اعتاد المصريون، في السنوات الثلاث الماضية، تلك الشارة السوداء المرفوعة على شاشات القنوات الحكومية والخاصة، تعبيرا عن الحزن والحداد على أرواح شخصيات عامة لها ثقل، أو ضحايا حوادث الإهمال والإرهاب، وكذلك موت بعض رؤساء وملوك الدول، ويخصع النوع الأخير من إعلان الحداد لدرجة حرارة العلاقة بين النظام و هذه الدول.
المشهد يبدو مربكا هذه المرة بعد الهجوم على حافلة وعربة كانت تنقل مواطنين من المصريين الأقباط إلى دير الأنبا صموئيل المعترف في المنيا، والذي راح ضحيته 28 شخصًا، أغلبهم من الأطفال. فالشارة المرفوعة على جانب الشاشة حدادًا، يوازيها كم هائل من المواد الإعلامية الترفيهية. لوقوع الحادث قبل ساعات من سحور الليلة الأولى لشهر رمضان، حيث عشرات المسلسلات المرتبطة بخطة إعلانية ربحية بحتة.
وما حدث مع ضحايا المنيا، من ازدواج متناقض بين شارة الحداد والمواد الترفيهية، تكرر بتفاصيل مختلفة، عقب اغتيال النائب العام الأسبق هشام بركات، في حادث تفجير موكبه. حينها؛ بادرت جميع القنوات الحكومية والمحطات الفضائية الخاصة لإعلان الحداد، الذي توقع كثيرون أن يستمر ٣ أيام كما هو معتاد، لكن الأمر اختلف تلك المرة، عندما استمر يومًا واحدًا، لتزامنه مع مقدم شهر رمضان.
ستة أشهر كانت تفصل بين وفاة العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز ، الذي أعلنت مصر الحداد على روحه أسبوعًا، واغتيال النائب العام الذي أعلنت القاهرة الحداد على روحه يومًا واحدًا، غير أن مقتل بركات، وقع في شهر رمضان.
لا حداد مع الإعلانات
في شهر رمضان ترتفع عائدات الإعلانات نظرا لازدياد نسب المشاهدة في هذا الوقت سنويا، إذ يعتبره أصحاب القنوات "موسم" يمكنهم من خلاله تعويض الخسائر التي منوا بها طوال العام، ورمضان بالنسبة لأغلبهم طوق النجاة.
وبعد وقوع 17 قتيلًا بحسب ما اعلن الناطق الرسمي للقوات المسلحة المصرية، على خلفية المواجهات الدامية التي حدثت أمس الأربعاء بين الجيش المصري وتنظيم ولاية سيناء، فوجئ الجميع بعدم إعلان حالة الحداد على القنوات الفضائية او محطات الراديو باستثناء محطة "راديو هيتس" التي أعلنت الحداد حزنا على ضحايا الجيش المصري خلال المواجهات.
وأثار عدم إعلان الحداد على أرواح الجنود موجة من الاستياء والاستنكار عبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ اعتبره المستخدمون تجاهلًا لأرواح من دافعوا عن الوطن مقابل الحفاظ على أموال الإعلانات والمعلنين.
ونرصد هنا بعض المناسبات التي تم إعلان الحداد فيها أو تم تجاهل الحداد عليها تماما، سواء عبر قنوات الدولة الرسمية أو الخاصة ، ومن أبرز حالات اعلان الحداد التي تسابقت كلا من القنوات الحكومية والخاصة فيها
الحداد على حفيد الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك
في مايو/أيار 2009 وبعد إعلان الرئاسة المصرية نبأ وفاة محمد علاء مبارك، حفيد الرئيس المصري في ذلك الوقت، اتخذت جميع القنوات الفصائية قرارًا موحدًا بإعلان الحداد و تحويل خريطة البرامج المعتادة إلى وصلات من التلاوات القرئانية والأدعية، بل ان القنوات الخاصة قد سبقت تلفزيون الدولة الرسمي في اعلان حالة الحداد، وبدأت قنوات التليفزيون الأرضية والفضائية والمتخصصة فى إذاعة القرآن الكريم بداية من الحادية عشرة صباحا لمدة ساعة ونصف مع استمرار نزول خبر الوفاة وبيان الرئاسة على شريط الأخبار.
إعلان الحداد على ملك السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز يناير/كانون الثاني ٢٠١٥
قررت الرئاسة المصرية إعلان الحداد على الملك عبد الله بن عبد العزيز لمدة سبعة أيام، وقطع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشاركته في منتدى "دافوس" الاقتصادي بسويسرا، و نعى العاهل السعودي وتم تأجيل الاحتفالات بذكرى ثورة يناير التي كان مقررا الاحتفال بها إلى أجل غير مسمى.
كما أعلن التليفزيون المصري الرسمي الحداد، ووضع شارة سوداء علي شاشته، وأذاعت مختلف قنواته العامة والإخبارية تقاريرا عن خادم الحرمين الراحل، وعن العلاقات المصرية السعودية، وتاريخ الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية.
وأعلنت كافة القنوات المصرية الخاصة الحداد منذ إعلان التليفزيون السعودي الرسمي، نبأ وفاة العاهل السعودي، حيث دخلت قنوات "ONTV"، و"المحور"، و"دريم»، و"الحياة"، في بث مشترك مع قناة "القرآن الكريم.
حادث عبارة السلام فبراير/شباط 2006
بينما يجلس الرئيس المصري الأسبق في مقصورة استاد القاهرة الدولي ملوحا هو وزوجته للجماهير بمناسبة فوز الفريق الوطني المصري لكرة القدم ببطولة أمم أفريقيا لكرة القدم عام 2006، كانت استغاثات الغارقين بانتظار من يمد لهم يد العون لتخرجهم من قاع البحر الأحمر، لكن ذلك لم يحدث، وانطلقت الجماهير في شوارع البلاد تحتفل بفوز المنتخب بالبطولة، بينما انتظر الموت اكثر من 1300 مصري ليحتفل بهم على طريقته الخاصة.
لم يعلن الحداد الرسمي من قبل تليفزيون الدولة واكتفى الرئيس المصري بزيارة بعض الناجين وفقا لرواية الكاتب فهمي هويدي في مقاله بالأهرام.
حادث ستاد بورسعيد فبراير/شباط 2012
أحداث ستاد بورسعيد وقعت داخل ستاد بورسعيد مساء الأربعاء 1 فبراير/شباط 2012، عقب مباراة كرة قدم بين النادي المصري والأهلي، وراح ضحيتها 72 قتيلا، بحسب مديرية الشؤون الصحية في بورسعيد ومئات المصابين وتعتبر أكبر كارثة في تاريخ الرياضة المصرية.
أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكان المسؤول عن تسيير شئون البلاد وقتها، الحداد الرسمي وتنكيس الأعلام في كل المصالح والهيئات الحكومية في جميع أنحاء البلاد بدءا من الخميس ٢ فبراير وحتى غروب شمس السبت 4 فبراير حدادا على الضحايا.
حادث ستاد الدفاع الجوي- فبراير/شباط 2015
تزامن حادث ستاد الدفاع الجوي والذي راح ضحيته 22 قتيلا من مشجعي نادي الزمالك، مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مصر، وتم وسط انتقادات الاحتفاء بالضيف الروسي بدار الأوبرا المصرية، ولم يتم اعلان الحداد الرسمي على ضحايا الحادث، ولم تعلن أي قناة فضائية الحداد سوى قناة الأهلي.
حادث كرم القواديس أكتوبر/تشرين أول 2014
وقع هجوم قرم القواديس على مرحلتين راح ضحية العملية الأولى التي وقعت في الشيخ زويد 30 جندي، بينما قُتِل 3 جنود في عملية اخرى في العريش.
وأعلنت القنوات المصرية جميعها الحداد التام ووضع الشارة السوداء بسبب سقوط 30 قتيلًا و47 مصابًا جراء هجوم إرهابي على عناصر للقوات المسلحة بشمال سيناء.
حادث مقتل المصريين بليبيا فبراير/شباط 2015
هز الحادث العالم بأسره بسبب بشاعة مناظر الذبح التي بثتها تنظيم الدولة الاسلامية بليبيا، والذي أسفر عن مقتل 21 مواطن مصري، وأصدر الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، بياناً نعى فيه إعدام هؤلاء الرهائن على يد عناصر تنظيم الدولة الاسلامية، وأعلن الحداد 7 أيام حزناً عليهم. كما أعلنت القنوات الفضائية الحداد على الضحايا.