عوّضت البورصة المصرية اليوم الاثنين جزئيًا الخسائر الكبيرة التي منيت بها خلال الأسابيع الماضية وبلغت ذروتها أمس الأحد بسبب الأنباء المتداولة حول تأثير تفشي فيروس كورونا، وذلك بعد دعم من القوى الشرائية للمؤسسات المحلية، ولكن المخاوف من تأثير هذا المرض على الاقتصاد العالمي ما زالت قائمة.
وسجل المؤشر الرئيسي إي جي إكس 30 ارتفاعا بنسبة 1.42%، ليتداول عند مستوى 12395 نقطة بينما ارتفع مؤشر إي جي إكس 100 الأوسع نطاقًا بنسبة 0.71%، في حين لم يسجل مؤشر إي جي إكس 70 متساوي الأوزان أي تغيير.
يأتي ذلك بعد يوم واحد من انخفاض مؤشر البورصة المصرية الرئيسي إي جي إكس 30 مع بدء تداولات الأسبوع بنسبة 6.04%، مستكملًا مسيرة الخسائر التي بدأها في فبراير/ شباط الماضي. وتحت وطأة المبيعات القوية في السوق اضطرت البورصة المصرية لوقف التداول لمدة نصف ساعة بسبب انخفاض المؤشر الأوسع نطاقا إي جي إكس 100 بنسبة 5%.
وكان الغالب على أداء مؤشر إي جي إكس 30 الهبوط منذ جلسة 9 فبراير عندما كان عند مستوى 14.108 نقطة، وتزامن هذا الاتجاه النزولي مع الأنباء الدولية عن تفشي وباء كورونا، وإعلان مصر عن ظهور أول حالة إصابة بهذا المرض في 14 فبراير، ليصل المؤشر في أولى جلسات مارس إلى مستوى 12.222 نقطة.
وتعود خسائر السوق في جلسة اليوم بشكل رئيسي إلى اتجاه الأجانب لبيع الأسهم، فبحسب بيانات البورصة المصرية سجل المستثمرون الأجانب مبيعات صافية بقيمة 3936.3 مليون جنيه، وكذلك سجل العرب مبيعات صافية بقيمة 148.2 مليون جنيه، بينما كان المصريون أكثر إقبالا على الشراء إذ سجلت تعاملاتهم مشتريات صافية بقيمة 4084.6 مليون جنيه.
والمقصود بتسجيل الأجانب مبيعات صافية هو أن حصيلة الفرق بين عمليات الشراء والبيع التي قامت بها هذه الفئة من المستثمرين كانت في صالح بيع الأسهم.
وباء يضرب الاقتصاد أيضًا
مع تزايد انتشار فيروس كورونا، بدا أن هناك حالة من الذعر تغلب على أسواق المال وكان طبيعيًا أن تنعكس على السوق المصرية، حيث منيت البورصات العالمية خلال الأسبوع الماضي بخسائر تعيد إلى الأذهان خسائر الأسهم عندما احتدمت الأزمة المالية العالمية في 2008.
وقالت رويترز تعليقا على هذه الخسائر إن "إعاقة الرحلات الدولية وسلاسل الإمداد، وإغلاق المدارس وإلغاء فعاليات كبرى، أضفت رؤية سوداوية على الاقتصاد العالمي الذي كان يعاني من آثار الحرب التجارية بين أمريكا والصين".
والمقصود بالحرب التجارية هنا، المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في فرض الرسوم الجمركية التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال الفترة الماضية، والتي بدأتها إدارة دونالد ترامب للضغط على الصين بهدف الحد من صادراتها إلى الولايات المتحدة وحماية الصناعة الأمريكية من المنافسة.
وكانت البورصات الدولية قلقة من تأثير هذه الحرب على تدفق التجارة العالمية وتأثيرها السلبي على النمو الاقتصادي العالمي، وجاء كورونا ليزيد من هذه المخاوف، حيث تسبب الفيروس في تعطيل العمل في العديد من المنشآت الصينية.
هل يتسبب كورونا في ركود عالمي؟
ظهرت آثار كورونا بشكل واضح على أداء الاقتصاد الصيني في الفترة الأخيرة، حيث ذكرت وكالة شينخوا الصينية أن مؤشر مديري المشتريات للقطاع الصناعي هوى إلى 37.5 نقطة في فبراير من 50 نقطة في يناير/ كانون الثاني الماضي، متأثرا بما تسبب فيه هذا الوباء من إلغاء بعض التعاملات أو التأخير في التسليم.
ويعد توفير التمويل والتكنولوجيا للعديد من المصانع لتصبح قادرة على العمل في ظل هذا الوباء، هو التحدي الرئيسي أمام الصين في الوقت الحالي للحد من آثار كورونا على الاقتصاد.
ومن سوء الحظ أن يأتي تفشي كورونا بالتزامن مع وصول ترامب لاتفاق مع الصين لإنهاء الحرب التجارية، فالاتفاق الذي توصل إليه الطرفان في يناير الماضي كان يتمحور حول التزام الصين بشراء سلع أمريكية إضافية بقيمة 200 مليار دولار للحد من العجز التجاري لواشنطن. لكن الارتباك الذي أصاب الصين مع انتشار هذا الوباء جعل البعض يتشكك في مدى قدرتها على الالتزام بهذا الاتفاق.
ويرى مراقبون أن الأزمة التي قد ينتجها فيروس كورونا ستكون أصعب من أزمة 2008، حيث تشير وكالة بلومبرج إلى أن الأزمة المالية كانت بالأساس أزمة طلب أما أزمة كورونا فهي أزمة عرض، وتمثل الأخيرة تحدٍّ أكبر أمام البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفدرالي) لمواجهتها.
والمقصود هنا بأن أزمة 2008 كان أزمة طلب هو أن هذه الأزمة تسببت في اقتراب البنوك من الانهيار وانخفاض أسعار المنازل مما أدى إلى انخفاض الدخول المتاحة ومن ثم ضعف القدرة على الاستهلاك والاستثمار، وهو ما قاد الاقتصاد للركود.
لكن أزمة كورونا تسببت في انخفاض مفاجئ في المعروض من الإنتاج الصيني وفي إعاقة حركة السفر، وهي مشكلات لن تستطيع الولايات المتحدة أن تحلها بأساليب الأزمة القديمة التي تعتمد على ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد لتحفيز النشاط الاستثماري والاستهلاك.
هل يمتد تأثير الأزمة لما هو أبعد من البورصة؟
هناك عدة آثار سلبية وأخرى إيجابية تتعلق بانخفاض محتمل لأسعار النفط، نقلتها بعض المواقع الصحفية في مصر، ربما يكون التأثير السلبي الأسوأ على الإطلاق هو ارتفاع تكاليف الشحن.
فقد أعلنت شركات الملاحة رفع أسعار الشحن من مصر مطلع الشهر الحالي بين 30 و70%، في ظل حالة الارتباك التي تسبب فيها فيروس كورونا.
ويساهم ذلك في الحد من فرص مصر في التصدير، حيث يتسبب في زيادة تكلفة المنتج المصري في السوق العالمية، في الوقت الذي تكافح فيه مصر من أجل توسيع نطاق صادراتها بالنظر إلى أن الصادرات غير البترولية لم تحقق الاستفادة التي كان يتوقعها الخبراء من تعويم الجنيه في 2016.
العنصر السلبي الثاني يتعلق بالعملة المحلية، فقد أشار موقع إخباري إلى وجود موجة من تخارج المستثمرين الأجانب من استثماراتهم في الديون الخاصة بالأسواق الناشئة، وأن هذا التوجه أثر على مصر وتسبب في ارتفاع سعر الدولار خلال بعض الجلسات نهاية الشهر الماضي
ولكن في الوقت نفسه فإن ضعف الإنتاج في الصين، حسبما نقلت صحيفة اقتصادية عن وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال، سيساهم في الحد من الطلب الدولي على النفط، ومن ثم في تخفيض أسعاره ما سيقلل من تكاليف استيراد النفط على الخزانة العامة في مصر.