بوتيرة سريعة؛ ينتشر فيروس كورونا حول العالم وفي مصر لتطور معه الخسائر الراهنة والمحتملة على الاقتصاد، نحاول في هذا التقرير تقديم حصر مبدئي بهذه الخسائر المؤكد منها والمحتمل وتحديدًا الخسائر المرتبطة بتدفقات النقد الأجنبي لمصر.
س: ماذا سيحدث للعاملين في الخليج؟
ج: الحظر المؤقت لن يضر.
تسبب فيروس كورونا في حالة من الارتباك بشأن تدفق رحلات السفر من مصر إلى بلدان الخليج، حيث أعلن عدد من هذه الدول إجراءات تقييدية للسفر إليها من مصر، وهي الإجراءات التي قد تعوق هجرة العمالة المصرية إلى الخليج، في ظل اعتماد شريحة واسعة من العاملين على هذه المنطقة كسوق أساسية لجني الدخول.
وتمثلت ذروة هذه الإجراءات المُقيدة للسفر فيما أعلنته السعودية هذا الأسبوع بشأن تعليق سفر المواطنين والمقيمين مؤقتًا من وإلى 9 دول بينهم مصر، للسيطرة والحد من انتشار فيروس كورونا.
بجانب قرار مجلس الوزراء الكويتي قبل أيام بوقف جميع رحلات الطيران القادمة من والمغادرة إلى عدد من الدول بينها مصر، على أن ينتهي هذا الإجراء في 13 مارس/ آذار الجاري.
هذه الإجراءات، لحسن الحظ، مؤقتة، وإذا تمت السيطرة على الفيروس في الأجل القريب ولم تضطر هذه البلدان لاتخاذ مثل هذه التدابير مجددًا سيكون أثر " كورونا " على الهجرة للخليج محدودًا، لذا فمصير العمل في هذا السوق مرهون بقدرة العالم على تطوير آلياته لمكافحة انتشار هذا المرض أو اختراع دواء له.
بجانب إجراءات منع السفر؛ يبدو أن إجراءات الهجرة للخليج من مصر ستكون أصعب، بالنظر إلى اشتراط السعودية والكويت تقديم شهادات تفيد عدم الإصابة بالكورونا، وتجربة اليوم الأول في مصر في إجراء مثل هذه الفحوصات كشفت عن عدم استعداد مصر لتنفيذ هذا الفحص على أعداد كبيرة، الأمر الذي تسبب في حالة من الاحتشاد والتزاحم أمام المعامل المركزية لإجراء تحاليل فيروس كورونا، وبالفعل تسعى الحكومة في الوقت الراهن لتنفيذ إجراءات تنظيمية لتيسير إجراءات هذه التحاليل.
كما أعلنت هيئة مكتب شعبة شركات الحاق العمالة المصرية بالخارج عن تشكيل لجنة طوارئ لمتابعة كافة التطورات المتعلقة بفيروس كورونا، وتأثيرات الإجراءات التي تتخذها الدول المستضيفة للجالية المصرية بالخارج.
يمثل سوقي السعودية والكويت بلدين في غاية الأهمية بالنسبة للعمالة المصرية المهاجرة للخارج، خاصة بعد تراجع دور السوق الليبي مع تفاقم الحرب الأهلية في البلاد.
وكما يظهر في الرسم التالي المقتبس من دراسة لمنتدى البحوث الاقتصادية حظيت السعودية والكويت بأعلى نسبة من العمالة المهاجرة في 2018، بنسبة 41.3% و 28.7% على التوالي، والنتائج الواردة في الرسم مبنيّة على مسح سوق العمل الذي يصدره المنتدى بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
بحسب بيانات رسمية في عام 2017 يبلغ إجمالي عدد المصريين المقيمين في الخارج نحو 9.5 مليون مواطن معظمهم في البلدان العربية وتحديدا في السعودية التي يعمل بها 2.9 مليونا.
هذه البيانات توضح إلى أي مدى يمكن أن يتسبب حظر السفر إلى بلدان الخليج في التأثير على أحوال الأسر المصرية التي تعتمد على التحويلات الواردة من ذويها ممن يعملون في هذه الأسواق.
بحسب دراسة لمنتدى البحوث الاقتصادية حوالي 11% من الأسر المصرية يعمل أحد أفرادها في الخارج.
وتعد إقامة المهاجرين في هذه البلدان مؤقتة في الكثير من الأحيان، الأمر الذي يتطلب سهولة السفر من وإلى هذه البلدان ويجعل من معوقات السفر إليها أمرًا شاقًا، خاصة وأن دراسة منتدى البحوث، المشار لها في الفقرة السابقة، تخبرنا أن المسافرين للعمل في 2018 كان الغالب عليهم حالات الزواج، وفي نفس الوقت كانوا أميل للسفر بمفردهم.
ولا يمثل السفر بغرض العمل في الخليج أهمية للأسرة العامل فقط، ولكن للاقتصاد المصري في مجمله، بالنظر إلى ما تمثله تحويلات المصريين العاملين في الخارج من أهمية كمصدر رئيسي للتدفقات الدولارية. فبحسب آخر النشرات الشهرية للبنك المركزي فقد بلغت قيمة هذه التحويلات خلال العام المالي الماضي 25.1 مليار دولار، أي ما يقرب من خمسة أضعاف إيرادات قناة السويس في نفس السنة.
اقتصاد الخليج نفسه يواجه مخاطر حالية بالنظر إلى اعتماده القوي على إيرادات النفط، والانهيار العنيف في أسعار الخام، مما سيكون له تأثير على اقتصاد هذه البلدان الأمر الذي قد ينعكس على سوق العمل لديها ومعدلات الطلب على العمالة.
فقد سجلت أسواق النفط خلال إحدى جلسات الأسبوع الجاري أسوأ خسائرها منذ اندلاع حرب الخليج في 1991، ويعود جزء من خسائر النفط إلى ضعف الطلب العالمي نتيجة تعطل عمليات الإنتاج بسبب انتشار الفيروس، ولكن الانهيار الأخير يعزى إلى حرب الأسعار في السوق، حيث فشل كبار المنتجين، السعودية وروسيا وآخرين، في الاتفاق على تخفيض الإنتاج مع ضعف الطلب.
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد شمس، إن حرب الأسعار الجارية في سوق النفط هي "صراع صفري لن يخدم مصالح أي طرف" بحسب ما ذكره على حسابه على فيسبوك.
س: ماذا سيحدث للسياحة؟
ج: تأثيرات سلبية مؤكدة.
جاء اكتشاف 12 حالة مصابة بـ كورونا على متن باخرة نيلية قادمة من أسوان ليلقي بالظلال الكئيبة لهذا الفيروس على نشاط السياحة الذي ما لبث أن يتعافى من تباطوء في الإيرادات أصابه خلال السنوات الأخيرة بسبب عمليات إرهابية.
بينما رأت وزيرة الصحة المصرية أن "قطاع السياحة المصري آمن ولا داعي للمبالغة في ردود الأفعال"، نقلت صحيفة المال عن رئيس غرفة شركات السياحة قوله إن "هناك انخفاضا بنسب بين 70 إلى %80 فى حجم الحجوزات الجديدة للمقصد المصري، خلال هذه الفترة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بسبب فيروس كورونا".
كما نقل موقع زاوية عربية عن نائب رئيس البحوث بالمجموعة المالية هيرميس قوله إن "قطاع السياحة المصري سيتأثر سلبًا بانتشار فيروس كورونا خاصة خلال الربعين الثاني والثالث من العام الجاري".
وبلغت إيرادات السياحة خلال العام المالي الماضي 12.5 مليار دولار، وهو ما يمثل ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بما كان يجنيه هذا القطاع خلال الفترة التالية لحادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء 2015.
س: ماذا عن الأموال الساخنة في البورصة؟
ج: انسحابات جديدة
الاستثمارات الساخنة تأثرت بكورونا أيضًا، وبات هذا التأثير واضحًا على البورصة المصرية، التي سيطر الانخفاض على مؤشرها الرئيسي خلال الفترة الأخيرة، وهوى في جلسة الاثنين بأكثر من 7%.
وجاءت الخسائر المدوية اليوم بدفع من مبيعات المستثمرين الأجانب الذين سجلوا مبيعات صافية في هذا اليوم بقيمة 136.4 مليون جنيه، بجانب المبيعات الصافية للمستثمرين العرب بقيمة 93.1 مليون جنيه.
هذا بالإضافة إلى عمليات التخارج المحتملة للمستثمرين الاجانب من أدوات الدين المصرية، وهي كلها تداعيات لحالة الاضطراب القوية في السوق العالمي بسبب كورونا.
س: ماذا عن النشاط الإنتاجي؟
ج: ضغوط من قطاع الشحن.
أما عن تأثير كورونا على النشاط الإنتاجي فهو لم يتضح حتى الآن بالنظر على أن قرارات المستثمرين في هذا المجال لا تكون بسرعة قرارات العاملين في الاستثمارات الساخنة.
لكن كما أشرنا في تقرير سابق فإن تأثير الفيروس على تكاليف الشحن تمثل ضغوطًا قوية على قطاع التصدير، هذا بجانب ما أشارت إليه تقارير صحفية أخيرة إلى تأثير الفيروس على تدفق مستلزمات الإنتاج للصناعة المصرية، فقد تسبب كورونا في تعطيل عمليات الصناعة في العديد من البلدان ومن أبرزها الصين، وتعتمد مصر بدرجة كبيرة على استيراد المكونات الصناعية وتجميعها لإنتاجها كمنتجات نهائية موجهة للسوق المحلي والدولي.
وبلغ إجمالي الصادرات المصرية غير البترولية خلال العام المالي السابق 16.9 مليار دولار منخفضة عن قيمة الصادرات في العام الأسبق 2017-2018 ولكن بمعدلات طفيفة.