"السجن، والمنع من السفر، والاعتداءات البدنية، والتهديد، وحملات التشويه الإعلامي"، أوجه مختلفة لما تعرض له مدافعون عن حقوق الإنسان وغيرهم من مدونين وباحثين وصحفيين، على مدار العام الماضي، وفقًا لما رصدته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
أصدرت المنظمة الحقوقية، اليوم الثلاثاء، بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان تقريرًا تناول ما تعرضت له هذه الفئات من "انتهاكات" على مدار عام كامل منذ 11 ديسمبر/ كانون الأول 2018 وحتى 10 ديسمبر 2019، استنادًا لوقائع وثقتها الشبكة العربية ومؤسسات حقوقية أخرى.
السجن يتصدر
كانت عقوبة الحبس "في صدارة الانتهاكات التي تعرض لها المدافعين عن حقوق الإنسان"، وفقًا لتقرير الشبكة الذي قسّم العقوبة إلى "استمرار حبس أشخاص، أو إدانتهم بأحكام سجن، أو انضمام أسماء جديدة لقائمة سجناء الرأي".
تضمنت الإدانة بالحبس اثنين هما الناشطة أمل فتحي "الصادر ضدها حكمًا بالسجن سنتين، لإدانتها بنشر أخبار كاذبة وبث مادة مصورة تضمنت ألفاظ خادشة للحياء، بسبب نشرها فيديو تشكو فيه من التحرش"، والناشط أحمد دومة "الصادر ضده حكمًا بالسجن المشدد 15 عامًا وغرامة 6 مليون جنيه، بقضية أحداث مجلس الوزراء".
في المقابل، ألغت محكمة الجنايات، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حكمًا بالحبس ثلاث سنوات ضد المحاميين منتصر الزيات ومحمد منيب، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"إهانة القضاء"، بعد حبسهما على ذمة القضية لقرابة العام، وقررت تغريمهما 30 ألف جنيه، ومليون جنيه تعويض مدني.
على صعيد المحبوسين الجدد، كشف التقرير عن "32 حالة سجن لمدافعين عن حقوق الإنسان"، فيما وصفه بـ"تصاعد في عدد المدافعين الذين تعرضوا للسجن بسبب نشاطهم الحقوقي"، وذكر من بينهم نشطاء ألقي القبض عليهم في فترات مختلفة من هذا العام، مثل "الناشط العمالي كمال خليل، ومصطفى ماهر، وعبير الصفتي".
ووثقت المنظمة الحقوقية حالات ظهور أشخاص في النيابات كمتهمين، سواء بعد "اختطافهم" كما كان مع الصحفية إسراء عبد الفتاح ومؤخرًا الصحفيين محمد وليد، وسُلافة مجدي، وحسام الصياد، أو بعد "إخفائهم قسريًا" كما وقع للباحث إبراهيم عز الدين.
وعرض التقرير حالات قبض على صحفيين مثل خالد داوود الذي ما يزال قيد الحبس الاحتياطي على ذمة أحد القضايا، وأحمد جمال زيادة الذي أخلي سبيله مؤخرًا.
ومن بين الحالات التي رصدها تقرير الشبكة العربية، القبض على محامين أثناء تأدية عملهم بالحضور مع متهمين سواء بالمحاكم أو النيابات، كما وقع مع كل من "ماهينور المصري، ومحمد الباقر، وأحمد معوض".
وعرض التقرير حالات قبض جماعية، مثل التي وقعت في 25 يناير/ كانون الثاني 2019، حين ألقي القبض على عدد من حضور احتفالية بذكرى الثورة بمقر حزب الكرامة، كان منهم "الصيدلي جمال عبدالفتاح، والمحامي الحقوقي مهاب الإبراشي"، وظلوا قيد الحبس الاحتياطي حتى أخلي سبيلهم بتدابير في 22 يوليو/ تموز الماضي.
الحبس مستمر
في قسم آخر من التقرير، رصدت الشبكة حالات الحبس على ذمة قضايا كاشفة عن عدد قضايا أمن الدولة التي ما يزال الحبس الاحتياطي على ذمتها مستمرًا "تجاوز 1500 قضية هذا العام"، مشيرًا إلى أنه "في الغالب لا يتم إحالتها للقضاء، لكن يستمر تجديد الحبس خلال المدة القانونية - عامان - كتقنين للاعتقال السياسي".
ووفقًا للتقرير، خضع للحبس الاحتياطي خلال هذا العام 19 شخصًا من "المدافعين عن حقوق الإنسان"، كان من بينهم "عضو ائتلاف شباب ثورة يناير شادي الغزالي حرب، والمحاميان الحقوقيان سيد البنا ومحمد رمضان، والباحث أيمن عبد المعطي، وطبيب الأسنان وليد شوقي، والإعلامي الساخر شادي أبو زيد".
ولفت التقرير إلى حالات "تجاوز فيها المتهم مدة الحبس الإحتياطي القانونية"، وضرب عليها مثالاً بالصحفي ورئيس مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية هشام جعفر "الذي استمر حبسه منذ أكتوبر 2015 وحتى أبريل/ نيسان 2019، حين أخلي سبيله بتدابير احترازية، أي أن احتجازه قرابة 4 أعوام".
منع من السفر
بواقع 93 حالة موثّقة، ذكر التقرير أن السلطات "توسعت في إصدار قرارات المنع من السفر لعدد من رموز المدافعين عن حقوق الإنسان، جميعها في قضية خلية الأمل، وذلك ضد أشخاص من بينهم المحامي الحقوقي زياد العليمي، والصحفيين هشام فؤاد وحسام مؤنس".
في المقابل، كان للحقوقيين تحركات ضد قرارات سابقة بمنعهم من السفر، تمثلت في تقديمهم طعونًا ضدها، كما كان من 14 حقوقيًا منهم "جمال عيد، وعزة سليمان، ومزن حسن، وأحمد راغب، ومحمد زارع، وحسام بهجت"، وما يزال الطعن قيد التقاضي.
وتدابير احترازية
رصد التقرير أيضًا حالات فرض تدابير احترازية على 6 سجناء سابقين تتمثل في "قضائهم فترة معينة خلال أيام معينة داخل السجن التابعين له"، وانتقد "التوسع في تطبيقه، بصورة حولته لنوع من الرقابة، خاصة وأن بعضهم تعرض للاعتقال خلال أدائه التدابير، أو للاستجواب عن حساباته الشخصية وآرائه".
وتعرّض عدد من النشطاء لهذا الأمر، خلال خضوعهم للتدابير الاحترازية أو المراقبة على ذمة قضايا سابقة، ثم ضمهم لقضية أخرى جديدة، كما كان مع كل من المبرمج علاء عبد الفتاح والمحامي هيثم محمدين، والمدون محمد أكسجين.
ومن بين الخاضعين للتدابير الاحترازية على ذمة قضايا، كل من "الكاتب حسن حسين، والمحامي أحمد صبري أبو علم، وجمال عبد الفتاح".
اعتداءات بدنية
وفيما يخص الاعتداء البدني، رصد التقرير الحقوقي وقوع "اعتداءات" ضد 5 مدافعين عن حقوق الإنسان، اختلفت بين "بلطجة بوليسية في الشارع، وتعاملات حاطة بالكرامة، وتعذيب وخطف"، كان منها "تعرض مدير الشبكة العربية جمال عيد، لكسر في الضلوع، بعد تعدّي شخص مسلح عليه، وسرقته لهاتفه ومحاولته سرقة حقيبته"، وكذلك "تحطيم سيارة المحامية بالشبكة روضة أحمد، على يد مجموعة مسلحة تحمل لاسلكي، وفق شهود عيان".
ومن بين "الاعتداءات" التي رصدها التقرير كان "المعاملة اللا إنسانية" التي تعرّض لها كل من "الصحفيين سولافة مجدي وزوجها حسام الصياد وصديقهما محمد صلاح" أثناء القبض عليهم، وكذلك "إخفاء الباحث الحقوقي إبراهيم عز الدين لأسابيع، وتعرّضه لتعذيب جسدي ونفسي"، ذكره التقرير بالتفاصيل استنادّا إلى ما ذكره الباحث في تحقيقات النيابة.
اختفاء واحتجاز
بالإضافة لحالة إبراهيم عز الدين، وثّقت الشبكة حالات أخرى لـ"الإخفاء القسري"، كان منها ما تعرّض له الصحفي أحمد جمال زيادة والمحامي الحقوقي محمد الحافظ، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير.
وعرض التقرير لحالات "احتجاز غير قانوني"، كالتي وقعت لكل من المدون محمد أكسجين، والمحامي إبراهيم متولي، مؤسس رابطة المختفيين قسريًا "الذي تعرض للاحتجاز بشكل غير قانوني لمدة أسبوعين بعد إخلاء سبيله على ذمة أحد القضايا، ليتم التحقيق معه في قضية جديدة".
تضييقات مادية
اعتبر التقرير أن "المنع من التصرف في الأموال هو أحد طرق النظام للضغط على العاملين بالعمل الحقوقي".
وأفاد التقرير بانضمام شخصيات جديدة لقائمة الممنوعين من التصرف في أموالهم "بموجب حكم صدر في 4 أغسطس/ آب الماضي، بالتحفظ على أموال المتهمين في قضية مخطط الأمل".
من بين أوجه التضييقات المادية أيضًا، ما يتعرض له "المهتمين بالعمل الحقوقي من تهديد لمصدر رزقهم"، بصور من بينها "إحالة للتأديب بحق كل من المحامين محمد الباقر وأحمد عبد اللطيف وشروق سلام، بعد إثبات المحكمة انسحابهم خلال محاكمة لم تتوافر بها شروط المحاكمة العادلة".
في المقابل، رصدت الشبكة "حكمًا إيجابيًا" تمثّل في "رفض استئناف النيابة على رفض إحالة القاضيان هشام رؤوف وعاصم عبدالجبار إلى الصلاحية، بتهمة التعاون مع الحقوقي نجاد البرعي من أجل إعداد قانون لمنع التعذيب".
تشهير وتهديدات
وذكرت الشبكة العربية أن "حملات التشهير، لاسيما الإعلامية، ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، تصاعدت وتوسعت لتبلغ حد التحريض على القتل"، وذلك في ظل ما سمّته بـ"الإفلات من العقاب، والذي بلغ حد احتضان الدولة لهذه الحملات عبر انطلاقها من الصحف الرسمية والمواقع والقنوات الفضائية المقربة من السلطة".
وكان من بين من طالتهم هذه الحملات أشخاص خارج مصر مثل "الحقوقي بهي الدين حسن، والفنانين عمرو واكد وخالد أبو النجا، واﻷكاديمي خالد فهمي، واﻷديب علاء الأسواني"، وآخرين داخل مصر منهم "حقوقيين مثل عايدة سيف الدولة، وعزة سليمان، ومحمد زارع"، و"صحفيين مثل خالد البلشي، ومحمود كامل، وعمرو بدر".
أما التشهير، فذكر التقرير الحقوقي أن من بين من تعرضوا له "مؤسسات مثل مركز النديم، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان".
شعاع أمل
وعلى الرغم مما رصدته الشبكة العربية في تقريرها السنوي من "تضييقات"، إلاّ أنها أشارت إلى وجود "شعاع أمل"، يتمثل في إنجازات بعض الحقوقيين.
وكان من بين هذه الإنجازات "حصول مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب على الجائزة الفرنسية الألمانية لحكم القانون وحقوق الانسان لعام 2019، تقديرًا لنشاطه".
واختتم التقرير بالإشارة إلى جائزة أخرى هي "برونوكرايسكي"، التي حصلت عليها الناشطة الحقوقية أمل فتحي "بالرغم من حبسها"، وذلك "تقديرًا لمجهودتها في دعم الحقوق، وحقوق المرأة بشكل خاص".