منذ ظهر فيروس كورونا المستجد وانتشاره المحموم على نطاقات واسعة حول العالم؛ ظهرت محاولات لاحتوائه والتقليل من الخسائر المتوقعة بسببه، وذلك بصور مختلفة أولها الإجراءات الحكومية البمتمثلة في تخصيص اعتمادات مالية ضخمة لمكافحته، وكذلك فرض إجراءات مثلما فرضته مصر من تعليق للطيران وحظر التجول، وإعلان إرشادات صحية.
بالتوازي مع الإجراءات الرسمية، كانت هناك خطوات أخرى في قطاع البحث العلمي، يتمثل أحدها ما تشهده الآن مدينة زويل للعلوم، حيث يعكف فريق من الطلاب والباحثين على تطوير واحد من أهم عناصر علاج الإصابات بكورونا، وهي أجهزة تنفس صناعي جديدة ومبتكرة في خصائصها عن المستخدمة حاليًا، وفقًا لما أوضحه للمنصّة المشرف على الفريق الدكتور عمرو حلمي، أستاذ مساعد النانو تكنولوجي ومنسق وحدة تطوير المنتجات بالمدينة، الذي شدد في معرض شرحه للأجهزة الجديدة على أهمية خفض سقف التوقعات من هذه الأجهزة، مفصّلًا أسبابه.
مقتضيات اﻷزمة
قبل نحو ثلاثة أسابيع من اليوم؛ بادر طلاب وباحثون بالمدينة إلى تطوير أجهزةطبية، يكشف الدكتور عمرو حلمي أنها لا تقتصر على أجهزة التنفس فقط "بنعمل على أكتر من اتجاه، أولهم اﻷقنعة، وثانيهم أجهزة التنفس الصناعي، واتجاه ثالث يتعلق بتطوير جهاز يوظف الذكاء الاصطناعي في تشخيص الحالات".
يشرف حلمي على الفريق المعني بتصميم أجهزة التنفس، التي تنقسم ﻷكثر من نموذج "شغالين على 3 موديلات، الأول خلص يوم 5 أبريل/ نيسان، بإشراف من دكتور مصطفى عبد الله على طلبة دراسات عليا والبكالوريوس، والهدف منه مساعدة الحالة قبل دخول العناية المركزة، وبيكون عبارة عن ambu bag (ماسك إنعاش) بيستخدم عادة داخل سيارة الإسعاف وعند دخول المستشفى، قبل ما يتم فحص المريض وتحديد ما تستدعيه حالته".
يفرّق الأكاديمي بين هذا التصميم وبين مثيله المستخدم حاليًا، بقوله "ده نموذج قادر على استبدل الآلات اليدوية التي يتم استخدامها للمساعدة على التنفس قبل الدخول للعناية المركزة، ﻷن المستخدم بالونة تنفس بتتطلب إن المسعف يمسكها ويضغط عليها، أما نموذجنا هيشتغل لوحده، بحيث تكون إيد المسعف حرّه ويتفرغ للقيام بمهام تانية لمساعدة المريض".
أما النموذج الثاني، فهو ما يشرف على تصميمه حلمي مع فريق من طلبة دراسات عليا وبكالوريوس وبعض خريجين المدينة، ويشرحه قائلًا "ده نموذج أكثر تعقيدًا واختباراته أصعب، ﻷنه مصمم للعمل في العناية المركزة؛ فقدراته لابد وأن تكون أكبر من النموذج الأول، ﻷن مهمته هي إسعاف شخص غير قادر على التنفس. واتناقشنا مع أطباء بحيث نعرف احتياجاتهم منه، بحيث نضبط أنظمة التحكم لتلبية احتياجاتهم".
يوضح الأكاديمي الفرق بين ما يعمل على تصميمه وبين أجهزة التنفس المتواجدة حاليًا في المستشفيات بالقول "الموجود في العناية المركزة حاليًا قادرة على إنعاش رئة متوقفة مع استقصاء حالة المريض وتمكّنه من التنفس بصورة طبيعية؛ وبالتالي تنفذ إجراء يسمّى weaning بحيث يبدأ فُطام المريض من الجهاز، وده أمر متقدم وصعب، والتحكم الخاص بيه معقد جدًا".
يتابع حلمي "لكن النموذج اللي بنصممه هو محاولة لوضع مجموعة مبسطة من وظائف جهاز التنفس، ﻷننا في النهاية مش محتاجين الجهاز بكل وظايفه، لكن مجموعة محددة من الوظايف، وبناءً عليه نقدر نصمم أجهزة مبسطة بتنفذ الوظايف دي بالذات. مابتعملش بقية الوظائف الأكتر تعقيدًا. فهو باختصار، جهاز تنفس مُبَسط ينفذ بعض وظائف الـventilators".
أما الجهاز الثالث، فيعرّفه الدكتور حلمي قائلًا "هو محاولة لإجراء تجارب تصنيع لموديل ventilator تم تصميمه في جامعة خارج مصر على يد أكاديمي مصري صديقنا، وفيه مشاركة ما بيننا وبينه حاليًا بحيث نعرف مدى إمكانية إنتاجه في مصر، وهو مصمم لحالات طوارئ تتمثل في وجود المريض خارج المستشفى أو في مكان بلا كهرباء أو آلات طبية".
هذه النماذج لم تخطر على بال الطلاب والباحثين سابقًا لكن للضرورة مقتضيات بحسب حلمي "قبل انتشار كورونا لم نكن نفكر في هذه الأجهزة، لكننا بدأنا العمل بمجرد انتشار الفيروس الذي كشف أهمية أجهزة التنفس الآن، واحتمالية مواجهة العالم أزمة كبيرة ونحن في النهاية مهندسين لا يمكننا عدم التعاطي مع المشكلات ومحاولة حلّها؛ فاجتمعنا وتباحثنا فيما يمكننا إنتاجه".
أدوار مُرتّبة
يفتح الحديث المفصّل عن اﻷجهزة وأدوارها بابًا للأمل خاصة في لحظة تتصاعد فيها إصابات كورونا حول العالم بصورة تتطلب الجاهزية بمزيد من الأدوات ضد الفيروس، لكن اﻷكاديمي كان مصممًا على النظر للوضع بواقعية، ووضع اﻷمور في نصابها.
يقول حلمي "لابد وأن أوضح أننا مدينة بحثية، ومنتجاتنا ليست إلاّ نتائج أبحاث، أما تحويلها لمنتج في الأسواق فهذا يأتي في المراحل اللاحقة، حين تعاين جهات التصنيع ما أنتجناه من نماذج. ونحن الآن في مرحلة الانتهاء من النماذج اﻷولية للأجهزة، والتي بالفعل أنجزنا أولها (قناع الإنعاش)، ونعمل على الثاني بحيث ننجزه خلال هذا الأسبوع".
لا يقوم باحثو وطلاب المدينة بالتصميم فحسب، بل لهم دور آخر "دائمًا هناك مواصفات للأجهزة الطبية لابد من احترامها، ونحن نسعى للالتزام به في تصميماتنا، وهو ما يدفعنا لاختبار النماذج. فعلى سبيل المثال، القناع الطبي لابد من أن تتوافر فيه مواصفات تؤكد قدرته على أداء وظيفته، ومن بينها التأكد من نسبة معينة فيه للضغط وكمية الهواء اللي بيضخها للرئة وتحكمه فيها".
يحاول الأكاديمي وزملائه التأكد من مواصفات الجهاز الأول المنتهي تصميمه بالفعل، لكن في الجهاز الثاني ما يزالوا يحاولون التعرف على المواصفات وتطبيقها "الجهاز التاني ما زال في مرحلة مختلفة ولم ينته، ولهذا فنحن في هذه اللحظة بنتعرف على الوظايف المطلوب توافرها فيه عن طريق التشاور مع اﻷطباء، وبنبدأ نختبرها، أما الخطوة الجاية فهي التأكد من نجاح تطبيق الوظائف والتحكم، بحيث يشتغل بأفضل طريقة ممكنة كما يحتاجها الأطباء".
حتى في مرحلة المواصفات، تبقى هناك أدوار مرتّبة بين مدينة زويل والآخرين "ما نعمل عليه هو مطابقة النموذج لمواصفات هندسية وليست إكلينيكية. بمعنى أن للجهاز مواصفات طبية لكي يعمل بصورة صحيحة، وهذه المواصفات نترجمها لهندسية، فما يتعلق طبيًا بالتحكم في تدفق الهواء للرئة أو سرعة التنفس، ليست بالنسبة لنا إلاّ معطيات تساعدنا على وضع مواصفات هندسية لجهاز، ولا علاقة لنا بالجانب الإكلينيكي والبيولوجي الخاص بجسم المريض".
يبقى دور آخر فيما يخص مواصفات الجهاز في صورته النهائية كمنتج، وهو الفني الذي يحيله حلمي إلى جهة أخرى "دي بتكون مسؤولية المُصنّع وليس الباحث. ومهم جدًا إن النقطة دي تكون واضحة".
يتابع الأكاديمي حديثه الذي يبين أن التمهل مطلوب، قبل الاحتفاء المبكر بظهور منتج سيساعد متضرري كورونا "احنا بنصمم منتج بحثي يؤدي وظيفة، وفي الآخر بيتم تسليمه لجهة التصنيع اللي بتحوله لمنتج في صورته النهائية، وبتكون مسؤولة عن مطابقته للمواصفات".
عراقيل مستجدة
الإجراءات الفنية والروتينية المتعلقة بالمواصفات، ليست اﻷمر الوحيد الذي يتعرض لها أبناء "زويل"، فهناك مصاعب أخرى اختبرها حلمي و12 طالبًا وباحثًا، تختلف تخصصاتهم بين الميكانيكا والطب الحيوي والطاقة المتجددة، هم قوام الفريق البحثي.
أول هذه المصاعب كان لكورونا يد فيها بالطبع، وفقًا لما يذكره الدكتور عمرو "أول صعوبة هي مخاطر العدوى، وطبعًا ده سبب لنا مشاكل في إننا بنحاول نقلل عدد الطلبة والباحثين المضطرين يتواجدوا في غرفة واحدة في نفس الوقت. وعلى الرغم من إننا 13 شخص، إلاّ إننا عمرنا ما بنتقابل مع بعض في نفس المكان، بنشتغل أونلاين، وده صعب جدًا".
أما ثاني المصاعب، فهي ضغط الوقت، الذي يفسر حلمي سببه قائلًا "احنا عارفين إننا داخلين بسرعة على فترة معقدة، ومدركين إن كل دقيقة هتفرق، وإن أي حد فينا في المنشآت البحثية في مصر والجامعات هيقدر يقدمها ممكن ماتكونش الحل النهائي، لكن على اﻷقل هتبقى بتنقلنا خطوة لقدام".
على الرغم من تفاؤل الأكاديمي بإمكانية مساهمته والفريق في تحقيق شيئ ضد كورونا، إلاّ أن اﻷجواء المحيطة به لم تخل من الإحباطات "طبعًا أصعب حاجة في مصر إن بعض الناس بيقولوا لك إنك مش هتعرف أو لا هتقدر تعمل حاجة، لكن الحمد لله إن الفريق متماسك ومؤمن باللي بيعمله؛ فبنساعد ونسند بعض نفسيًا قبل تقنيًا، ودي أهم وأصعب حاجة في هذه اللحظة".
وهذه اللحظة رغم ما تحمله من تماسك وتعاون بين الفريق، إلاّ أنها تحمل أيضًا مخاوف مشتركة بين أعضائه، يحكي عنها قائدهم "فيه صعوبة بتتمثل في حالة عدم اليقين اللي عايشين فيها، وإيه اللي هنواجهه في الفترة المقبلة، سواء كدولة أو بالنسبة للباحثين والطلبة نفسهم، مستقبلهم هيمشي إزاي؟ وإيه مدى قدرتهم على التعامل مع الحالة دي؟ ﻷن احنا نفسنا ككبار ورغم إن لينا وظايف وحياة، إلاّ إننا شايلين هم اﻷيام اللي داخلين عليها، وده من أكبر الصعوبات".
وعلى الرغم مما بدا من تعقيدات وصعوبات في طريق ميلاد التصميمات، إلاّ أن المدينة وفيما يتعلق بدورها انتهت بالفعل من أول جهاز، وحاليًا على مشارف إنجاز الثاني، وفقًا لحلمي الذي يبشر باﻷمر "الجهاز الثاني نفسه كمكونات تم تركيبه، وفي اللحظة دي احنا بنطور نظام التحكم بناءً على توصيات وطلبات اﻷطباء اللي اتكلمنا معاهم. فنظريًا خلال هذا الأسبوع الجهاز هيكون اشتغل".
لكن رغم التفاؤل، يعود الأكاديمي ليقرر ختام حديثه للمنصّة بكلام واقعي لا يعد بالمعجزات، قائلًا "بحب أؤكد تاني إن ده منتج بحثي مش تصنيع، والخطوة اللي جاية هيدخل فيها الشريك الصناعي اللي هيقدر ينفذ. فاحنا دورنا كجهة علمية هو البحث. وبعد كده الصناعة تشتغل".