"مأساتنا اليوم هي خوف جسدي عام وعالمي نعاني منه منذ وقت طويل.. لم تعد هناك مشاكل للروح. هناك فقط السؤال: متى سيتم تفجيري؟" هكذا تحدث الكاتب الأمريكي وليام فوكنر في حفل قبوله لجائزة نوبل في الأدب عام 1950.
كانت قد مرت خمسة أعوام على انتهاء الحرب العالمية الثانية، قضت أمريكا وروسيا – القوتين العظميين ساعتها – وحلفاؤهما على الخطر النازي الألماني، بعد أن دفع العالم أثمانا باهظة من جراء الحرب، ملايين القتلى، وعشرات المدن المدمرة، وتجربة القنابل الذرية على الشعب الياباني. أمريكا وروسيا – الحليفان أثناء الحرب العالمية الثانية – صارا عدوين اليوم، لتبدأ فترة الحرب الباردة، التي لم تنته سوى بتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991.
كان من المعروف أن القوتين تملكان قنابل نووية وقادرتين على تدمير بعضهما وتدمير العالم. لذلك لم يعد هناك وقت للمشكلات "الروحية" للإنسان كما قال فوكنر، فمن الممكن أن يتعرض الفرد للتفجير في أي وقت.
لم يبتعد هذا القلق عن التجليات الفنية والثقافية التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية، الكثير منها كان يخشى ويتصور حربا عالمية ثالثة، هذا التخوف الذي يسيطر علينا حتى اليوم.
بعد مرور ست سنوات من انتهاء الحرب الكبرى الثانية في القرن العشرين، وبعد أن عبّرت القوتين العالميتين عن العداء العسكري في الحرب بين الكوريتين. نشرت مجلة "كولييرز" الأمريكية المصورة عام 1951 عددا بعنوان "عرض للحرب التي لا نريدها". المجلة تبنت وجهة النظر السياسية الأمريكية من إمكانية الحرب، وحذرت الشعب السوفييتي من "أسياده الأشرار ومؤامرتهم الكبيرة لاستعباد البشرية التي ستقود إلى الحرب العالمية الثالثة".
ازدهرت أيضا أفلام الخيال العلمي، التي تحذر من غزو فضائي للأرض. الأفلام الأمريكية كانت كثيرا ما تستخدم "الكائنات الفضائية" كرمز لإمكانية هجوم الاتحاد السوفييتي. في عام 1953، عُرِض الفيلم الأمريكي "حرب العوالم" المعتمد على الرواية الكلاسيكية للكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز. كتب ويلز الرواية عام 1897، متحدثا عن غزو فضائيين من المريخ لكوكب الأرض، واستعاد صناع السينما الأمريكيين القصة لصناعة فيلم كان معبرا عن مخاوف الأمريكيين من القيام بغزو سوفييتي.
حلم مجنون راودني
يأمر الجنرال الأمريكي جاك ريبر، القائد العسكري لقاعدة بوربلسون الجوية، بالقيام بقصف نووي على الاتحاد السوفييتي. نكتشف أن الأمر الذي اتخذه الجنرال كان انفراديا ولم يتلق فيه أوامر من العسكريين الأعلى منه مرتبة أو من الرئيس الأمريكي، الطائرات في طريقها إلى الاتحاد السوفييتي، ولا يستطيع الأمريكيون التواصل مع قائدي الطائرات لإيقافهم وإعادتهم إلى قاعدتهم الجوية. يجتمع الرئيس الأمريكي وقادته العسكريون إلى جانب السفير السوفييتي في "غرفة الحرب" بالبنتاجون محاولة منهم لإيقاف الهجوم الذي سينتج عنه لا محالة حربا عالمية ثالثة، السوفييت أيضا لديهم آلة تستطيع إفناء البشرية تلقائيا في حالة تعرضهم لهجوم نووي. هذا هو "الحلم" الذي أخرج عنه المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك فيلمه "دكتور سترينج لاف، أو كيف تعلمت أن أتوقف عن القلق وأن أحب القنبلة"، الفيلم الذي أنتج عام 1964 عبّر بشكل كبير عن مخاوف العالم من إمكانية قيام حرب، والأمر لا يحتاج سوى حماقة قائد أو سوء تفاهم بين القوتين العظميين، ساعتها سيكون الوقت متأخرا جدا على إنقاذ الموقف.
كوبريك اهتم أن يكتب على لسان صانعي الفيلم في بدايته أنه على ثقة من أن الجيش الأمريكي لن يقوم بحماقة مثل المعروضة في الفيلم، ولكن هنا بدا أن التخوف مشترك، ليس السوفييت هم الأشرار فحسب، فالمبادرة أو الخطأ قد يكون منا أيضا، والحمق البيّن في غرفة الحرب متبادل بين قادة القوتين العظميين.
أكثر من فيلم في هذه الفترة تحدث عن إمكانية حدوث حرب نووية على سبيل الخطأ. الستينيات كانت ذروة الحرب الباردة، حرب في فيتنام يواجه فيها الأمريكيون الفيتناميين والسوفييت من ورائهم، وأزمة خليج الخنازير في كوبا، حيث صواريخ نووية سوفييتية موجهة لأمريكا ردا على توجيه صواريخ مماثلة من أمريكا على موسكو.
في هذه الأثناء ظهر مغن أمريكي لا يحمل سوى جيتار وهارمونيكا، ظهر ليغني قائلا:
منذ بعض الوقت راودني حلم مجنون
حلمت أنني في الحرب العالمية الثالثة
ذهبت إلى الطبيب في اليوم التالي
لأعرف الكلمات التي سيقولها لي:
لا ينبغي أن أشعر بالقلق منها
لأنها أحلامي وليست موجودة إلا في عقلي".
كلمات بوب ديلان كانت صوتا قلقا لجيل بالكامل، وصار مغنيها رمزا للستينيات، بل أحد أهم المغنيين على مر العصور.
لم تتوقف الأحلام مع انتهاء الحرب الباردة، الأعداء يتزايدون، والسياسة العالمية تزداد تعقيدا، القدرات النووية توزعت على أكثر من بلد، وفي بداية الألفية يحاول ملياردير نمساوي ينتمي للنازية الجديدة أن يصنع مؤامرة لتحارب أمريكا روسيا ليتم تدمير البلدين وتعود أوروبا مهيمنة وموحدة، كما في فيلم "مجموع المخاوف" الذي أنتج عام 2002.
بعد 11 سبتمبر يتصاعد اسم الإرهاب كخطر أساسي قد يؤدي إلى حرب، بين دول وكيانات غير محددة، لا بين دول ودول، ولا يعرف أحد من أين تأتي الضربات.
بعد حدوث الكارثة
يسقط رائد فضاء على كوكب غريب بعد أن تتحطم مركبته الفضائية، يجد في الكوكب أشباه لبشر ولكنهم أغبياء في حين يجد قردة أذكياء يتحكمون فيهم، يثور على هذا، ويحاول الهروب واكتشاف حقيقة الأمر، حقيقة البشر الموجودين وأصولهم، وأثناء هروبه يجد حطام تمثال الحرية، يكتشف "تايلور" رائد الفضاء أنه لم يذهب إلى كوكب آخر إنما هو على كوكب الأرض وأن البشرية دمرت نفسها منذ مئات السنين، وأن هذا هو أحد الأسباب العدائية التي تجعل القرود ينظرون بسوء للبشر، هكذا كان تصور صناع فيلم "كوكب القرود" الذي أنتج عام 1968 لنهاية العالم.
https://www.youtube.com/embed/XvuM3DjvYf0قبل ذلك بعشرين عاما، وليس بعد وقت طويل من نهاية الحرب العالمية الثانية، عكَس الكاتب الإنجليزي جورج أورويل الرقمين الذين يمثلان السنة التي يعيش فيها (1948)، ليتخيل الوضع السياسي في العالم بعد 36 عاما؛ أي عام (1984)، عنوان روايته التي ستصير أحد أهم الروايات في التاريخ، العالم منقسم الآن إلى ثلاث كتل كبيرة، أوقيانيا وأوراسيا وإيستاسيا، مشتبكين في حرب لا تنتهي مع بعضهم. صار العالم في حالة حرب دائمة، حتى أن ونستون، الشخصية الرئيسية، لا يتذكر وقتا لم يكن فيه بلده مشتبكا في حرب. الحرب الدائمة والقمع، وغسيل الأدمغة الدائم، وتزييف التاريخ، هو ما يتخيله أورويل في المستقبل.
لنلعب الحرب
رغم أن ألبرت آينشتاين استطاع أن يعود بالزمن ويمنع هتلر والنازيين من البدء بالحرب العالمية الثانية، إلا أن الصراع السوفييتي الأمريكي ظل قائما وأدى إلى سلسلة من الحروب. هذا هو أصل لعبة Command and Conquer: Red Alert بنسخها المتتالية. الحروب العالمية وجبة أساسية في الألعاب الإستراتيجية، ويضاف إلى الحروب جاذبية انغماس اللاعب فيها.
رغم أن سلسلة Red Alert بدأت منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين، إلا أن ظل الحرب الباردة ظل مسيطرا عليها حتى النهاية، إذ يتكون "الحلفاء" من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، أما السوفييت فتتحالف معهم كوبا والعراق وليبيا. في النسخة الثالثة من اللعبة تظهر بجانب القوتين قوة آسيوية تدعى "إمبراطورية الشمس المشرقة".
في لعبة Endwar نرى الاتحاد الأوروبي كقوة محاربة إلى جانب أمريكا وروسيا، أما Frontwar فالوضع يختلف إذ تهدد كوريا - الموحدة الآن - الولايات المتحدة الأمريكية.
تُستخدَم كلمة "أبوكاليبس" كتعبير عن نهاية العالم، وإذا عدنا للمعنى اليوناني للكلمة فهي تعني "الكشف"، الفنون والخيال الإنساني كشفا الوجه القبيح للإنسان، ولكن هذا لا يعتمد على فراغ. القرن العشرين، قرن التقدم التكنولوجي غير المسبوق، سيطر عليه ظل حربين كبريين، أظهرتا هذا الوجه القبيح بشكل ربما يتجاوز ما أظهره الفن. ومع مرور السنوات ينضج الإنسان ولكن ينضج معه الحمق والخوف.