اعتبر عضو مجلس النواب مصطفى بكري، في عدد من التغريدات على تويتر، أن الادعاءات التي وجهها المقاول والممثل محمد علي للجيش والرئيس عبدالفتاح السيسي "تأتي ضمن خطة ممنهجة لتشويه الجيش"، فيما تتوالى فيديوهات المقاول عبر صفحته على فيسبوك والتي استمر فيها في سرد وقائع عن تاريخ عمله كمقاول لتنفيذ مشروعات مع القوات المسلحة.
بين تصريحات رسمية تقول إن نسبة استحواذ القوات المسلحة على قطاعات في الاقتصاد لا تتجاوز 2% بحسب الرئيس السيسي الذي تمنى أن تصل النسبة إلى 50%، وبين ادعاءات ترفع النسبة إلى أكثر من ذلك بكثير؛ تبقى النسبة الفعلية دون إعلان.
بسبب هذه الحالة رصدت المنصة في هذا التقرير أبرز القرارات المنشورة في الوقائع المصرية والجريدة الرسمية لصالح "اقتصاد القوات المسلحة في المجالات المدنية"، والتي تنوعت بين تخصيص أراضٍ، وتأسيس شركات في مجالات متنوعة من مجالات الاقتصاد، مع سرد تاريخي لبدايات النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية.
35 قرارًا منذ عام 2014 وحتى 2019، هي إجمالي عدد القرارات الرسمية الصاردة بشأن النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة، سواء وزارية أو رئاسية ونشرتها الجريدة الرسمية والوقائع المصرية، مع استبعاد باقي القرارات التي تمنح العاملين فيها امتيازات تتعلق بالرواتب أو المعاشات أو تقديم خدمات خاصة.
وشهد عام 2016، العدد الأكبر من القرارات الصادرة بشأن اقتصاد القوات المسلحة، بواقع 10 قرارات. وفي المجمل دارت القرارات الخمسة والثلاثين حول تخصيص أراض لإقامة مشروعات، ومنحها إدارة وصيانة وتشغيل طرق صحراوية وموانئ، بالإضافة لما منحته لها القوانين من إعفاءات ضريبية وجمركية.
2300 مشروع: الإشراف لا الإدارة
ردًا على ما وصفها بالشائعات، أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد تامر الرفاعي، أن المؤسسة العسكرية لا تمتلك سلسلة صيدليات شهيرة. وفي معرض النفي نفسه، كشف الرفاعي أن ما تشرف عليه القوات المسلحة هو 2300 مشروع تقريبًا، يعمل فيها 5 ملايين مدني بين مهندسين وعمال في جميع التخصصات وشركات ومؤسسات مصرية، مشيرًا إلى أن دور المؤسسة العسكرية يقتصر على الإشراف وليس الإدارة، في اتساق مع ما أكده الرئيس في كلمة له في افتتاح عدد من المشروعات التنموية في وسط سيناء مايو/ آيار 2019.
وتعمل القوات المسلحة إشرافيًا في المجالين التجاري والاستثماري عبر أذرع اقتصادية مختلفة، أبرزها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وكذلك جهاز مشروعات الخدمة الوطنية.
يمتلك جهاز الخدمة الوطنية 32 شركة تعمل في قطاعات تتنوع بين الصناعات الثقيلة والمتخصصة إلى مجالات الخدمة العامة والنظافة، فيما تشتغل الهيئة الهندسية في 17 قطاعًا تتنوع بين الإسكان والرعاية الصحية والمنشآت التعليمية ومشروعات الصرف الصحي وتطوير المناطق العشوائية واستصلاح الأراضي.
في عام 1954، كانت صناعات الجيش تقتصر على الأنشطة العسكرية فقط، حين أسس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وزارة الإنتاج الحربي بهدف مساعدة مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض أنواع الأسلحة، لكن تطور الأمر بإنشاء هيئات تعمل في مجالات لا تقتصر على التسلّح فقط، فالشركات الهندسية التابعة للوزارة، ومنها على سبيل المثال شركة حلوان، بدأت بصناعة معدات تسليح، واليوم توسع نشاطها حتى شمل الأدوات المنزلية ومستلزمات الطهي.
زمن الثمانينات
يؤرخ لبداية دخول الجيش للتنافس في المجالات المدنية للاقتصاد بالفترة ما بين أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، وكان الدافع لذلك النشاط البعيد عن عمله الأساسي هو "الحاجة لتوفير الإمداد والتموين اللازم له، وتعويض تناقص نصيبه من الإنفاق العام منذ توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل في 1979، بالبحث عن مصادر بديلة للإيرادات، من أجل تخفيف عبء الإنفاق العسكري عن كاهل الدولة، عبر تمكين الجيش من تحقيق عوائد اقتصادية"، وفقًا لمقال تحليلي على موقع جدلية.
لكن النشاط الاقتصادي للجيش توسّع في السنوات التالية، ليصل إلى توفير سلع غذائية للمواطنين في منافذ منتشرة في مختلف أنحاء الجمهورية، ووصل في عام 2016 إلي توفير الجيش ألبان اﻷطفال الرُضع التي كان يعاني السوق نقصًا فيها، وهو "ما يعكس الدور الذي تؤديه المؤسسة العسكرية بصورة غير هادفة للربح" حسبما ذكر رئيس مجلس إدارة شركة حلوان في حوار صحفي.
تشمل مشروعات الجيش أيضًا مصانع كيماويات وأسمنت، ومصنع لألواح الطاقة الشمسية، وحتى زراعة النخيل بالشراكة مع دولة الإمارات، بجانب إنشاء أكبر مزرعة سمكية في الشرق اﻷوسط.
نصيحة بدعم القطاع الخاص
على الرغم من مطالبة صندوق النقد الدولي في سبتمبر/ أيلول 2017، مصر بأن تدعم تنمية القطاع الخاص من خلال خطوات كان منها "الحد من مشاركة الكيانات التابعة لوزارة الدفاع في التجارة"؛ إلاّ أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لديه قناعة بأن الجيش يمكنه إنجاز مشاريع كبيرة ومعقّدة في وقت سريع، ما يجعله الجهة الأنسب للإشراف على الكيانات المدنية، نافيًا أن يكون الجيش هو المستأثر بالأعمال كاملة.
تظهر الثقة الكبيرة من الرئيس في القدارت الاقتصادية للمؤسسة العسكرية فيما ذكره خلال إحدى الفعاليات، بتمنيه أن يمتلك الجيش 50% من الاقتصاد المصري.
"يا ريت الجيش يمتلك 50% من اقتصاد مصر"
في تلك الفعالية، نفى الرئيس عبد الفتاح السيسي امتلاك القوات المسلحة ما بين 20 و50% من الاقتصاد القومي، مؤكدًا أن نسبة مشاركة المؤسسة العسكرية في الاقتصاد تتراوح بين 1.5 و2%، وقال "ياريت القوات المسلحة كانت تمتلك 50% من اقتصاد مصر".
وعلى الرغم من هذا، أكد اللواء العصار في تصريحات لرويترز أن القطاع الخاص يعد "بمثابة العمود الفقري للصناعة والاقتصاد"، دون أن ينكر وجود دور للوزارة، باعتبار أن اﻷمر "منافسة".
مزايا خاصة
حين يأتي اﻷمر للمنافسة، فإن تدخل القوات المسلحة يُنجز المشروعات في "توقيتات سريعة وبكفاءة أعلى" بحسب شهادة رئيس الجمهورية لها.
لكن المؤسسة العسكرية تحظى بمزايا لا تتوفر لمثيلتها المدنية، وذلك عبر قرارات وقوانين متعددة.
فعلى المستوى الاقتصادي؛ تحسّنت الأوضاع بالنسبة لشركات وزارة الإنتاج الحربي فيما بعد 2013، وفقًا لما تعكسه شهادة من مدير شركة أبو زعبل اللواء شوقي عبد المنعم، أدلى بها لرويترز، وقال فيها "كنا ننتظر دورنا للحصول على التمويل اللازم من البنك، الآن بمجرد تقديم طلب للحصول على 60 أو 40 مليون جنيه لشراء مواد خام، في اليوم التالي اللواء العصّار يوافق عليه".
ما زالت أعمال الجيش تتوسع لتشمل حتى مجال الاتصالات، إذ شهد العام الجاري صدور قرار عن رئيس مجلس الوزراء، برقم 242 لسنة 2019 بالترخيص لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة بتأسيس شركة مساهمة، يكون غرضها إقامة وإدارة وتشغيل وصيانة محطات شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية والأقمار الصناعية.
من بين ما يتمتع به اقتصاد القوات المسلحة من مزايا كان إعفاء أكثر من 500 منشأة مملوكة له، بين فنادق ومنتجعات ومبانٍ أخرى، من الضريبة العقارية، وذلك بموجب مرسوم وقّعه وزير الدفاع عام 2015، وهو ما تكرر مرّة أخرى عام 2019.
شهد عام 2015 أيضًا صدور القرار الجمهوري بقانون رقم 466، ويبيح لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة إنشاء شركات تجارية، وامتلاكها إما كلية أو بالشراكة مع شركات خاصة مصرية أو أجنبية.
بموجب هذا القرار صار من الممكن للشركة الدخول في مشروعات الإسكان والمشروعات القومية المختلفة، ومنها مشروع قناة السويس الجديدة الذي يشارك فيه بالفعل ومشروع جسر روض الفرج المعلّق، بجانب عشرات المشروعات الأخرى الخاصة بالبنية التحتية.
مزيد من التوسعات
في يونيو/ حزيران 2016، صدر قرار جمهوري بإنشاء مجتمع عمراني جديد يسمى مدينة العبور الجديدة، بمساحة 58 ألف و914 فدانًا، مع احتفاظ القوات المسلحة بملكية 6 مواقع بداخل المدينة بمساحة 13 ألف و769 فدانًا.
شهد الشهر نفسه، يونيو، صدور القرار الجمهوري رقم 233 لسنة 2016، بتخصيص الأراضي الصحراوية بعمق 2 كيلومتر على جانبي 21 طريقًا جديدًا لصالح وزارة الدفاع، على أن تعتبر مناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية لا يجوز تملكها.
قبل هذين القرارين بأربعة أشهر، في فبراير/ شباط، صدر القرار رقم 57 لسنة 2016، باعتبار أراضي العاصمة الإدارية الجديدة وتجمع الشيخ زايد من المجتمعات العمرانية الجديدة. وتأسيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية وجهاز مشروعات أراضى القوات المسلحة شركة مساهمة مصرية.
وتقرر أن تتولى الهيئة، تخطيط وإنشاء وتنمية العاصمة الإدارية الجديدة وتجمع الشيخ محمد بن زايد العمرانى، وتكون قيمة الأراضي المشار إليها في المادة السابقة من حصة جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة في رأسمالها بعد تقدير قيمتها بالاتفاق مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية.
شهد شهر أغسطس 2016، صدور قرار جمهوري برقم 332 لسنة 2016 بإعادة تخصيص مساحة 107 أفدنة من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة بجهة مثلث الديبة غرب بورسعيد لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية لاستخدامها فى مشروعات للاستزراع السمكي.
وفي فبراير 2017 صدر القرار الجمهوري 101 لسنة 2017 بالموافقة على إعادة تخصيص مساحة 14 ألف و596 فدان من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة للدولة بجهة غرب وصلة الضبعة محور الضبعة بمحافظة مطروح وفقًا للخريطة والإحداثيات المرفقة، لصالح القوات المسلحة.
وفي عام 2018، شهر أبريل/ نيسان، صدر قرار بإعادة تخصيص بعض الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة لصالح جهاز مشروعات أراضى القوات المسلحة لاستخدامها في بعض المشروعات في محافظة الإسماعيلية.
وفي نهاية ذلك العام، صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 548 لسنة 2018 بشأن إعادة تخصيص قطعة أرض من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة ناحية محافظة البحيرة بمساحة ألف و348 فدانًا لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة لاستخدامها في تنفيذ مشروع للإنتاج الحيواني.
قانون التكريم
بعيدًا عن المزايا في قطاع الاقتصاد؛ صدر قانون في يوليو 2018 لـ "تكريم بعض قادة القوات المسلحة"، وبموجبه يعاملون معاملة وزير، ويمنحون حصانة أثناء سفرهم خارج البلاد، وكذلك لا يجوز مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي في مواجهتهم عن أي فعل ارتكب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب لمهامه أثناء تأديتهم لمهام مناصبهم أو بسبها، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.