يسأل البروفيسور، ديفيد كارول، خلال إحدى محاضراته الطلاب "من منكم رأى إعلانًا أقنعه بأن هاتفه يتجسس على محادثاته؟" وهو السؤال الذي يشغل بال كثيرين حيث أصبح العديد من الناس مقتنعين أن الهواتف تتجسس علينا، فيرفع جميع الطلبة أيديهم.
في حقيقة الأمر أن الهواتف لا تستطيع التجسس على محادثاتنا وتحليلها، لكن ما يحدث أن الشركات التقنية تجمع المعلومات عنا وتسمى بـ"نقاط البيانات" حيث تحلل من خلالها شخصيتنا واهتماماتنا وميولنا وبناء عليه تستهدفنا بالإعلانات بناء على تلك البيانات.
هذا ما يحاول الفيلم الوثائقي The Great Hack توضيحه من خلال مدى معرفة الشركات التقنية عنا، وعن طريقة تفكيرنا، واتخاذنا للقرارات، ومن ثم التأثير علينا.
قبل أسبوعين، أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية في واشنطن، تغريم شركة فيسبوك 5 مليار دولار بسبب انتهاك الشركة لخصوصية مستخدميه، وهي الغرامة الأكبر في التاريخ الأمريكي بحق الشركة، والتي صحبها اتفاق تسوية يشمل تغييرات في ضوابط الخصوصية والرقابة عليها داخل الموقع.
لكن الغرامة والأزمة تلك ما هي إلا نتاج لما عرف خلال الأشهر الماضية بفضيحة شركة كامبريدج أناليتيكا Cambridge Analytica، وهي الفضيحة التي يسلط عليها الضوء الفيلم الوثائقي لصانعيه كريم عامر وجيهان نجيم ومن إنتاج شبكة Netflix.
يتتبع الفيلم فضيحة كامبريدج أناليتيكا ليس فقط داخل الولايات المتحدة الأمريكية ولكن إلى أبعد من ذلك، حيث يشير الفيلم إلى دور كامبريدج أناليتيكا في التأثير على الناخب البريطاني للتصويت لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي المعروف باسم بريكزيت.
يستخدم الفيلم لسرد تلك القصة ثلاثة أبطال، الأول هو ديفيد كارول وهو أستاذ بيانات بإحدى الجامعات الأمريكية، يطلب رؤية بياناته التي جمعتها كامبريدج أناليتيكا عنه.
البطل الثاني صحفية بموقع الجارديان، كارول كادوالادر، التي يعود إليها الفضل في كشف قصة كامبريدج أناليتيكا، هذا بالاضافة إلى الموظفة السابقة في شركة كامبريدج أناليتيكا، بريتاني كايزر، والتي قررت الإعلان عما كان يحدث داخل الشركة بعد تركها لها.
حاول صناع الفيلم خلال رحلة أبطاله توضيح أن تأثير تلك الشركات أصبح أبعد بكثير من التأثير على قراراتنا الشرائية وامتد ليصل إلى التأثير علينا في قرارات أكثر أهمية مثل أن نصوت في الانتخابات مثلًا.
يشرح الفيلم كيف عملت شركة كامبريدج أناليتيكا، من خلال تطبيقات على موقع فيسبوك، على جمع معلومات عن المواطنين الذين لهم حق التصويت ومن في قوائم أصدقائهم، ومن خلال تلك المعلومات أو نقاط البيانات تحدد الشركة الناخبين الذين لم يقرروا بعد لأي جهة سيصوتون فيستهدفونهم بإعلانات تركز على مخاوفهم وهواجسهم الشخصية لصالح تيار بعينه.
كانت طريقة عمل كامبريدج أناليتيكا فعالة حيث أظهر الفيلم تأثير الشركة على الناخبين البريطانيين في التصويت على مسألة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وهو ما التفتت له حملة ترامب فاستخدمتها في حملتها للانتخابات الرئاسية عام 2016.
يكشف الفيلم قيام الشركة بتجربة تقنياتها قبل تطبيقها في انجلترا والولايات المتحدة على بعض الدول كترينيداد وتوباغو في عام 2013، ليس عبر دفع الناخبين لانتخاب شخص أو حزب معين ولكن عبر دفع بعض الناخبين إلى عدم المشاركة في التصويت وهو ما يعني تحييد أصواتهم لصالح الطرف الآخر في الانتخابات.
وبشكل عام يسلط فيلم The great hack الضوء على ما يمكن أن نسميه أزمة الخصوصية في عصرنا الحالي على شبكة الانترنت، خاصة وأن حياتنا وأجهزتنا أصبحت مرتبطة أكبر بالشبكة، وأصبحت حياتنا خارج الإنترنت أو شبكات التواصل الإجتماعي وهواتفنا الذكية غير متصورة تقريبا، وهو ما يرغمنا على الوثوق في الشركات التي تجمع عنا معلومات على أمل أن تلك الشركات سوف تحترم خصوصيتنا.
ولكن مع توالي تلك الفضائح بشكل متواصل على مدار الأعوام الماضية وتزايد حجم سوق البيانات حول العالم ليصل إلى 20 بليون دولارًا في العام 2018 ومتوقع أن يصل إلى 26 بليون دولار للعام 2019 ليستحق بذلك لقب "بترول العصر" الذي يطلقه البعض على سوق البيانات، ومشاهدة تأثير تلك البيانات على الانتخابات في كبرى الديمقراطيات في العالم والتأثير على قرارات دول عظمى، تلزم كل تلك المعطيات إلى تزايد المخاوف حول خصوصية البيانات وحمايتها.