عالجت السينما المصرية مرض الإيدز بسطحية شديدة، ومن أشهر الافلام التي تناولت المرض فيلم الحب في طابا، بطولة هشام عبد الحميد وممدوح عبد العليم ونجاح الموجي ووائل نور.
تدور أحداث الفيلم حول قصة ثلاثة شبان سافروا طابا، ودخلوا في علاقات جنسية مع سائحات، ليكتشفوا لاحقًا أن الثلاثة مصابات بالإيدز.
الفيلم مليء بالتناقضات والأفكار الغريبة، مثل التركيز على الخيانة الزوجية أو العلاقة مع اﻷجانب كمصدر للمرض، إضافة إلى إظهار الفيلم لمريض الإيدز كمنحرف أخلاقيًا، وكأن الرسالة هي "يستاهل"، فلا تعاطف ولا علاج يستحقه. يمثل الفيلم وثيقة جيدة للتعامل الإعلامي مع المرض وقت إنتاجه في مطلع التسعينيات.
في مصر، يبلغ عدد المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة (اﻹيدز) حوالي 22 ألفًا، من بينهم حوالي 6400 سيدة أعمارهن فوق الخمس عشرة سنة. بينما نسبة التغطية الصحية للبالغين والأطفال الذين يتلقون الأدوية المضادة للفيروس 31 % فقط. وفي سياق منع انتقال العدوى من اﻷم للطفل، تبلغ نسبة النساء الحوامل اللاتي يتلقين العقاقير المضادة للفيروس 16 %.
ووفقًا للأمم المتحدة، بلغ عدد مصابي اﻹيدز في 2018 حول العالم 37.9 مليون شخص، منهم 23.3 مليون فقط يتلقون العلاج المضاد للفيروس.
لا بيانات
ومن المشكلات الخطيرة التي نقابلها في مصر عدم وجود قاعدة بيانات رسمية منشورة ومتاحة، بشكل دوري، تضم كل أعداد المصابين، باستثناء الأرقام التي يعلن عنها المسؤولون فقط في حواراتهم الصحفية أو التلفزيونية.
وتسجّل وزارة الصحة الحالات التي تبلغ بها، ولكنها أعدد قليلة مقارنة بالأعداد التقديرية المعلنة من جهات دولية، فيما تُصدِر منظمة الصحة العالمية كل عام بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للإيدز تقديرًا سنويًا للحد الأدنى والحد الأقصى من الإصابة بالمرض.
ومن العوائق التي تحد من جهود البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز هي اعتبار الواقي الذكري "حرز" في قضايا "اعتياد ممارسة الفجور". يقول تقرير المصيدة عقاب الاختلاف الجنسي في مصر؛ "وبعيدًا عن حق الأفراد في اختيار وسائل الحماية التي يقررونها لأنفسهم، وأن وجود الواقيات الذكرية في حوزة الأفراد لا يجوز بأي حال اعتباره دليلًا أو حرزًا على ما يسمى باعتياد الشخص على ممارسة الفجور، وأن في ذلك تعديًا على حريات الشخص وحقوقه الجنسية والإنجابية، فإن هذا التجريم غير المباشر للواقي الذكري يعد دليلًا على انعدام التنسيق بين الوزارات المختلفة في مكافحة انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة".
يضيف التقرير الذي أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "إذ تصنف وزارة الصحة والبرنامج الوطني للإيدز الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، ضمن الفئات المفتاحية الواجب استهدافها بالتوعية والتعليم والحماية، ذلك لأنها من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة".
ويوضح التقرير "أثبتت السنوات الأخيرة أنه على الرغم من ضعف نسب انتشار الفيروس، إلا أن هناك تمركزًا بين الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال وكذلك متعاطي المخدرات بالحقن، كما أن مصر من الدول القليلة التي تزداد فيها باضطراد نسب الإصابات الجديدة، على عكس دول كثيرة في العالم نجحت في الحد من الإصابات الجديدة".
ويشير التقرير إلى "ترتكز استراتيجية الوقاية التي تتبناها الحكومة في تعاملها مع الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال بشكل أساسي على ترويج الواقي الذكري والمزلجات، إلى جانب تقليل الوصم والتمييز والعمل على تقليل أنواع العدوى المنقولة جنسيًا، ومن هنا يبدو استخدام الواقي الذكري ضمن الأحراز خطرًا لأنه يشجع المثليين، وذوي الميول الجنسية غير المقبولة اجتماعيّا بشكل واسع، على التخلي عن وسيلة حماية أساسية في سبيل حماية أنفسهم من خطر القبض عليهم كما أنه هدم لجهود وزارة أخرى (وزارة الصحة) في نفس الحكومة، للسيطرة على انتشار الأمراض المنقولة جنسيًا".
ويشدد التقرير على أن "الطريقة التي تطبق بها القوانين في مصر تمثل عائقًا أمام جهود الوقاية والحماية المتضمنة في البرنامج الوطني للإيدز، بخاصة في ظل استخدام الشرطة للواقي الذكري كدليل على اعتياد الفجور، وهو ما من شأنه أن يقوض من الجهود الرامية لتقليل المخاطر وكذلك الاستراتيجيات الوقائية".
اﻹيدز كأداة سياسية
كثيرًا ما يستخدم اﻹيدز كوصم وأداة تنكيل بالخصوم السياسيين بدلًا من التعامل معه كمرض. في كتاب مقدمة قصيرة عن الإيدز يوضح المؤلف آلن وايتسايد أن الأثر السياسي للإيدز هو أمر حديث نسبيًا، فيمكن للمرض أن يُستغل في قضية سياسية أو انتخابية.
وفي أوغندا، استغل الرئيس يوري موسيفيني مرض اﻹيدز في وصم المرشح المنافس له كيزا بيسيجي، في انتخابات 2001، ليفوز بضربة قاضية في واحدة من الانتخابات المعروف نتيجتها مُسبقًا.
وعلى الرغم من تخصيص وزارة الصحة لخط ساخن لمرضى اﻹيدز لتلقي العلاج، إلا أن الموقف السياسي تجاه المرض ظل يحكمه الحس اﻷمني، وفي اجتماع الأمم المتحدة رفيع المستوى بشأن فيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز (2006) كان لممثلي الحكومة المصرية موقفًا معارضًا لتضمين الإعلان السياسي "لأية أهداف كمية محددة أو محطات زمنية لضمان الحق في الحصول على العلاج والوقاية والدعم".
كما عارضت مصر أن يتضمن الإعلان إشارة إلى أن الوباء ينتشر بشكل أسرع بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، التي تضم النساء والشباب ومتعاطي المخدرات عن طريق الحقن والعاملات في الجنس التجاري وممارسي الجنس المثلي، لما يتبع ذلك من استحقاقات صحية للفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، مثل توفير الأدوية الجنيسة أو الوصول إلى العوازل الطبية وأجهزة الحقن المعقَّمة والتزام الدولة بالحد من الأضرار المرتبطة بتعاطي المخدرات.
بالرجوع للبيان الصحفي الصادر حينها من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، نفهم أكثر عن كواليس الموقف المصري، حيث كان هذا الموقف بعد عقد قمة لرؤساء الدول والحكومات الأفريقية، التي انعقدت في أبوجا بنيجيريا من 2 إلى 4 مايو/ أيار 2006، وخلصت إلى اعتماد وثيقة شديدة الأهمية بعنوان "الموقف الأفريقي المشترك من اجتماع الأمم المتحدة بشأن الإيدز". وتضمنت أهدافًا محددة لمواجهة المرض، وبرنامجًا زمنيًا لتحقيق هذه الأهداف، وتعهدًا من الدول الأفريقية بضمان احترام حقوق الإنسان والمرأة، والوصول إلى أكثر الفئات عرضة للإصابة بالفيروس لحمايتها وحماية المجتمع.
ولكن فور بدء المفاوضات بين الدول الأعضاء بالأمم المتحدة من أجل اعتماد الإعلان السياسي الصادر في ختام القمة، تراجعت الحكومة المصرية عن تأييد وثيقة أبوجا. بل وبذل ممثلو الحكومة المصرية في المفاوضات جهودًا كبيرة في إقناع الدول الأعضاء بالمجموعة الأفريقية بتجاهل الوثيقة بدعوى أنها "حصيلة مفاوضات بين مسؤولين فنيين وليس مسؤولين سياسيين".
ونجحت مصر في إعاقة المفاوضات، فهي التي كانت تقف وراء المواقف السلبية لكل من المجموعة الأفريقية ومجموعة منظمة المؤتمر الإسلامي، مما نتج عن هذه المواقف خروج الإعلان السياسي للقمة على درجة عالية من الضعف.
بيزنس اﻷدوية
ليست الحكومات وحدها من تقف في مواجهة توفير العلاج والحماية الواجبين لمرضى اﻹيدز، لكن هناك شركات الأدوية العملاقة أيضًا، التي سعت إلى عرقلة خطط حكومة جنوب أفريقيا الرامية إلى الحصول على امتياز لتصنيع أنواع أرخص من العقاقير المعروفة ذات الأثمان الباهضة، ليسهل للمتعايشين مع المرض الحصول عليها، وكانت شركات الأدوية تحاول منع صدور قانون تقول إنه يعطي حكومة جنوب أفريقيا الحق في استيراد أدوية رخيصة من مصادر أخرى، أو الحصول على امتياز لتصنيعها بتكاليف رخيصة.
وذهبت شركات الأدوية إلى المحكمة في مواجهة الحكومة، ولكن بسبب المظاهرات الشعبية والغضب الشعبي والضغوطات من المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني الدولي، أسقطت مجموعة من كبريات شركات صناعة الأدوية في العالم دعوى قضائية كانت قد رفعتها ضد حكومة جنوب أفريقيا، ووافقت جميع الشركات التسع والثلاثين التي رفعت الدعوى القضائية على التخلي عنها، ودفع النفقات القانونية التي تكبدتها الحكومة في جنوب أفريقيا.
الفقر والقمع
العلاقة بين فيروس نقص المناعة المكتسبة و الفقر معقَّدة على المستويين الفردي والقومي معًا، فالسياسة والاقتصاد على مستوى الدولة، يشكلان أحيانًا تأثيرًا كبيرًا على السلوكيات والعوامل البيو- طبية.
ومن اﻷمثلة الحديثة تأثير انهيار الاتحاد السوفيتي، ففي أوكرانيا هبط نصيب المواطن من الدخل القومي من 6372 دولارًا عام 1990 إلى 3194 دولارًا عام 1998، وانتشرت البطالة، وزاد تعاطي المخدرات بالحقن، على الأخص بين الشباب المحرومين من فرص العمل، وبالتالي غذَّى ذلك انتشار الإيدز.
وفي الصين كانت لانتشار اﻹيدز بين من يبيعون دمهم جذوره الاقتصادية أيضًا، فالفلاحين الذين كانوا يبيعون دمهم هم أفقر الفئات، وبيع الدم كان طريقهم للبقاء.
التمييز قائم
أظهر تقرير حديث لبرنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز، أنه بالرغم من الجهود الكبيرة لمكافحة الفيروس، فإن مشكلة التمييز المتصل بفيروس نقص المناعة البشرية مازالت قائمة بشدة. يمنع التمييز المرتبط بفيروس نقص المناعة البشرية الأشخاص من الوصول إلى خدمات فيروس نقص المناعة المكتسبة التي يحتاجون إليها للبقاء بصحة جيدة، ويمكن أن يؤثر ذلك على الدخل وسبل العيش ومجموعة كاملة من الجوانب الأخرى لحياة الناس.
ولا تزال المواقف التمييزية تجاه المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية مرتفعة للغاية في كثير من البلدان. وفي 26 دولة لديها بيانات حديثة عن المسح السكاني، تراوحت النسبة المئوية للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 49 سنة ولديهم مواقف تمييزية تجاه المصابين بفيروس اﻹيدز بين 16.9% في جنوب أفريقيا و 80 % في غينيا.