- الاسم: آلاء سعد.*
- التخصص: طبيبة أسرة.
- مكان العمل: طورائ مستشفى أبو قير العام.
- السن: 29 سنة.
وقت استلامي العمل علشان أقضي فترة الزمالة في طوارئ مستشفى عام كانت من 3 شهور، ودا كان نفس وقت ظهور فيروس كورونا تقريبًا في مصر. كان قرار صعب جدًا: حيرة بين الخوف والمسؤولية.
كأم مسؤولة عن طفلها، بسبب ظروف عمل زوجي اللي بتخليه مسافر دايمًا، الموضوع ده خلاني محتارة إذا كنت أقدم إجازة استثنائية بما إني أم وجوزي مش موجود معايا، وطبعًا خايفة على ابني وخايفة على أبويا وأمي اللي هايبقوا قاعدين مع ابني، من إني أنقل لهم العدوى من المستشفى، خصوصًا إني مش شغالة في مستشفى عزل.
بس في الحقيقة كان في شعور تاني وهو إحساسي بالمسؤولية الواقعة علي إن أكيد الوقت ده بالتحديد البلد محتاجة كل دكتور يبقى موجود في مكان عمله علشان ننقذ أرواح أكتر.
فعلا ابتديت شغلي، ولأن مافيش أي تدريب على إجراءات الوقاية والتعامل مع الحالات؛ كنت بأحاول أحمي نفسي بنفسي، وأبقى حذرة في التعامل مع الناس اللي بتيجي، خصوصًا إن كل الناس في الوقت ده كانت بتيجي علشان تطمن على نفسها، حتى اللي معندهوش أعراض كورونا.
وقتها حاولت أعمل تثقيف للناس إنهم مفروض ميجوش المستشفى كتير علشان ممكن يرجعوا بالعدوى لو كانوا أصحاء، لإني بأختلط بشكل مباشر مع الحالات.
حسيت بمشاعر كتيرة قوي، ما أنكرش إن كان منها الخوف طبعًا، لكن فيه مشاعر تانية أعمق منها إحساسي بالمسؤولية تجاه العيان ده، وإن جايز اكتشاف المرض يكون فرصة في إنه ينقذ الشخص ده بسرعة وميحصلهوش مضاعفات لا قدر الله، خصوصًا إن أعراض كورونا مختلفة من شخص لآخر ومفيش أعراض تقدر تجزم من خلالها إن الشخص ده عنده الفيروس 100%، بالعكس فيه أشخاص بتيجي بأعراض عادية جدًا وتتفاجئ وإنت بتكشف إن الشخص ده احتمال يبقي عنده الفيروس.
علشان كده أول قاعدة بنتعامل بيها من أول يوم هي إننا نعتبر كل الأشخاص مصابين وإحنا كمان مصابين فنتعامل على هذا الأساس. لكن في أوقات كتير بتبقى مش قادر تاخد احتياطاتك لضيق الوقت وضرورة سرعة التعامل مع الحالة.
يعني مثلًا وجودك في الطوارئ بيخليكِ عرضة أي وقت إن تدخل عليكِ خناقة كبيرة مثلًا فيها كذا حد مصاب، أو حادثة فبتتحركِ بسرعة علشان تحاولي تنقذي الأشخاص دي، وأوقات مابتبقيش واخدة احتياطاتك الكاملة علشان عاوزة تنقذي المريض اللي قدامك، وده حصل فعلًا. في يوم جالنا مصابين في خناقة مع بعض في الشارع، واحد منهم كان متعور جامد، وكان علي أتعامل مع الحالة بسرعة ونوقف نزيف الجروح ونتطمن إن حالته مستقرة الأول من غير ما نفكر في إحتمال نقله للعدوى.
إجراءات الوقاية دي مش سهلة أبدًا، فكرة إنك تبقي لابسة كمامة حوالي 24 ساعة كاملة هي مدة الشيفت بتاعك، فكرة مرهقة ومتعبة جدًا خصوصًا لحد زيي مريضة بحساسية الأنف ومبتقدرش تستحمل الخنقة مدة طويلة وبتحتاجي دايمًا تشمي هوا، وكمان مع لبس النضّارة والشبورة اللي بتيجي عليها أول مابتلبسي الكمامة بتأثر على النظر والتركيز، وبتحسي إنك مقيدة جدًا في حركتك، بس على قد ما بنقدر بنحاول ناخد بالنا لإن في النهاية إحنا بنخلص ونخرج من المستشفى بعد ما بنخالط عدد كبير من الحالات ومش عارفين مين مصاب ومين لا.
أول كورونا
أول حالة اكتشفتها كانت تقريبًا مطابقة لمواصفات بروتوكول التعامل بتاع وزارة الصحة: سيدة تعمل بالمجال الطبي، اختلطت بزميلة قادمة من بلد عربي عندها أعراض ضيق تنفس واحتقان بالحلق وسعال. مشاعري كانت ملخبطة وأنا بتعامل معاها، خايفة آه بس مصرّة أكمّل للنهاية عشان جايز التشخيص بدري ينقذها من المضاعفات.
أول حاجة عملناها هي تحليل صورة دم كاملة وأشعة عادية على الصدر كبداية التشخيص، وبعد كده بلغت المديرين يتعاملوا وهم اللي ينسقوا مع الجهات المختصة، من عمل مسحة وتبليغ الحالة بنتيجة التحليل سواء إيجابي محتاج تحويل لمستشفى العزل، أو سلبي.
في الطوارئ كمان أنت مخالط لعدد كبير من الأشخاص، لكن الأسوأ هو أن أغلب اللي بنستقبلهم بيكونوا مخالطين لحالات مصابة بكورونا، ومش بيقولوا، إحنا بنكتشف ده صدفة مع الكشف والسؤال عن التاريخ المرضي للحالة.
مثلًا من الحالات اللي عمري ماهنساها جالنا الطوارئ رجل مسن بيشتكي من أعراض قلبية، وكشفنا عليه وإدينا له علاج مناسب لحالته، وكان معاه اتنين من بناته. وفي وسط الكشف على أبوهم واحدة منهم طلعت الاستقبال دفعت كشف ودخلت تاني وإحنا بنكشف. واشتكت من احتقان في الحلق و حرارة وألم في العظام، اشتبهنا في الحالة، فهي قالت إن بنتها كانت مصابة والحميات كتبوا لها علاج وقالوا تتعزل في البيت، بس طبعًا والدتها المخالطة بتتحرك عادي وجت المستشفى من غير إجراءات وقاية ولا كمامة ولا أي حاجة.
فورًا حولنا الحالة للحميات لإجراء المسحة ويشوفوا اللازم، وحاولت أتتبع حالتهم بعد كده عشان أتطمن إنهم راحوا والتزموا بالعلاج، عرفت من جارة لهم أنهم راحوا الحميات وأخدوا أدوية بس حالتهم تدهورت جدًا وتعبانين في البيت وبعدها انقطعت أخبارهم.
استخبوا أنا راجعة البيت
اللي فات ده نموذج بين حالات كتير بتيجي بتكون مخالطة ومابنعرفش إلا بعد الكشف. طبعًا بعد شيفت 24 ساعة، تحت ضغط عمل طوارئ مستشفى عام؛ طاقتي بتنتهي، بس رجوعي البيت بيبقى من أصعب الحاجات اللي بأعيشها مع وجود أهلي المسنين اللي بيراعوا ابني في غيابي.
أول ما أقرب على بيتي بأكلم أهلي يدخلوا مع ابني في أوضة لوحدهم، ويفضلوا حابسين نفسهم فيها لحد ما أنا أدخل وأغير هدومي كلها وأغسلها وأعقم نفسي علشان أبقى مستعدة إني أشوف ابني اللي ماشوفتهوش من 24 ساعة. طفل عنده 4 سنين صعب جدًا تسيطري عليه، خصوصًا إنه متعود إني بأشاركه كل حاجة طول ما أنا موجودة: لعبه وأكله. صعب علي قوي أمنعه إنه يحضنني أول ما أدخل البيت، وأفّهمه يعني إيه مساحة آمنة ويقعد بعيد عني علشان خايفة أكون حاملة للفيروس وأنا مش عارفة.
أصعب فقرة في يومي بعد كل التعاملات المباشرة مع الحالات ورجوعي البيت ومحاولاتي الحفاظ على عائلتي، هي مرحلة النوم، طفلي متعود ينام في حضني، وللأسف مبقدرش أمنعه لأنه مش هيعرف ينام، طول ما هو نايم على كتفي القلق والخوف مش بيسبني. ماعنديش حاجة أواجه بيها قلقي ده غير الدعاء، بفضل أدعي طول الليل ربنا يحمي ابني. الموضوع مرهق جدًا ليا، بس ده واجبي اللي هفضل أعمله لحد ما الأزمة تعدي.
لقراءة الجزء الثاني من شهادة آلاء سعد بعد انتقالها للعمل من قسم الطوارئ إلى العزل اضغط هنا.
* هذه شهادة لطبيبة تنشرها المنصة في باب مخصص، بعد التأكد من هوية الكاتبة، والتحقق من شهادتها عبر اتباع الطرق المهنية والقانونية اللازمة، والحفاظ على خصوصية المرضى إن أتى ذكرهم، مع عدم التدخل في صياغة الشهادة من جانبنا إلا لضبط اللغة إن كانت بالفصحى.