أبطال المسلسل التركي السلطانة كوسيم. الصورة: صفحة المسلسل الرسمية- فيسبوك

الدراما التركية: ماذا قدمت خارج حدود الأناضول؟

منشور الثلاثاء 12 مايو 2020

في أحد البرامج الحوارية على قناة تركية طرحت المذيعة سؤالًا على أحد النجوم إن كانت مسلسلاته عرضت خارج تركيا. هل لديك جمهور من الدول العربية؟

أصبحت تلك الأسئلة الأكثر تحديدًا لشعبية الفنان في تركيا، وتصنيفه نجم صف أول أم نجم صف ثانٍ، أصبح إذن الجمهور العربي معيارًا هامًا في تقييم نجومية فناني الدراما التركية، بعد حوالي 12 عامًا من تعريف الجمهور العربي لهذا النوع، الذي كان ينافس وقتها المسلسلات الكورية والمكسيكية التي كانت تعرض على شاشة التليفزيون المصري وتحظى بشعبية كبيرة، حتى استطاع أن يتفرد بإعجاب الجمهور.

كان للدراما التركية تأثير على حياتنا أكبر من الدراما المكسيكية والكورية، ربما يوازي تأثير الأعمال المصرية، أتذكّر اليوم الأول الذي تعرّفت فيه إلى هذه المسلسلات عندما كنا في زيارة لبيت أحد الأقارب وتركونا من أجل مشاهدة حلقة مسلسل نور، وبدأت حفلة من البكاء مشاركة مع أبطال المسلسل.

 

الممثلة التركية فرح زينب عبد الله في لقطة من مسلسل كوسيم

طرق بديلة

كان عامل الجذب الأكبر في المسلسل الصورة التي ميّزت الدراما التركية دومًا، واستغلال المناظر الطبيعية الخلابة لمدينة اسطنبول، والاهتمام الكبير بالملابس والديكور الذي لفت أنظارنا وقتها واختلافه عما كان يقدَّم في الدراما المصرية، بالإضافة إلى اقتراب الحكايات من واقعنا العربي، والتي تميل إلى سرد القصص الميلودرامية في إطار رومانسي.

كان عرض الدراما التركية على التليفزيون المصري يسير جنبًا إلى جنب مع الدراما المصرية، ولكن بعد قرار مقاطعة تركيا في جوانب عديدة منها شراء وعرض مسلسلاتهم علي القنوات المصرية، لم يتبق لمحبي هذه الصناعة سوى البحث عن طرق بديلة، أقربها المشاهدة على شبكة الإنترنت، خاصة مع وجود مواقع ومنتديات كثيرة تنشر يوميًا حلقات المسلسلات فور عرضها على قنواتها الأصلية، اختصرت للجمهور وقتًا قد يمتد لسنوات لمشاهدة مسلسل من المنتظر أن يدبلج ثم يعرض على أي قناة.

المشاهدة باللغة الأصلية للمسلسل أكسبتني خبرة في التقاط الجمل البسيطة للغة التركية، جعلتني أكثر فضولًا للتعرف على ثقافة وتاريخ هذا البلد، وأبحث عن متابعة كل منتج فني وليست الدراما فقط.

معجزة الزنزانة السابعة

بعد نجاح الفيلم التركي معجزة الزنزانة السابعة وتحقيقه نسب مشاهدة واسعة حول العالم، خرجت أخبار غير مؤكدة عن ترشيح بطل الفيلم أراس بولانت إينملي للمشاركة في الجزء الخامس من المسلسل الإسباني الشهير لا كاسا دي بابيل في شخصية اسطنبول. الفيلم طُرح على شبكة نتفليكس وعدد من المواقع الأخرى المهتمة بالفن التركي.

ربما يفتح هذا الفيلم بابًا جديدًا لاهتمام الجمهور العربي بالسينما التركية التجارية، حسب المصطلح الدارج في مصر، مثلما فُتح من سنوات باب المسلسلات التركية. معيار التوقعات يتوقف على أي مدى أثرت هذه المسلسلات على حياة الجمهور العربي منذ أول مسلسل تركي مدبلج نتذكره جميعًا، وهو نور عام 2008، ثم أعقبه مسلسل عاصي الذي عرض عام 2009، ثم مسلسل العشق الممنوع عام 2010، عرضوا جميعًا علي شبكة قنوات mbc، وفي عام 2008 أيضًا بدأت قناة أبو ظبي في عرض المسلسل التركي وادي الذئاب والذي استمر عرض أجزائه عشرة سنوات متتالية حتى عام 2018.

أما المسلسل التاريخي الذي يروي سيرة حياة السلطان العثماني سليمان القانوني، والذي عرف في الوطن العربي باسم حريم السلطان استمر عرض أجزائه الأربعة تباعًا حيث كان العرض الأول له في تركيا بداية يناير/ كانون الأول 2011، ثم استمرت السلسلة التي تجسد تاريخ حكم السلالة العثمانية للعالم بمسلسل السلطانة كوسيم في جزئين، ومع بداية العام الحالي عرضت شبكة نتفليكس مسلسل صعود الإمبراطورية العثمانية، من 6 حلقات يروي تفاصيل أشهر المعارك التي خاضها السلطان محمد الفاتح وهي معركته في فتح قسطنطينية، نحاول إذًا من خلال بعض الأسئلة الحصول على إجابة.

أين وصلنا؟

يظهر ارتباط الجمهور العربي بالدراما التركية بداية من دعم العمل أثناء عرضه على القنوات التركية، ومشاهدته على لايف ستريم القناة وإعادة المشاهدة بعد ترجمته للعربية، حتى إطلاق حملات على مواقع التواصل الإجتماعي للضغط على القنوات التركية لعدم إنهاء المسلسل، وصولًا إلى استثمار أكثر حرفية بإنشاء منتديات ومواقع عربية تعرض فيها المسلسلات مترجمة إلى العربية، بالتزامن مع عرضها على القنوات التركية.

بعض هذه المواقع يتم إغلاقها أو حجبها أو ملاحقتها قانونيًا من شركات الانتاج، خاصة التي تعرض الأعمال التي تشارك في إنتاجها شركة O3، التابعة لمجموعة Mbc، والتي يحق لها وحدها عرض المسلسل باللغة العربية، وحديثًا أطلقت منصة شاهد قسم خاص لعرض المسلسلات التركية، منها القديم ومنها الذي يتم دبلجته وعرضه بالتزامن مع عرضه على القنوات التركية، أصبحت هذه المسلسلات الأعلى مشاهدة على شاهد.

البداية

ارتبط ظهور المسلسلات المدبلجة باللهجة السورية عام 2008 بمسلسل نور، حيث كانت المسلسلات تترجَم ويسجل الدوبلاج العربي في استوديوهات بسوريا، وقبِل المشاهد المصري هذه اللهجة القريبة إلى حد ما منه، حتى أمسكت قنوات مغربية بزمام الأمور وتولت دبلجة المسلسلات إلى اللهجة المغربية، مثل مسلسل بين نارين عام 2017، وتبعه مسلسل الشجاع والجميلة ومسلسل فضيلة وبناتها عام 2019، ومؤخرًا أطلقت مجموعة Mbc قناة Mbc العراق، التي دبلجت المسلسلات التركية باللهجة العراقية وعرضتها على شاشاتها.

اهتمام الجمهور العربي بالفن التركي امتد إلى إنشاء صفحات على فيسبوك وانستجرام، ونشر كل الأخبار الجديدة لنجوم تركيا، وتصل هذه الصفحات إلى أكثر من 57 ألف متابع، ومن أشهر المواقع التي تحوي مكتبة كبيرة من المسلسلات والأفلام التركية المترجمة للعربية موقع قصة عشق، وهو الأشهر عند الحمهور العربي لمشاهدة مسلسلاتهم المفضلة فور عرضها على قنواتها الأصلية.

من أين تأتي الأخبار؟

بعض مؤسسي هذه الصفحات يستخدم ترجمة جوجل لترجمة أخبار الصفحات الفنية لأشهر المجلات والصحف والمواقع التركية، والبعض الآخر  هم من العرب المقيمين في تركيا وعلى معرفة باللغة، ومع ارتفاع نسب مشاهدة الخبر والتعليق عليه يزداد ربح مؤسسي الصفحات، ليتحول إلى عمل تجاري يتربح منه صاحب الصفحة، وللتأكيد على حرفية العمل ينسب الخبر إلى مصدره سواء جريدة أو مجلةأو حسابات شخصية لأشهر صحفيين الفن في تركيا، والتي يتابعها الجمهور العربي.

على مستوى آخر خرجت قنوات Mbc ببرنامج فني خفيف بعنوان إكسترا تركي عام 2013 تقوم فيه مذيعة عربية تتحدث التركية بإستضافة مشاهير ونجوم تركيا في اسطنبول، ويترجم الحوار إلى العربية، حتى وصل متابعي صفحة البرنامج على فيسبوك إلى أكثر من خمسة ملايين.

 

بطلة مسلسل نور على غلاف مجلة لها

بعض المجلات والمواقع الفنية العربية، انتبهت أيضًا إلى اهتمام الجمهور العربي بهذه الأخبار، وأنشأت قسمًا جديدًا لها، أو ضمتها لأخبار الفن حول العالم؛ منها مجلة سيدتي ولها وهيا، واستحدث المسؤولون عن جائزة الموريكس دور اللبنانية التي تمنح كل عام لفناني الوطن العربي، جوائز مماثلة للنجوم الأتراك مثل أفضل ممثل وأفضل ممثلة وأفضل مسلسل.

تأثير العرب على نسب المشاهدة 

تأثير الجمهور العربي على نسب مشاهدة الدراما التركية لا يخرج عن مواقع التواصل الاجتماعي، فنسب مشاهدة الأعمال محصورة على الجمهور التركي في الداخل فقط، لارتباطها بتسويق المنتجات المعلن عنها داخل الدولة، رغم ذلك يدعم الجمهور العربي أعماله المفضلة بالمشاهدة المباشرة على موقع القنوات على اليوتيوب لايف ستريم أو تطبيق القناة، وتعد أشهر القنوات التركية التي تعرض يوميًا أعمال جديدة، قناة Fox تركيا و Star TV وShow TV وKanal D و ATV و TV8,وهي قنوات خاصة، بالإضافة إلى شبكة القنوات الحكومية التركية TRT.

تختلف القناة الرسمية للدولة في محتوى ما تقدمه عن القنوات الخاصة، حيث يحكمها بعض الضوابط الأخلاقية، فمثلًا المسلسلات التي تشارك في إنتاجها وتعرض على شاشتها يحظر فيها تصوير مشاهد حميمية أو قبلات أو ارتداء ملابس مثيرة، ويراعى أن يهتم العمل بموضوعات اجتماعية وإنسانية، على عكس ما يعرض على القنوات الخاصة تمامًا، والتي يعبر محتواها سواء مسلسلات أو برامج، عن وجود حياة أخرى فى تركيا أكثر انفتاحًا.

كيف تعمل المسلسلات التركية؟

أبرز ما يميز خريطة عرض الدراما التركية أن لديها موسمين؛ موسم المسلسلات الصيفية، والتي معظمها يكون إما أعمال كوميدية خفيفة أو استكمال عرض مسلسلات كانت تعرض أصلًا في بداية فصل الشتاء، كل مسلسل يعرض منه حلقة واحدة أسبوعيًا تصل مدتها أحيانًا إلى ثلاث ساعات، ليجد الجمهور نفسه يوميًا على موعد مع أكثر من عمل جديد على كل القنوات، وعليه أن يختار أحدها، ولكن هذا الاختيار يؤثر على العمل الآخر وقد يدفعه إلى التوقف.

ما يحكم استمرار عرض أي عمل هي نسبة المشاهدة التي تعلنها كل قناة، العديد من المسلسلات الجيدة توقفت عند 4 أو 6 حلقات بسبب انخفاض نسب المشاهدة، والقناة التي تشارك في الإنتاج هي من يتخذ عادة  قرار التوقف وليس الشركة المنتجة.

ماذا قدمت الدراما لتركيا؟

الموسم الماضي اتسم بالتنوع الجغرافي للمسلسلات، ولم ينحصر التصوير في شوارع اسطنبول بل امتد إلى مدن تركية أخرى من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب، أشهر المسلسلات التي حققت نجاح كبير الموسم الماضي تم تصويرها خارج اسطنبول، أشهرها مسلسل ابنة السفير الذي تم تصويره في مدينة موجلا، ومسلسل زهرة الثالوث الذي صور جزئيه بالكامل في مدينة ماردين، ومسلسل نجمة الشمال الذي صور في مدينة أردو.

مسلسل الحمامة صور في مدينة غازي عنتاب، ومسلسل رامو صور في مدينة أضنة، ومن أشهر الأعمال التي صورت خارج اسطنبول مسلسل اشرح أيها البحر الأسود الذي صور في مدينة طرابزون، وفي مدينة بورصة تم تصوير مسلسل عروس اسطنبول الذي اقتبس منه المسلسل اللبناني عروس بيروت، والمسلسل الأشهر الذي عرض على القنوات العربية من سنوات بعنوان عاصي، تم تصويره بالكامل في مدينة هاتاي التركية التابعة للواء اسكندرون.

كان على شبكة نتفليكس الاستفادة من جمهور الأعمال التركية، أول مسلسل تركي أنتجته الشبكة بعنوان الحامي أو هاكان، وهو مسلسل محافظ ينتمي إلى فئة الخيال العلمي، وتدور أحداثه حول الأسرار التي تختبئ في كاتدرائية آيا صوفيا، من بطولة شاتاي أولسوي و عائشة توران، وبعد نجاحه واستمراره لثلاثة مواسم أعادت الشبكة المحاولة وأنتجت مسلسل عطية بطولة بيرين سات، وحقق المسلسل نجاحًا كبيرًا عند عرض موسمه الأول، المسلسل ينتمي أيضًا إلى الخيال.

تم تصوير عطية في كهوف مدينة جوبكلي تبه، وهي أحد أقدم المدن الأثرية في التاريخ، بعد عرض المسلسل بعدة أشهر قال وزير السياحة التركي إن الإقبال ارتفع على زيارة هذه المنطقة لمشاهدة الكهوف التي ظهرت في المسلسل.

وماذا قدمت الدراما التركية لنجومها؟

في السنوات الأخيرة، ارتفع عدد متابعي صفحات النجوم الأتراك على موقع انستجرام، ونشرت الصحف التركية ترتيب النجوم الأكثر شعبية في الوطن العربي، كان أشهرهم الممثلة فهرية أفجان التي تجاوز مشتركي حسابها على انستجرام أكثر من 10 ملايين متابع، يليها ديميت أوزديمير و ناصليهان أتاجول دوغلو 9 ملايين، وأراس بولانت إينملي، 7 ملايين ونصف مليون متابع.

متابعو هؤلاء النجوم كتبوا على صفحاتهم علي مواقع التواصل، أن السبب هو دعم جمهور الدول العربية وجمهور دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية لهؤلاء الفنانين، خاصة بعد أن حققت أعمالهم نسب مشاهدة كبيرة بعد ترجمتها وبيعها إلى هذه الدول، ضمن السوق الذي يقام سنويًا لبيع الدراما التليفزيونية في مدينة كان الفرنسية العام الماضي.

وحسب الأخبار التي نشرت بعدها حقق مسلسل زهرة الثالوث أعلى نسبة مبيعات وصلت إلى حوالي 52 دولة، بعد نجاحه في تركيا وصلت مشاهدات الحلقة الأولى على موقع يوتيوب الي 26 مليون مشاهدة، يليه مسلسل الدكتور المعجزة الذي تم تسويقه إلى حوالي 47 دولة وأصبح مسلسل عام 2019، 2020 في تركيا، بعد احتلاله المركز الأول في نسب المشاهدة، لأكثر من 25 أسبوعًا على التوالي.


اقرأ أيضًا: التجربة الكورية: كيف دعمت الحكومة صناعة السينما حتى فازت بالأوسكار؟


أصبح النجوم الأتراك أيضًا الوجوه الأكثر شعبية في مهرجانات السينما العربية، بعد عرض مسلسل نور، أول مسلسل تركي نال شهرة كبيرة في الوطن العربي، واستضاف مهرجان القاهرة السينمائي أبطاله في حفل افتتاح إحدى دوراته. 

وبعد عرض مسلسل عاصي استضاف القاهرة السينمائي أيضًا بطل المسلسل مراد يلديريم والبطلة توبا بويوكستن، ونظم المهرجان ندوة لكل منهما.  وبعد نجاح مسلسل القرن العظيم أو ما يعرف عربيًا بـ حريم السلطان، حل الممثل التركي خالد ارغنش ضيفًا على حفل ختام الدورة الأولى من مهرجان الجونة. بينما أصبحت الممثلة التركية توبا بويوكستن الضيفة الدائمة لمهرجان دبي السينمائي في عدة دورات متتالية.

 بعد أن ساهم العرب في رفع شعبية النجوم الأتراك داخل بلدهم، هل يعرف هذا المجتمع شيئًا عن الدراما التي نقدمها هنا؟