حوالي نصف ميزانية اﻷسر المصرية اﻷقل دخلًا يذهب إلى الطعام والشراب، بينما ما تنفقه على التعليم لا يتخطّى 4.5%. نسبة الفقراء لعام 2017/2018 هي اﻷعلى مقارنة بالسنوات السابقة، وزادت نسب الفقر المُدقع في العام نفسه بعد تراجع شهدته في اﻷعوام السابقة.
تلك بعض إحصائيات من بين ما تضمنه تقرير رسمي، صدر مساء أمس الاثنين عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حول "الدخل والإنفاق والدعم الغذائي ومؤشرات الفقر وخريطة الفقر 2017/ 2018"، وأظهر عددًا من المؤشرات والنتائج التي تعكس تغيّرات اقتصادية واجتماعية في مصر.
احتياجات أساسية
كشفت معدلات ونسب الإنفاق،بحسب التقرير، ارتفاع متوسط الإنفاق الكلي السنوي للأسرة من 36 ألفًا وسبعمائة جنيه عام 2015 إلى 51 ألفًا وربعمائة جنيه عام 2017/2018، بنسبة زيادة 40%.
واحتل الإنفاق على الطعام والشراب صدارة ترتيب أوجه الإنفاق والاستهلاك اﻷساسية بنسبة 37% بواقع 27.8% للحوم، و14.2% للخضروات، تلاهما الحبوب والخبز بنسبة 13% والجبن والبيض 12.5%.
بعد الطعام والشراب، تضمنت القائمة الإنفاق على المسكن ومستلزماته بواقع 18.6%، تلاها الخدمات والرعاية الصحية بـ9.9%، أما البند الذي تذيّل قائمة أوجه إنفاق الأسرة المصرية فكان الثقافة والترفيه بـ2.1%.
التعليم حلّ في المركز الثامن بين 12 بندًا للإنفاق السنوي للأسرة وذلك بنسبة بلغت 4.5%. وبتفصيل بنوده، تبين أن 30.8% هي نسبة إنفاق الأسرة على المصروفات والرسوم الدراسية، مقابل 37.7% نسبة الإنفاق على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية.
على المستوى الطبقي، قارنت الإحصائية بين أعلى وأدنى شريحة اقتصادية في المجتمع وأوجه إنفاقها، وتبين أن الشريحة اﻷقل تنفق 49.8% من إجمالي إنفاقها على الطعام والشراب، بينما تنفق أعلى شريحة 25.9% على البند نفسه.
دخل ودعم
في الجزء الثاني من التقرير، عرض "الإحصاء" أهم النتائج الخاصة بالدخل، وذكر أن متوسط الدخل السنوي للأسرة ارتفع من 44 ألفًا و200 جنيه عام 2015 إلى 58 ألفًا و900 جنيه عام 2017/ 2018 بنسبة زيادة قدرها 33.3%.
وأظهر التقرير أن متوسط الدخل السنوي للأسرة المصرية طبقًا لشرائح الإنفاق، ارتفع للشريحة الدُنيا من 22 ألفًا و500 جنيه سنويًا عام 2015 إلى 30 ألفًا وربعمائة جنيه سنويًا عام 2017/ 2018 بنسبة زيادة قدرها 35.1%. وارتفع في الشريحة اﻷعلى من 81 ألف جنيه سنويًا عام 2015 إلى 100 ألف و300 جنيه سنويًا عام 2017/2018 بنسبة زيادة قدرها 23.9%.
أما الجزء الثالث من التقرير، والذي كان مُخصصًا للنتائج الخاصة بالدعم الغذائي، فأظهر تقاربًا بين نسبة الأسر المصرية التي تم تغطيتها في منظومة الدعم عام 2015 وعام 2017/ 2018، إذ كانت 95.4% في 2015 وأصبحت 95.5% عام 2017/2018.
وبلغت النتيجة الإجمالية للأسر المصرية المشمولة بالتغطية في في منظومة الدعم الجديدة عام 2017/2018، نسبة 88.55%، فيما ارتفع الدعم الغذائي للأسرة من 858 جنيهًا وعشرة قروش عام 2015 إلى 1927 جنيهًا وتسعون قرشًا عام 2017/2018 بنسبة زيادة قدرها 124.7% عن عام 2015.
وتستهدف الحكومة المصرية، في الموازنة العامة الجديدة، تخفيض دعم المواد البترولية بصورة كبيرة تكاد تقارب نصف مخصصاته، إذ بلغ دعمها في الموازنة الجديدة 52 مليارًا و963 مليون جنيه مقابل 89 مليارًا و75 مليون جنيه بالعام الحالي، بخفض قدره 36 مليارًا و112 مليون جنيه، بنسبة خفض قدرها 40.5%.
وبيّن التقرير أن نسبة ما تحصل عليه اﻷسرة من دعم للسلع الغذائية عام 2017/ 2018 بلغت 10.1% مقارنة بـ6.8% عام 2015، وأن نسبة ما تحصل عليه الأسرة من دعم للسلع الغذائية إلى إجمالي استهلاك الأسرة من الطعام والشراب 15.5% وذلك في شريحة الإنفاق الدُنيا، وتتناقص تدريجيًا إلى 6.1% في شريحة الإنفاق العُليا.
وأفاد التقرير بأن أفقر 10% من السكان يستفيد بـ28.2% من مخصصات برنامجي تكافل وكرامة، وأن 70% من هذه المخصصات تذهب إلى أفقر 40% من السكان.
فقر مُدقع
تناول التقرير في الجزء الرابع منه الفقر، باعتبار القضاء عليه "هو أول أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030، والتي وافق عليها المجتمع الدولي".
صنّف التقرير الفقر إلى نوعين، من واقع بيانات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، أولهما "الفقر المادي المتمثّل في عدم قدرة الفرد على الوفاء بالاحتياجات الأساسية كالطعام والمسكن والملابس والتعليم والصحة والانتقالات".
أما النوع اﻵخر فكان "الفقر متعدد الأبعاد، والمتمثّل في الحرمان من أوجه الحياة الكريمة مثل الالتحاق بالتعليم والوصول للخدمات الصحية وعدم توافر المسكن الجيد. فهو تغيير في الجوانب الاجتماعية باﻹضافة للاحتياجات الأساسية".
وعن مكونات خط الفقر، أظهر التقرير أن خط الفقر المادي يتكون من عنصرين هما المكون الغذائي، ويعني تكلفة سلع غذائية تنسجم مع السلوك الاستهلاكي للفقراء وتوفر السعرات الحرارية اللازمة لقيام الفرد بالنشاط الطبيعي. والمكون غير الغذائي، ويعني قيمة الاحتياجات الأساسية غير الغذائية للأسر، التي كان يمكنها تأمين احتياجاتها من الغذاء، ولكنها اضطرت إلى التغاضي عن جزء من الإنفاق على الغذاء حتى تتمكن من تغطية نفقات غير غذائية تجد نفسها غير قادرة عن الاستغناء عنها".
ليست مجرد أموال
وقالت الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الدكتورة شيرين الشواربي، للمنصّة، إن التقرير في مجمله "يُطلق تحذيرات، كي نتنبه لنسب ومعدلات الفقر، خاصة مع ما يتميّز به التقرير من وجود خريطة تشريحية للفقر وجوانبه بين المادي ومتعدد الأبعاد، وهذه النظرة للفقر مهمة في أنها تساعد في معالجة اﻷوجه المختلفة للفقر بين المادية والمعيشية والصحية والخدمية، فاﻷمر ليس مجرد أموال نمنحها للفقراء فقط".
وثّق التقرير أن نسبة الفقراء عام 2017/2018 هي "اﻷعلى مقارنة بالسنوات السابقة، بنسبة 32.5%"، وأن متوسط خط الفقر في عام 2017/ 2018 بلغ 736 جنيهًا للفرد في الشهر، وفقًا لخصائص كل أسرة وتركيبها العمري والنوعي ومكان إقامتها.
وأوضح أن "الأسرة المكونة من فردين بالغين تحتاج 1667 جنيهًا في الشهر لتستطيع الوفاء باحتياجاتها الأساسية. والمكونة من فردين بالغين و3 أطفال تحتاج إلى 3225 جنيهًا في الشهر".
وبحسب التقرير "زادت نسبة الفقراء من 16.7% عام 1999/2000 إلى 32.5% عام 2017/2018"، فيما شهدت الفترة من 1999-2009 زيادة في نسبة الفقر المدقع ثم أخذت في التراجع خلال 2009- 2013، لكنها عاودت الزيادة لتصل إلى 6.2% عام 2017/2018.
وعلى الرغم مما ذكره التقرير من تحسن نسبة الفقر في الوجه القبلي إلاّ أنه ذكر أنه "لا يزال 52% من سكانه عام 2017/2018 لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره".
في المقابل، وأمام هذه المعدلات، بيّن التقرير أن متوسط ما تحصل عليه الأسرة من مختلف أنواع الدعم (غذائي- بوتاجاز- كهرباء) حوالي 640 جنيه شهريًا، أي 7680 جنيه سنويًا.
وتحت عنوان خريطة الفقر، عرض التقرير عدد من النقاط المتعلقة بالفقر، استنادًا لبيانات بحث الدخل واﻹنفاق والاستهلاك 2017/2018 وبيانات تعداد 2017، وبيّن أن نسبة الفقر على مستوى الجمهورية بلغت 32.5%. وكانت أسيوط هي أعلى المحافظات بنسبة 60.4%، بينما أقلها بورسعيد بنسبة 9.1%.
وخلّص التقرير إلى أن سبب الفقر هو "زيادة حجم الأسرة"، فيما ردّ الفضل في عدم ارتفاع نسبة الفقراء إلى منظومة الدعم.
مؤشرات مهمة
تعلّق الدكتورة شيرين الشواربي على التقرير بقولها إن اﻷمر المُلفت فيه هو "حرص الجهات الرسمية على إعلان النتائج الخاصة بالأوضاع الاقتصادية للبلاد في تاريخ معين".
وأضافت الشواربي أن هذا اﻷمر يعني "ضرورة أن نفهم أننا عندما نرسم للفقر صورة في لحظة معينة، فهذا لا يعني أنها عامة ودائمة، أو مرتبطة بالصورة الكبرى الخاصة بالتنمية".
وأوضحت أستاذة العلوم السياسية أن "نسب الفقر قد تكون بمعدل ما في مرحلة معينة نتيجة لمشكلة طارئة، ولا علاقة لها بمعدلات النمو والتنمية، كما كان في مصر مثلًا من أثر لتخفيض قيمة العُملة على التضخم وبالتبعية تم ترجمة هذا الأمر في نسب الفقر".
وتابعت الشواربي "في تلك اللحظة، كان هناك مشكلة، لكنها لا تعكس أو تنعكس بالضرورة مسيرة التنمية أو النمو بشكل عام ومطلق، بل بالعكس كان ممكن اﻷرقام والأوضاع تكون أسوأ".
واختتمت "ما رأيناه في التقرير قدّم في مجمله معلومات مهمة جدًا، لابد من الاستفادة منها عن طريق استخدامها في بناء سياسات تساعد على الحد من نسب الفقر، وكذلك مساعدة من دخلوا في نطاقه على الخروج".