كثير من الأشقاء اجتمعوا في مجال إبداعي واحد فتجاوزت شهرة أحدهم الآخر، بعض هؤلاء حاولوا الخروج من عباءة أشقائهم الأكثر شهرة بحثًا عن تجربة مستقلة تحقق لهم النجاح والتفرّد، ولكن في معظم الحالات، بقي هؤلاء مجرد ظلال لنجاح إخوتهم.
الشاعران سيد حجاب وشقيقه شوقي من أبرز الأمثلة التي تعضد هذا الموقف، كذلك المطرب على الحجار وشقيقه المطرب والملحن أحمد، إضافة إلى الراحلين عبد الرحمن وجلال الأبنودي، والمطربة هدى حداد شقيقة السيدة فيروز.
في بعض هذه الحالات حظي صاحب الموهبة الأكبر بشهرة أوسع، كالسيدة فيروز، ولكن في حالات أخرى يتقارب فيها مستوى الأشقاء، وهنا تختلف العوامل التي تساعده على الوصول إلى الصيت والشهرة، منها ترتيبه بين أفراد العائلة، فقد تتنوع ما بين طبيعة الشخصية ذاتها، وعلاقتها بالجمهور، ودور الإعلام الذي قد ينحاز لواحد دون آخر، والتفاوت النسبي في النوع الأدبي الذي يقدمه المبدع، وذوق الجمهور الذي يروج لكاتب وعمل دون الآخر.
في كتابه العبقرية والإبداع والقيادة، يقول الدكتور شاكر عبد الحميد أستاذ علم نفس الإبداع بأكاديمية الفنون المصرية، إن ترتيب الميلاد من الأسباب التي تفسر عدم وصول الإخوة إلى مستوى الشهرة نفسه، ويوضح أن ثمة دراسات تناولت المشاهير أكدت أن الأطفال الأبكار وخاصة الذكور منهم، يميلون إلى الإنجاز أكثر من الأطفال المتأخرين في ترتيب ولادتهم.
يستند عبد الحميد في كتابه إلى دراسة أجراها العالم البريطاني فرانسيس جالتون وذكرها في كتابه العبقرية الوراثية، توضح أن 30% من أصل عينة البحث البالغ عددها 314 شخصًا من مشاهير القرن العشرين، كانوا من الأبكار، و16% كانوا وحيدين، أما المشاهير الذين كانوا أصغر الإخوة بلغت نسبتهم 27% ، مقابل 26% من المشاهير كانوا وسطًا بين إخوتهم.
لقد كانت نسبة الأبكار أعلى بشكل لا نظير له، يليهم في ذلك الأطفال الأصغر.
النوع الأدبي
بعد هجرته من الدقهلية إلى القاهرة واشتغاله في مجال كتابة أدب الطفل، ودراسة الإخراج السينمائي بالمعهد العالي للسينما، اتخذ الشاعر شوقي حجاب قراره بالابتعاد والدخول إلى معترك الحياة الفنية بعيدًا عن أخيه الأكبر الشاعر الراحل سيد حجاب. يوضح لـ المنصة "أول قرار اتخذته الخروج من عباءة ووصاية شقيقي سيد حجاب، حتى لا أتأثر به".
لكن المأزق في النهاية أصاب شوقي، الذي وقع في ظلال شهرة أخيه الأكبر، إذ اتجهت الشهرة نحو سيد الذي ذاع صيته وعرفه الجمهور، التف حوله، في الوقت الذي يشكو فيه شوقي من الظلم الإعلامي وعدم التقدير المعنوي والأدبي، حتى أن الدولة لم تكرّمه أبدًا حتى وقتنا الحالي.
ولدا الأخوان سيد وشوقي في محافظة الدقهلية لأب يجيد علم العروض وكتابة الشعر، فبحسب حوار أجرته إندبندنت العربية مع شوقي "كان الأب لديه ملكة الشعر ومعرفة قوية بعلم العروض الشعري الذي حرص على تعليمه لأبنائه، حيث كان يجمعهم ليلاً، حيث يقوم أحدهم بإلقاء بيت شعري ليقوم الآخر بالتكملة ببيت شعري آخر من تأليفه على نفس الوزن والقافية".
وفي حواره ببرنامج سهرة شريعي الذي قدمه الموسيقار الراحل عمار الشريعي، أكد الشاعر سيد حجاب دور والده في تعضيد موهبته لكتابة الشعر، يقول "اكتشف والدي أنني أكتب الشعر في سن العاشرة، فدربني على علم العروض وكل الفنون، وأصبحت شاعرًا سواء مع الإخوان وبعدها في حزب مصر الفتاة إلى أن رحلت إلى القاهرة وخرجت لمرحلة ميلاد جديدة.
https://www.youtube.com/embed/BQtpFVKB988?controls=0شوقي هو الابن السابع بين العائلة المكونة من تسعة أفراد "شقيقي الشاعر سيد حجاب له دور كبير في تكويني الفني، فهو شقيقي ووالدي، وشجعني على الكتابة خصوصًا في البدايات، كما أنه صاحب التأثير الأكبر على حياتي الأدبية بعد الشاعر صلاح جاهين"، حسبما يقول لـ المنصة.
بعد وفاة سيد، كتب شوقي يقول "أنا أهه يا عالم ياهووه/ شايفيني/ سامعيني/ أنا اللي كان في الزحام/ ماسك في طراطيف أخوه/ فين راح/ ياهووه الحقووه.. نني اتخطف مني".
اشترك الأخوان حجاب في ألبوم غنائي للأطفال قدمته الفنانة لبلبة بعنوان بابا حبيبي.
سيد حجاب واحد من أهم شعراء العامية المصرية، فضلًا عن إنجازه الكبير في مجال تترات الأعمال الدرامية المصرية، أما شوقي فمن رواد كتابة الكتابة للطفل في المسرح والأغنية والقصة، وابتكر العديد من الشخصيات التي لاقت قبولًا ونجاحًا في فترة الثمانينات والتسعينات مثل بقلظ وكوكي كاك، فضلًا عن مشاركاته في برامج الأطفال التي حققت نجاحًا كبيرًا مثل عالم سمسم، وكتب في مجلات الأطفال ميكي وسمير.
رغم قوة المنجر الإبداعي لكل من الأخوين، لكن الشهرة انجازت للشقيق الأكبر الشاعر سيد حجاب، وهو ما علق عليه شوقي لـ المنصة بالقول إن "مسألة الشهرة لا تعنيني على الإطلاق، ولا يضيرني كون أخي الأكبر هو صاحب الحظ في الشهرة، فالراقصة فيفي عبده أشهر مني ومنه، فالأمور لا تسير دائمًا كما ينبغي".
وتابع "لما بيجيلي شعبان عبد الرحيم البيت، الشارع كله بيتزاحم عليه، ولا أحد يعرفني، فالمسألة ليست مسألة إبداع على الإطلاق، الشهرة لها حسابات أخرى، تتعلق بذوق الجمهور ومدى تقبله لبعض الفنون الذي تأثر في نفسه".
خجل إعلامي
رغم تقارب الموهبة الغنائية، يتفوق علي الحجار على شقيقه أحمد، من ناحية المنجز الإبداعي والألبومات الغنائية، فضلًا عن التجارب المسرحية التي خاضها كل منهم. كما أن الأخ الأصغر الخجول أحمد لا يحبذ الظهور في وسائل الإعلام. هذه كلها أمور تفسر انحياز الشهرة الطاغية للشقيق الأكبر على حساب شقيقه.
ويظهر تفوق علي على أحمد كميًا، فقد طرح علي أكثر من 30 ألبومًا غنائيًا، في الوقت الذي لم يصدر أحمد سوى أربعة ألبومات.
في عام 2017 ذكر أحمد في مقابلة مع برنامج العاشرة مساءً أنه لا يحب الظهور في وسائل الإعلام ويحبذ الوقوف بعيدًا عن الأضواء والشهرة، كما عبر عن عدم ارتياحه للغناء في الفنادق التي تقدم الخمور، مفضلًا الأماكن الثقافية الصغيرة التي قد لا تدفع له أموالًا مجزية مقارنة بالملاهي الليلية.
درس أحمد الحجار الموسيقى بكلية التربية الموسيقية، وعمل بمجال الفن. وهو طالب في الفرقة الأولى لحّن أغنية لشقيقه على الحجار أغنية أعذريني. بعدها قدّم ألحانه للعديد من المطربين مثل هشام عباس وعلاء عبد الخالق وأنغام وأنوشكا، وقدم ألحان العديد من الأفلام السينمائية والمسرحيات والأعمال الدارامية مثل مسرحية عيال تجنن عام 1994، ومسرحية اثنين في قفة عام 1993، وفيلم أمريكا شيكا بيكا عام 1993.
أما علي فبدأ تجربته الغنائية بعدما اكتشفه الملحن بليغ حمدي عام 1977 ولحن له أغنية على قد ما حبينا، قبل أن يختاره الشاعر الراحل صلاح جاهين لغناء الرباعيات كاملة بألحان الموسيقار سيد مكاوي.
ثم عُرف ونال شهرة واسعة من خلال امتلاكه حنجرة قوية أهلته لغناء العديد من تترات الأعمال الدرامية التي لاقت رواجًا كبيرًا في الشارع المصري، منها بوابة الحلوني 1992، والليل وآخره 2003، والرحايا 2009، والمال والبنون 1995.
موهبة تبتلع الجميع
هناك شخصيات يصعب تكرارهم، وطبعًا تصعب منافستهم. أشخاص متفردون بمواهبهم وإبداعهم حتى يبدو الأمر إلهيًا هنا، لذا فالأمور محسومة للموهبة وتفرّدها من البداية، فظِلُّ هؤلاء يبتلع الآخرين.
بفضل هذه المزية الإلهية الربانية، تنتصر الموهبة بلا جدال، وتلقي بظلالها على جل المبدعين الآخرين ولسنوات طويلة.
هكذا الأمر بين الشقيقتين هدى ونهاد حداد التي نعرفها باسم فيروز، إذ يضعها الجمهور والنقاد في مكانة أم كلثوم، وهي مكانة بعيدة جدًا عن هدى.
انضمت هدى إلى الرحابنة بفضل فيروز حسبما تذكر في حوار صحفي مع جريدة الجيل عام 1999 "لولا فيروز وعاصي الرحباني ما كانت هدى". اعترفت هدى في هذا الحوار أيضًا أن موهبة فيروز متفردة في كل شيء، وأنها تضعها في مكانة المعلمة.
شارك الشقيقتان في أعمال فنية واحدة، فظهرت فيروز دائمًا بوصفها البطلة، تتصدر صورتها أفيش العمل، بداية من مسرحية الليل والقنديل عام 1963، ثم فيلم بياع الخواتم ليوسف شاهين 1965، وفيلم سفربرلك لبركات 1976، وأعمال أخرى.
لم يكن طغيان وتأثير فيروز على هدى فنيًا فقط، بل كان على المستوى الشخصي كون فيروز هي الشقيقة الكبرى، فكتبت جريدة روزاليوسف عن زيارتهن في أكتوبر/ تشرين الأول 1966 للقاهرة "تتصرف فيروز دومًا مع هدى بصفتها الوالدة، فتطلب منها تغير تسريحة الشعر والفستان، وتطيع الثانية دون تدخل".
لا تمانع هدى، حسب حوار أجرته مع مجلة الصياد اللبنانية، أن يشير الناس إليها باعتبارها شقيقة فيروز "أحب أن يقول الناس هذه هدى، لكني لا أنزعج إذا قالوا أخت فيروز".
الأخوان أبنودي
الحال لم يختلف كثيرًا بالنسبة للشاعر كرم الأبنودي الذي بقي أسيرًا في ظلال شقيقه الراحل عبد الرحمن الأبنودي.
يقول الشاعر أشرف بولاقي لـ المنصة "خاص كرم الأبنودي تجربة الغناء والطرب، وكان حريصًا على المشاركة في الحياة الثقافية والأدبية، فظل صالونه الأدبي ممتدًا لمدة عامين كاملين في منزله بقنا، يستضيف الشعراء والأدباء والفنانين والمثقفين".
صدر لكرم الأبنودي مؤلفات عديدة في الدراسات الشعبية الجنوبية فن الحزن، ومن أغاني الأفراح، والأمثال الشعبية.
يتيح النوع الأدبي الانتشار لصاحبه، فتبعًا لذائقة الجمهور الذي تحدد رواج العمل الأدبي من عدمه، تتحقق شهرة الكاتب، فأعمال كرم لا تلقى قبولًا إلا من قبل المختصين والمهتمين بها على قدر ضيق ونخبوي، في الوقت الذي يهتم فيه الجمهور بشعر العامية وبالسيرة الهلالية الذي برع في تقديمهم عبد الرحمن.
كما أن النطاق الجغرافي الذي يتحرك فيه المبدع، يؤثر في حجم شهرته. وفي مصر تكاد فرص الشهرة والرواج تقتصر على سكان القاهرة إلا في حالات استثنائية، وتكاد تنعدم في صعيد مصر. وبينما هاجر عبد الرحمن إلى القاهرة ليبدأ مشواره الشعري، ظل كرم في قنا.
عمل كرم طوال الوقت في قصور الثقافة بقنا، مطربًا، وشاعرًا، حتى علاقاته بالمثقفين والمبدعين كانت في غالبيتها من الجنوب، وكتب في جريدة صوت قنا. أما الخال عبد الرحمن فتمددت علاقاته على مستوى الوطن العربي بأكمله، في داخل مصر وخارجها، توطدت علاقاته بكبار المثقفين والكتاب، أمثال محمد حسنين هيكل، نجيب محفوظ، أحمد زويل، يوسف إدريس.
كما فتحت كتابة الأغنيات لكبار المطربين أمثال عبد الحليم حافظ، محمد رشدي، صباح، محمد منير، وردة، وغيرهم، آفاقًَا جديدة أمام عبد الرحمن لدى الجمهور، عرفه من خلال تلك الأغاني الوطنية والعاطفية والتراثية.
تقول الإعلامية نهال كمال أرملة الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي لـ المنصة إن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش كان يأتي لزيارة الخال خصيصًا لتناول الطعام معه، خاصة وأن عبد الرحمن كان يطهو البط والملوخية بنفسه.
مشهد وفاة الشقيقين تبدو وحدها دليلًا واضحًا على التباين الواضح في شهرة الشاعرين، فبينما شيع عبد الرحمن في جنازة عسكرية حضرتها شخصيات شعبية ورسمية وآلاف المحبين، ظهر خبر وفاة كرم على استحياء في بعض المواقع والصحف.