"ثوك تي تي جوم نيم بي أوؤو نيم بي إزمو نيم بي آما هي شا إينيه آمين. إمانوئيل بين نوتي بين أورو.. لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد. آمين. عمانوئيل إلهنا وملكنا".
- من صلوات أسبوع الآلام
أردد هذه الكلمات (بالقبطية والعربية) بلحنها المعتاد في ذهني منذ بداية أسبوع الآلام، هذا اللحن الذي اعتدنا ترتيله طوال الأسبوع صباحًا ومساءً حتى انتهاء جمعة الآلام.
أصبح هذا الأسبوع أكثر حزنًا مما كان عليه من قبل، فبعد انتشار وباء كورونا أغلقت الكنائس، ولم يعد أسبوع الآلام كما كان، نعم كان أسبوعًا حزينًا وغريبًا جدًا بالنسبة لي في طفولتي، لم أفهم قط الأمر. لم أستوعب لماذا تتعمد الكنيسة أن تغمرنا بهذا الكم من الحزن كل عام في هذا التوقيت، لماذا لا ننتقل ليوم القيامة والعيد والفرحة مباشرةً دون كل هذا السواد والحزن، لكن تفهمت الأمر مع الوقت، قدرت قيمة هذا الاسبوع بصيامه وتقشفه، الشعور الروحاني والحالة العامة الذي تغمر البيوت والكنائس لا يمكن وصفها إلا من خلال تجربتها.
آلام في الكنيسة
تغيِّر الكنيسة سِتر الهيكل إلى اللون الأسود، وتعلّق شارات سوداء على أعمدتها مساء الأحد مساءً، بعد الانتهاء من الاحتفال بأحد السعف (عيد دخول المسيح أورشليم)، ويبدأ أسبوع الالآم، وصلوات البصخة من مساء الأحد حتى الجمعة السابقة لعيد القيامة والمعروفة بـ"الجمعة العظيمة"، وتتذكر الكنيسة في هذا الأسبوع آخر الأحداث التي مر بها المسيح بداية من دخول أورشليم حتى صلبه، ويعتبره غالبية المسيحيين المصريين أكثر أسابيع العام روحانية وقدسية، ويكرَّس للعبادة والصلاة والتأمل، وتتوقف كل الصلوات الأخرى بما فيها صلاة القداس (باستثناء خميس العهد) وحتى الجنائز، وتتعطل اجتماعات التربية الكنسية، ليتفرغ الجميع لصلوات أسبوع الآلام.
هذا العام، لم يتمكَّن المسيحيون الأرثوذكس من حضور صلوات البصخة والاحتفال بالأسبوع المقدَّس في الكنيسة، لذلك قرر البعض تعويض ذلك بعمل كنيسة صغيرة في بيوتهم؛ ستار أسود، صور السيد المسيح بإكليل الشوك أو في البرية، كتب صلوات البصخة وأسبوع الآلام، شمعة صغيرة. كما كان الأمر في الكنيسة.
ساندي سعيد، طالبة جامعية، اعتادت منذ الصغر حضور أسبوع الآلام في الكنيسة، تقول "أنا من بدري كنت عايزة أعمل كورنر للصلاة بحيث يكون في جو إنك ترتاحي وتقعدي تفصلي وتتكلمي مع ربنا وكده، واستغليت أسبوع الآلام وعملت دا بما إننا مش هنقدر نروح كنايس وكده الفترة دي، فا دا هيشجعني أدخل في أجواء أسبوع الآلام أكتر وأندمج مع الألحان والصلاة أكتر، وأقرأ في الكتاب المقدس أكتر. كل الحاجات دي المفروض تحصل أكتر في أسبوع الآلام، وغالبًا من غير الكورنر الهادي دا كنت هكسل ومش هحس بالأجواء أوي".
شارك طوني منير وأسرته شعورهم بالضيق، لعدم قدرتهم حضور صلوات البصخة في كنيسة كما اعتادوا كل عام في هذا التوقيت "بصي بصراحة إحنا كنا لحد من شوية كدا متضايقين جدًا ومش قادرين نصدق إننا مش هنروح الكنيسة نحضر أسبوع الآلام، مش فكرة بقا إن الكنيسة مجرد مبنى وربنا موجود في كل مكان، على قد ما هي إن الكنيسة ديه زي ماما فعلًا بتجمعنا في الأحزان والأفراح فا فكرة إننا مش هنحضر الأسبوع المختلف ده مع ماما اللي هي الكنيسة صعبة شوية علينا، عشان إحنا كمان العاطفة زايدة عندنا شوية. بس بصراحة مستسلمناش وحاولنا نعمل كنيسة صغيرة (ماما صغيرة يعني)".
اعتاد طوني وأسرته الاحتفال بالأعياد كلها في بيتهم، وتخصيص غرفة صغيرة لتغير ديكوراتها وتزيينها بما يناسب كل عيد على حدة، لكن لم تفكر الأسرة من قبل في تغيير ديكور الغرفة في أسبوع الآلام، لأنهم تعودوا على حضوره في الكنيسة لكن هذا العام اختلف الأمر فقرروا محاولة خلق أجواء كنسية صغيرة، بما أنهم لن يستطيعوا الذهاب إلى أي مكان في ظل العزل.
أضاف "إحنا كنا عاملين في شقتنا أوضة صلاة بس عمرنا ما فكرنا بصراحة إننا نعمل جو أسبوع الآلام ونتألم مع ربنا يسوع، دايمًا كنا بنحتفل بأعياد الكريسماس في البيت ونزين البيت أحمر في أحمر، بس مفكرناش خالص نعمل كده في أسبوع الآلام ونجيب ورد كتعبير عن الحب لربنا يعني، ونخصص مكان للبصخة ونصلي قدامه يمكن عشان كان في كنيسة".
في الكويت، أطلقت كنيسة مارمرقس ما أطلقوا عليه تحدي الصلبوت أو ركن الصلبوت، وشارك كثير بتجهيز ركن لأسبوع الآلام في منازلهم وتصويره بهواتفهم، ومشاركة الصور على واتساب وفيسبوك لتشجيع بعضهم بعضًا.
في أوكرانيا
لم تتمكن سوسنة عماد من العودة للقاهرة للاحتفال مع أسرتها بأسبوع الآلام وعيد القيامة، فهي تدرس في أوكرانيا ومنعها توقف الطيران من السفرـ فقررت مع زميلاتها في السكن عمل كنيسة صغيرة في أحد الأركان، للشعور بأجواء أسبوع الآلام وتقليل معاناة الغربة والحجر الصحي.
خليك في البيت
كاهن كنيسة الشهيد مارجرجس بمنوف(المنوفية)، القس تادرس فؤاد، يقول إن صلاة أسبوع الآلام في المنزل ممكنة "لأن دي صلاة من صلوات السواعي (صلوات الأجبية) والبابا تواضروس الثاني قال ينفع مؤقتًا لحد ما ربنا يرفع عنا الوباء". وأضاف أنه لا توجد مشكلة في ترديد الطِلبات التي كانت تقال على لسان الكاهن، ونحن نصلي في البيت من كتاب صلوات البصخة.
كما نشرت الصفحة الرسمية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية خطوات توضحية لصلوات البصخة وأسبوع الآلام في البيت، ودعت لعمل كنيسة صغيرة في المنازل، وعدم الخروج للحفاظ على سلامة الجميع من خطر فيروس كورونا.