"تم الإرسال من جهاز سامسونج" عبارة اختتمت بها مذيعة قناة إكسترا نيوز خبر وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، في 17 يونيو/ حزيران الماضي. ربما تكون تلك العبارة من أشهر ما استخدم لانتقاد الإعلام المصري- لاسيما الموالي للسلطات- خلال عام 2019.
قد يقارب عبارة "السامسونج" في الشهرة عبارات أخرى مثل "الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة"، واللتين تُشكّلان الاتهامات الأبرز الموجهة للصحفيين ضمن عمليات قبض واسعة تعرضوا لها بالتوازي مع زيادة عدد المواقع الصحفية المحجوبة خلال 2019.
العام الذي شهد فيه الإعلام المصري وقائع وقرارات تستعرضها المنصّة في ختامه.
مزيد من سُجناء الصحافة
لم تتوقف أوامر القبض على الإعلاميين خلال هذا العام، بعضهم تعرضوا للاختفاء أولًا ثم ظهروا في النيابة كمتهمين على ذمة قضايا أغلبها مُصنّف أمن دولة، باتهامات لم تخل في كل القضايا من تهمتين رئيسيتين وهما "الانضمام لجماعة إرهابية، وبث أخبار كاذبة".
وفقًا لتقرير أعدته مؤسسة حرية الفكر والتعبير، مثّل احتجاز وحبس الصحفيين "النمط الأكثر شيوعًا من انتهاكات حرية الإعلام، خلال الفترة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول 2019"، كان أبرزها وقائع إلقاء القبض على 5 صحفيين على خلفية تظاهرات 20 سبتمبر، وهم عمر هشام، وعبد الله غنيم، وإسلام مصدّق، وإنجي عبد الوهاب، ومحمد أكسجين.
من بين الصحفيين المقبوض عليهم الصحفي بالأهرام والرئيس السابق لحزب الدستور خالد داوود، وذلك يوم 25 سبتمبر، ليُدرج بعدها في القضية 488 لسنة 2019، والمعروفة إعلاميًا بـ"قضية الصفافير"، والتي يحاكم فيها مجموعة أشخاص على خلفية دعوة أطلقها الإعلامي الموالي لجماعة الإخوان المسلمين، معتز مطر، في مارس/ أذار الماضي، طالب فيها المواطنين بإطلاق صافرات في وقت واحد للاحتجاج على نظام الحكم، وهي واحدة من أبرز القضايا التي تضم صحفيين مثل مراسل وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية مصطفى الخطيب، والصحفي بجريدة روزاليوسف أحمد شاكر، وإسراء عبد الفتاح، وسُلافة مجدي وحسام الصياد ومحمد صلاح.
من ناحية أخرى كان السجن يأتي على خلفية العمل الصحفي، وهو ما تعرض له الصحفيان محمد مصباح جبريل وعبد الرحمن عوض عبد السلام، اللذان ألقي القبض عليهما في يناير/ كانون الأول 2019، وتم ضمهما للقضية 1365 لسنة 2018، بعد إجرائهما مقابلة صحفية مع البرلماني السابق ورئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات.
وبخلاف المقبوض عليهم، تعرّض صحفيون آخرون للانضمام لقضايا جديدة بخلاف المتهمين فيها، مثلما حدث للصحفي حسن القباني المقبوض عليه في 26 نوفمبر عقب انتهائه من أداء التدابير الاحترازية بقسم شرطة 6 أكتوبر، وتم ضمه لقضية جديدة هي 1480 لسنة 2019.
الأمر نفسه وقع لمراسل قناة الجزيرة محمود حسين، فرغم تأييد قرار إخلاء سبيله بتدابير احترازية في 25 مايو، بعد حبسه أكثر من عامين على ذمة القضية 11152 لسنة 2016، لم تطلق السلطات سراحه، وضمته لقضية جديدة هي 1360 لسنة 2018.
شهر مايو الذي كان مفترضًا أن يشهد أيضًا إطلاق سراح مراسل الجزيرة، هو نفسه الذي ألقى فيه اﻷمن القبض على الدكتور خالد عزب، مدير المشروعات بمكتبة الإسكندرية، وقررت النيابة حبسه احتياطيًّا على ذمة التحقيقات لاتهامه بـ"نشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".
الاحتجاز أمر لم يتعرض له الصحفيين فقط، بل طال في بعض الأحيان أفرادًا من أسر الصحفيين كما وقع للشاب عمر ابن رئيس تحرير صحيفة وموقع "المشهد" مجدي شندي، وذلك في سبتمبر الماضي، الذي شهد ضمه للقضية 1331 لسنة 2019.
توقيف وترحيل
اتسعت دائرة التضييق على الصحفيين إلى مساس حق التنقل، هذا العام كان مطار القاهرة مسرحًا لوقائع ترحيل أو احتجاز، كما كان في 11 أبريل/ نيسان، حين منعت السلطات الأمنية المدير السابق لمكتب قناة العالم، أحمد السيوفي، من السفر إلى لبنان دون إبداء أسباب، بجانب سحب جواز سفره.
على العكس من السيوفي، قررت سلطات المطار نفسه في 18 فبراير/ شباط، توقيف مراسل صحيفة نيويورك تايمز، ديفيد كيركباتريك، واحتجازه لسبع ساعات قبل إجباره على العودة إلى لندن.
وشهد مطار القاهرة توقيف الصحفي يسري مصطفى، في 16 أبريل 2019، أثناء سفره لأداء العمرة وعقب حصوله على تأشيرة الخروج، حينها تم اقتياده لجهة غير معلومة، وظهر في 3 يوليو كمتهم في القضية 441 لسنة 2018.
بالمثل، ألقت سلطات المطار القبض على الصحفي أحمد جمال زيادة، عقب عودته من تونس، ليظهر بعد اختفاء أسبوعين كواحد من المتهمين القضية 67 لسنة 2019، قبل أن يُخلى سبيله في 2 مارس/ أذار بكفالة 10 آلاف جنيه.
عقوبات تكميلية
لم تخلو وقائع التضييق من فرض إجراءات عقابية تكميلية على صحفيين كالتدابير الاحترازية المفروضة على المصورة زينب أبو عونة، المخلي سبيلها على ذمة القضية441 لسنة 2018، والمراقبة الشرطية المفروضة على المصور محمود أبو زيد (شوكان) لخمس سنوات، بالمساواة للمدة التي قضاها سجينًا بقضية "فض رابعة"، قبل الإفراج عنه في مارس 2019.
السنوات الخمس التي قضاها "شوكان"، هي المدّة العقابية نفسها التي قضت بها محكمة عسكرية في فبراير/ شباط 2019 ضد الناشر خالد لطفي، مدير ومؤسس مكتبة ودار نشر "تنمية"، بعد إدانته بـ"إفشاء أسرار عسكرية، وبث شائعات"، بسبب إعادة نشره كتاب "الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل" عن حياة أشرف مروان، صهر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
والمثول أمام القضاء العسكري أمر تعرّض له أيضًا الكاتب علاء الأسواني، وفق ما كشفه في مقال له بتاريخ 19 مارس، وذلك بتهمة "إهانة الرئيس، والتحريض ضد النظام"، بسبب روايته الأخيرة "جمهورية كأن" الممنوعة في مصر.
حجب بالمئات
منع مقالات وكتب الأسواني في مصر، ليس بالاستثناء، فحين يأتي الكلام على الحظر والحجب، فإن أعداد المواقع الصحفية بالمئات، ومن بينها "التحرير" الذي أعلنت إدارته في 23 يونيو/ حزيران، إغلاقه "لظروف قهرية خارجة عن إرادتها"، بعد أكثر من شهر على حجبه دون إبداء أسباب، وذلك قبل قليل من إعلان وقف إصدار العدد الورقي أيضًا.
حجب المواقع ظهر بصورة بارزة في الأيام التي تلت احتجاجات 20 سبتمبر، إذ تعرّضت النسخة العربية لموقعي بي بي سي والحرة للحجب، بعد يومين فقط من إعلان المجلس الأعلى للإعلام في 19 سبتمبر، تطبيق عقوبة الحجب والغرامة على "مَن ينشر الشائعات".
وعلى الرغم من ذلك الإعلان، علّق رئيس المجلس مكرم محمد أحمد، على حجب الموقعين بقوله إنه "لم يُخطر بشكل رسمي بأسماء المواقع المحجوبة، لكن المعلومات الأولية تؤكد حجب مواقع بسبب نشر أخبار غير دقيقة عن المظاهرات".
شهد يوم 22 سبتمبر حجب مواقع مثل "أريج" الخاص بالصحافة الاستقصائية، وفي يوم 26 من الشهر نفسه تم حجب موقع "حبر" الأردني بعد نشره خبر عن القبض على مواطنين أردنيين في مصر وظهورهما مع الإعلامي عمرو أديب وهما يعترفان بالمشاركة في مظاهرات 20 سبتمبر وتصويرها.
لكن التضييق على وسائل إعلامية، لم يقتصر على فترة 20 سبتمبر أو على الحجب بل امتد ليشمل اقتحام اﻷمن موقع مدى مصر، واحتجاز 4 من صحفييه، يوم 24 نوفمبر، وعقب ساعات من القبض على زميلهم شادي زلط من منزله، ليطلق سراحهم جميعًا فيما بعد من قسم شرطة الدقي.
تقدّر مؤسسة حرية الفكر والتعبير عدد المواقع المحجوبة في مصر بـ546 موقعًا على الأقل، منذ بدء تطبيق هذا الإجراء وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، من بينها مواقع للصحافة المستقلة مثل مدى مصر والمنصّة، التي تقدمت إدارتها منذ شهور بالأوراق المطلوبة لإصدار التراخيص الخاصة بها، وسددت الرسوم المفروضة، ولم تتلق ردًا حتى تاريخ نشر التقرير.
منع من النشر
بجانب الحجب والاقتحام، كانت هناك قرارات بوقف طباعة صحف، كما حدث يوم 28 مايو/ أيّار، حين منع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام طباعة عدد جريدة الأهالي التابعة لحزب التجمع، بعد "اعتراض الرقيب على تحقيق صحفي بالعدد يتناول تفاصيل حصول بعض المُدانين في قضايا عنف على عفو رئاسي".
سبق تلك الواقعة "تدخلات من الرقيب" بحذف بعض الموضوعات في عددي 15 و22 مايو، كان اﻷول عن "تعديل وزاري تعمل عليه جهة سيادية"، والثاني عن "اتهام وزيرة سابقة في الحكومة وزوجة مصرفي حالي بالفساد"، وفق ما ذكره تقرير حقوقي بناءً على تواصل مع مسؤولين بالصحيفة.
.. والتغطية أيضًا
لم يقتصر التضييق ضد الصحفيين على المنع من النشر فقط بل امتد ليشمل التغطيات الميدانية أيضًا، خاصة خلال فترة التعديلات الدستورية، إذ استقبلت غرفة عمليات نقابة الصحفيين 3 شكاوى من 3 صحفيين في المصري اليوم والأسبوع والأهرام، "بمنعهم من تغطية عملية التصويت على التعديلات الدستورية في لجان بالقاهرة وأسوان".
فقط؛ في الشهر الذي شهد التعديلات الدستورية، رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير21 انتهاكًا ضد الصحفيين والإعلاميين "بين الاعتداء البدني، واقتحام مؤسسات، ووقف برامج ومنع طباعة صحف، ومنع من التغطية، وحجب مواقع".
من بين تلك الوقائع كان رفض الهيئة الوطنية للانتخابات منح تصاريح لصحفيي جريدة المشهد لتغطية الاستفتاء، دون إبداء أسباب.
أما من سُمح لهم بالتغطية، فلم يسلموا من التعرض لانتقادات، كما كان من الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية)، التي هاجمت صحيفة "الموندو" الإسبانية بسبب تقرير نشرته عن التعديلات الدستورية، تناول الجهات التي شاركت في إعدادها، ورصد لـ"توزيع مواد غذائية على بعض المصوتين".
المجلس والوزارة
كل ما سبق من قرارات سواء بمنع النشر أو التغطيات أو حجب المواقع، تشير إلى سلطات للمجلس على الإعلام، تبدو جلية في لائحة الجزاءات التي أصدرها المجلس خلال هذا العام، والتي بلغت العقوبة فيها حدّ 5 مليون جنيه غرامة، بالإضافة لعقوبات الحجب المؤقت أو الدائم، وإلغاء التراخيص نهائيًا.
لاقت هذه اللائحة انتقادات حقوقية، ﻷسباب كان منها أنها "عجَّت بالمصطلحات الفضفاضة غير الواضحة، والتي تحتمل تدخُّل الهوى الشخصي والسياسي في تفسيرها"، وفقًا لما ذكرته مؤسسة حرية الفكر والتعبير، والتي انتقدت في تقرير لها أمور تتعلق به، كان أبرزها "اختصاصات المجلس وصلاحياته".
وقبل أيام من انتهاء العام، قررت الحكومة عودة وزارة الإعلام بعد سنوات من إلغائها، واسندتها إلى أسامة هيكل، الأمر الذي واجه انتقادًا من رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد، الذي وصفها بأنها ستكون "وزارة بلا صلاحيات".
توسعات المتحدة
بينما كانت المساحات تتقلص أمام المواقع الصحفية، كان كيان آخر هو شركة إعلام المصريين، التابعة لمجموعة شركات المتحدة للخدمات الإعلامية، والتي يشارك في ملكيتها جهات سيادية، تشهد توسّعات أبرزها إطلاق قناة "تايم سبورت" لنقل مباريات كأس الأمم الإفريقية 2019، في صفقة بين المجموعة والهيئة الوطنية للإعلام، لم تعلن تفاصيلها.
إعلام المصريين هي الجهة التي استحوذت عام 2018 على مجموعة قنوات خاصة مثل سي بي سي وأون تي في والحياة وأخرى حكومية مثل شبكة راديو النيل. وخلال هذا العام امتدّ نفوذ الشركة الأم "المتحدّة"، حدّ أن أصبحت الأكثر إنتاجًا لمسلسلات رمضان 2019، عبر ملكيتها لشركة سينرجي.
لكن الأبرز، كان إطلاق إعلام المصريين منصة watch it، بهدف تحصيل أموال مقابل مشاهدة الجمهور للأعمال الدرامية التي تنتجها عبر الإنترنت. وزادت دعمها لهذه المنصةّ بتوقيع بروتوكول مع الهيئة الوطنية للإعلام، لمنح watch it حقوق عرض تراث التليفزيون المصري من مسلسلات وأفلام ومسرحيات بمقابل مادي، بعد أن كانت متاحة مجانًا عبر يوتيوب.
ورسالة سامسونج
وبجانب المؤسسات الإعلامية كان هناك إعلاميين آخرين معروفين بمواقف موالية للسلطة يرتكبون "تجاوزات"، وفق ما رصدته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في تقرير أصدرته في 28 يوليو 2019.
وثّق هذا التقرير، وعنوانه "بنشتم ونحرّض والدولة عارفة.. عن إعلام التحريض والتشهير في مصر"، وقائع اختلفت بين "السب والقذف، والتحريض على قتل معارضين"، وذكرت منهم إعلاميين مثل محمد الباز وأحمد موسى ودندراوي الهواري وعمرو أديب، بل ومكرم محمد أحمد، في فضائيات مثل صدى البلد و"تن" وصحف مثل الأهرام وروزاليوسف.
في تغطية وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، أنهت المذيعة بقناة إكسترا نيوز، نهى درويش، الخبر بقولها "وأكد المصدر أن جميع الوثائق التي تؤكد تقديم الرعاية الصحية له موجودة وسيتم تقديمها للجهات المعنية. تم الإرسال من جهاز سامسونج"، اﻷمر الذي واجه انتقادات وأثار تساؤلات حول "وجود إملاءات أمنية على الإعلام".