يقال عنه "الفلكلوري بتاع المصطبة" و"عراف الإعلام"، وحاليا "سيادة النائب"، ألقاب عديدة تطلق على الإعلامي وعضو البرلمان توفيق عكاشة، منها ألقاب تستخدمها قناته التلفزيونية "الفراعين"، مثل لقب "الإعلامي الدكتور" الذي حرص على استخدامه في أول بياناته العاجلة الموجهة إلى رئيس البرلمان.
يخرج عكاشة على الرأي العام بوجوه عديدة، فأحيانا يوحي بأنه صندوق أسرار الأجهزة الأمنية في مصر، وأحيانا يبدو كخصمها اللدود الذي تحاول اغتياله، أثناء عمله الإعلامي قد يطلق تعليقا يثير السخرية مثل "ما بيعرفش يزغّط بط"، كإشارة على عدم قدرة البرادعي السياسية، ولكنه يتحدث بالفصحى في البرلمان حينما يعلن رغبته في الترشح لرئاسة المجلس.
قبل ثورة 25 يناير، لم تكن قناة الفراعين المملوكة لعكاشة وعائلته الريفية الغنية تنافس القنوات المصرية على كعكة الأكثر مشاهدة، رغم انطلاقها منذ عام 2009. كانت القناة حلقة وصل بين عمله الإعلامي السابق في قطاع الأخبار بالتلفزيون المصري، الذي طلب من رؤسائه مؤخرا صرف راتبه وحوافزه أثناء عمله به ليتفرغ لمجلس النواب، وبين طموحه السياسي.
عكاشة يسير على أكثر من حبل، إلى جانب عمله الإعلامي، يحرص من البداية، ومن قبل ثورة 25 يناير، على أن يكون له مكان سياسي، بداية من عضويته بالمجلس المحلي، مرورا بعضويته بمجلس الشعب عام 2010، وحتى انضمامه للبرلمان الحالي.
هو أيضا لا يتحرك بالمنطلقات نفسها في كل الأماكن والأوقات، أثناء كلمته أمام مجلس النواب الحالي، تجاهل ذكر أنه انضم لمجلس 2010 عن طريق الحزب الوطني، رغم أنه كثيرا ما أعلن فخره بانضمامه للحزب السابق وبأعضائه.
إعلامي القرية
أُلقي الضوء على قناة الفراعين ورئيسها لأول مرة عام 2008، بعد إعلان القناة عن طلبها لمذيعات بمقاييس جمالية محددة، ورفض عمل المحجبات، هذا الأمر الذي لقى انتقادا من الإعلامي المصري يسري فودة الذي عبر عن امتعاضه في أكثر من وسيلة إعلامية.
لكن صورة عكاشة صارت بارزة أكثر بعد ثورة يناير، إذ تبنى موقفا معاديا للثورة، واعتبرها مؤامرة "ماسونية" على مصر.
عكاشة يربط سقوط مبارك بمؤامرة ماسونية
رغم مقدرته على ممارسة الأداء الجاد، إلا أنه حرص كثيرا على أن يكسر قواعد الظهور الإعلامي التقليدية، متقمصا دور الفلاح الثري، ليقترب إلى جمهور أوسع من الجمهور الذي يستهدفه الإعلاميون الآخرون. يعتز عكاشة بأصوله الريفية، هو المنتمي إلى قرية "ميت الكرماء" بمحافظة الدقهلية، ويروجّ نفسه، بالمفهوم المصري الشعبي، على أنه "شبعان" أو "عينه مليانة"، بحديثه المتكرر عن عائلته الثرية التي تسهم في تمويل قناته.
ممارسة السحر مع الدولة
يقدم عكاشة لجمهوره تحذيرات وتنبؤات عن الأوضاع الأمنية في مصر والمنطقة العربية، زاعما أنه يملك علاقات قوية بالأجهزة السيادية، ولكن حتى الانطباع بقرب عكاشة من الأجهزة الأمنية يظل شيئا غامضا، والسحر الذي يمارسه على جمهوره، مستعينا باسم السلطة، أحيانا ما ينقلب عليه.
في نهاية العام الماضي، خاطبت المنطقة الإعلامية الحرة غرفة الإعلام وطلبت إيقاف بث برنامج عكاشة "صوت مصر"، ومنع رئيس قناة "الفراعين" من الظهور لمدة 3 أشهر، لمخالفة محتوى القناة شروط ترخيص مزاولة النشاط الصادر لها، من خلال المساس بالمصلحة القومية للبلاد، وتشهير سمعة أفراد. طعن عكاشة على القرار، ثم أجّل القضاء المصري النطق بالحكم فيه إلى 24 يناير الجاري.
ليس هذا هو المنع الأول من الظهور الإعلامي الذي حدث لعكاشة، فالمنع تكرر في خلال السنوات الخمس الماضية، ومنها مرة حدثت بسبب سبه لرئيس الجمهورية المعزول محمد مرسي. وفي هذه المرة يصرّح عكاشة بأن المنع تم بسبب شن جهات سيادية حربا سياسية ضده.
https://www.youtube.com/embed/JaYLWJWmZ7g عكاشة يهاجم الرئيس السابق محمد مرسي
من أحضان الدولة إلي شوكها
الانتقاد المتكرر لثورة 25 يناير من جهة، والنقد اللاذع الذي يوجهه لجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، وضع عكاشة دوما في صف الدولة، ولكن عكاشة يستطيع أيضا أن يلعب دور المعارض إذا أراد ذلك، وهنا أيضا يستطيع أن يكون معارضا متطرفا ويستطيع أن يجتذب مساحة أوسع من الجمهور.
في الوقت الذي يتجنب فيه الكثير من مقدمي البرامج التلفزيونية المصرية الحديث عن مؤسسة الرئاسة ووزارة الداخلية، كرر عكاشة اسم اللواء عباس كامل، مدير مكتب رئيس الجمهورية، وزعم أن في حوزته مستندات تتعلق بأجهزة الأمن الوطني والمخابرات العامة التي تدير الحياة السياسية في مصر، وتنفذ تعليمات كامل.
كما هاجم وزير الداخلية الحالي، بل وهدد بأن يعزل "الراجل الفاشل" من منصبه بعد وصوله إلى البرلمان، وبالفعل قدّم عكاشة استجوابا عاجلا لوزارة الداخلية عن ما أسماه بـ "وقائع تعذيب".
ابن القرية في البرلمان
عكاشة الذي خسر في انتخابات مجلس الشعب عام 2012 عن دائرة طلخا ونبروه بمحافظة الدقهلية، اكتسح الدائرة في انتخابات عام 2015، بحصوله على 90 ألف صوت، وهو أعلى معدل أصوات على مستوى مصر كلها. الفارق يظهر لنا أيضا الصورتين المتناقضتين لعكاشة، صورة الفاشل وصورة الناجح، ونجاح عكاشة الكاسح هذه المرة دفعه لأن يترشح لرئاسة البرلمان قبل أن يخسر المنصب لصالح الدكتور علي عبد العال.
عكاشة المروّج لدور المؤامرة الماسونية في مصر طوال السنوات السابقة، حمّل خسارته للأجهزة الأمنية التي تحاربه بسبب سعيه لإصلاح وزارة الداخلية. عكاشة الذي يتهم الداخلية بالتعذيب صدر ضده عام 2012 حكما قضائيا بسب وقذف والدة خالد سعيد؛ أحد أشهر ضحايا تعذيب الشرطة في مصر.
استطاع عكاشة أن يقوم بالعديد من الأدوار طوال السنوات الخمس الماضية، قد يتخذ هذا الصف أو ذاك، ولكن الأمر الواضح أن كل الانتقادات التي توجّه له لم تؤثر على شعبيته الواسعة ولا على تقدمه السياسي، يظل صوته مسموعا إعلاميا، ووَضَع قدما راسخة في البرلمان، وفوق كل هذا صار إحدى الشخصيات البارزة في مصر ما بعد 2011.