أجمد بنت في الدفعة و سألتني إذا كنت بعرف ألعب أغنية لعمرو دياب، ما عرفتش أرد أقول إيه وسبتها ومشيت.
على قد ما المزيكا دي أسعدتني على المستوى الشخصي على قد ما هي بتحسسك إنك غريب تماما عن المجتمع فى مصر .
أنت بتسجد لمين؟!
في إجازة نص السنة سنة 97 تليفون البيت رن، قريبنا لواء الشرطة بيكلم أمي وبيقولّها إن فيه حملة بكرة على العيال اللي مربية شعرها و لابسة أسود فى أسود، وخلّي ابنك يلمّ نفسه ويرمي كل الشرائط اللي عنده والبوسترات واكسريله الجيتار، العيال دي اتضح إنها بتعبد الشيطان.
طبعا حلفت بأيمانات الله لأمي وأبويا إن ما فيش كلام من ده، خصوصا إني أصلًا إنسان ملتزم دينيا إلى حد كبير، وما شفتش تعارض بين النوع ده من المزيكا و فهمي الشخصى للدين.
يا جماعة ده أنتم بتشوفوني بصلّي قدامكم، الرد كان صادم، وإحنا إيش عرّفنا انت بتسجد لمين؟ اضطريت أخبّي الجيتار والشرائط والنوتات الموسيقية في بيت واحد صاحبي أبوه كان عضو مجلس شعب وعنده حصانة.
الصدمة كانت أكبر من استيعاب مراهق عنده 19 سنة، في نفس اليوم واحدة من أعز صديقاتى اتوفت في حادثة عربية بعد السحور في المقطم، تاني يوم كل حاجة اتغيرت في حياتي.
الجرائد زي ما شوّهت سمعة صديقتي اللي اتوفت ولمّحِت لإنها كانت بتقضي سهرة في المقطم مع شباب (خطيبها وأخو خطيبها)، بهدلت كل من كان بيسمع النوع دا من المزيكا.
اقرا أيضًا: أسطورة عَبَدَة الشيطان: إكويليبريوم 1997
الحملة المسعورة ابتداها صحفى ما حدش كان يسمع عنه اسمه عبد الله كمال في روز اليوسف، برئاسة تحرير عادل حمودة، لأسابيع وراء بعض أكاذيب وتشويه وخلط متعمد للأمور، وصلت أوقات لدرجة الضحك، كانت صور ألبومات سكوربيونز ومايكل جاكسون شخصيا كانت بتتحط كأمثلة لعبادة الشيطان.
انهالت أخبار القبض على أصدقاء و طرد من البيوت لأصدقاء تانيين واتهامات من العائلة والزمايل في الجامعة. انهارت الثقة في الإعلام والدولة وفي أي رمز من رموز الفكر أو السلطة في مصر بعد ما اكتشفنا مدى جهلهم واستعدادهم لسحق أي فكر مختلف بدون حتى ما يدرسوه أو يناقشوه.
انتهى الأمر طبعا بعد كام شهر بالإفراج عن كل اللي اتقبض عليهم لكن ما حدش اترد له اعتباره. ناس هاجرت من مصر بعد القضية دي مباشرة، وناس زي حالاتي.
فضلت شايل الموضوع في دماغي لحد ما هاجرت بعد 16 سنة من اليوم دا، ولسه مش قادر أنساه خصوصا بعد ما شفت أبطال القضية دي بيكبروا وما حدش حتى بيوجه لهم اللوم على اللي عملوه في الشباب في القضية دي.
أنا أفتخر إني من الجيل اللي عاصر وحاول ينشر الفكر المرتبط بالنوع دا من الموسيقى في مصر، اللي في رأيي مهّد، ولو بشكل غير مباشر، لقيام أعظم حدث في تاريخ مصر؛ ثورة مصر في يناير 2011. أنا لما نزلت الشارع يوم 28 يناير كنت بأسمع Refuse/ Resist لـ Sepultura.