كشف مصدر رفيع المستوى في الهيئة العامة للثروة المعدنية عن تحركات جارية الآن من جانبها، بعد إعلان شركة تعدين أسترالية إقامة دعوى تحكيم دولي ضد الحكومة المصرية بسبب سحب تراخيصها في منجم أبو دبّاب بمحافظة البحر الأحمر دون إبداء أسباب.
وذكر المصدر، المُشارك في التحرّكات الحكومية للمنصّة، أن ما فعلته الشركة ليس بالجديد، لكن الإعلان عنه الآن "بمثابة جس نبض للحكومة المصرية"، وأن جميع الحلول مطروحة من الجانب المصري.
ووفقًا لما ذكره موقع "سيدني مورنينج هيرالد" الإخباري الأسترالي، مطلع الأسبوع الجاري ونقله عنه موقع "رصيف 22"، فإن شركة التنتاليوم الدولية المحدودة للتعدين "جيبسلاند" تُطالب بمئات الملايين من الدولارات كتعويض، بعد سحب ترخيص للشركة منحته لها الحكومة قبل أعوام، مُشيرة إلى "تدخّل سلطة حكومية عُليا" في الأمر، حسبما.
سلوك "سخيف"
توقّفت أعمال الشركة عام 2015، في حين كان ما تخططه منذ بدأت العمل في 2002 هو التنقيب في هذا المنجم الذي يُعدّ اﻷكبر في العالم عن معدن التنتاليوم الذي يدخل في صناعة مكونات الطائرات النفاثة والمكثفات الكهربائية، بحسب الموقع الأسترالي.
كانت جيبسلاند مع بدء العمل، قررت عقد شراكة مع الهيئة العامة للتعدين والشركة المصرية للموارد المعدنية.
وعلى مدار 11 عامًا أنفقت جيبسلاند نحو 60 مليون دولار في الدراسات والأبحاث والأعمال التحضيرية للتنقيب، وأبرمت عقدًا مع شركة ألمانية بقيمة 70 مليون دولار لتوريد هذه المادة.
أمام هذه المُستجدّات، أعلن رئيس المشروع، بحسب ما ذكرته الصحيفة الأسترالية، أن الشركة ستطالب بتعويض عن الأضرار التي لحقت بها بسبب "السلوك السخيف" من الجانب المصري، والذي بدأ قبل سحب التراخيص بأعوام، بظهور معوّقات فيما يخص بعض التصاريح والموافقات.
على الرغم من ذلك، تحرّكت الشركة الأسترالية وقررت التعاقد مع شركة فوكستل التايوانية لتمويل المرحلة الأولى من السنة الأولى من الإنتاج، وطالبتها اﻷخيرة بخطاب دعم رسمي من الهيئة المصرية للتعدين قبل أن تتدخل في المشروع، لكن الهيئة رفضت ذلك.
يقول مدير المشروع في الشركة الأسترالية، وفقًا للصحيفة، إنها علمت من كبار موظفيها في القاهرة أن هناك "سلطة حكومية عالية تضغط على الهيئة المصرية للتعدين لعدم تقديم خطابات الدعم هذه لإبعادها من المشروع، والخروج منه بأي ثمن".
وتابع المدير حديثه بالقول إن "الجيش هو سلطة تجارية مهمة للغاية في مصر"، متسائلًا عما إذا كانت مصر "جادة فعلاً في إتاحة الفرصة للمستثمرين الأجانب للحصول على أرباح".
جس نبض
في المقابل، قال مصدر رفيع المستوى في هيئة الثروة المعدنية إن قرار الشركة الأسترالية باللجوء للتحكيم ليس جديدًا، بل اتخذته منذ شهور، ووصف البيان الصادر قبل أيام عنها باعتباره "بمثابة جس لنبض الحكومة المصرية ومعرفة رد فعلها".
وكشف المصدر المسؤول في الهيئة والمطّلع على مُستجدات الموقف- طلب من المنصّة عدم ذكر اسمه- أن التحركات الآن جارية من جانب الهيئة بشأن دعوى التحكيم، ومن بينها تقارير شارحة سترسلها إلى وزارة البترول والتي ستنقلها بدورها إلى "الجهات المعنية"، التي فضّل عدم الإفصاح عنها عندما طالبته المنصة بتوضيح طبيعة هذه الجهات، من أجل الوقوف على طبيعة الموقف الحالي.
وأشار المصدر إلى أن الخصومة بين الشركة الأسترالية والحكومة ومعها الشركة المصرية للموارد المعدنية، وأن الهيئة لا علاقة لها باﻷمر إلاّ باعتبارها طرف في الاتفاقيات المُبرمة بين مصر والشركات الأجنبية.
وفيما يتعلق بسحب الترخيص من الشركة وأسبابه، رفض المصدر بصورة قاطعة الحديث عن أسبابه ﻷن القضية "قيد النظر ومحل جدال بين أطرافها".
تواصلت المنصّة مع الرئيس السابق لهيئة الثروة المعدنية، الدكتور أيمن الساعي، للتعرّف على أسباب سحب الترخيص وما اتخذته الهيئة من إجراءات حيال التحكيم، إلاّ أنه رفض الحديث سواء عن أي خطوات كانت أو أية مستجدات.
واختتم المصدر الحكومي بتأكيد أن جميع الحلول مطروحة سواء على المستوى القانوني أوالتفاوضي، أسوة بما كان في قضية تصدير الغاز بين مصر وشركة كهرباء إسرائيل.
خسارات سابقة
قبل أعوام، دخلت الحكومة المصرية في مفاوضات مع الشركة الإسرائيلية للتوصل إلى حل بخصوص حكم صدر ضد القاهرة بغرامة تُقدّر بـ1.7 مليار دولار كتعويض عما لحق بالشركة من أضرار جرّاء توقّف إمدادات الغاز لها، وانتهت المفاوضات إلى التوصل لاتفاق ودي بين الطرفين، بموجبه تم تخفيض قيمة الغرامة إلى 500 مليون دولار يتم سدادها بالتقسيط.
تحرّك الشركة الأسترالية ضد الحكومة المصرية ليس اﻷول من نوعه، إذ سبقها في هذا الأمر شركات أخرى، ومنها بتروسيلتك البريطانية التي قررت اللجوء للتحكيم الدولي بسبب عدم وفاء مصر بالتزاماتها في اتفاقيات مبيعات الغاز.
يقول محمد عيسى، المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عن التحكيم الدولي إنه "الفيصل فيما يتعلق بالنزاعات المالية المبرم عقود حولها، ويكون اللجوء له باختيار طرفي العقد عند إبرامه، ومن مزاياه أنه يحقق العدالة السريعة كما أن قراره يسري كأي حُكم صادر بقوة القانون".
وأشار عيسى إلى أن التحكيم الدولي غالبًا ما يكون خيار الشركات الأجنبية حين تقرر العمل في الشرق اﻷوسط نظرًا لاعتبارات تتعلق بالمناخ العام وعدم الاستقرار المُحتمل.
وعن أسباب تطور النزاعات بين مصر والكيانات الأجنبية ووصولها للتحكيم، بل وخسارة مصر بعضها، يقول عيسى "ﻷننا لا نُقدّم أسباب لإخلالنا بالتعاقد"، مُشيرًا إلى أنه في بعض الأحيان يتم الإخلال بالتعاقد بعد مُقارنة لحجم الخسارة في التحكيم مقابل الاستفادة التي ستعود من استغلال المورد بأكلمه دون شريك أجنبي.
في سبتمبر/ أيلول الماضي، ربحت شركة "فينوسا" الأسبانية دعوى تحكيم ضد وزارة البترول المصرية، لعدم توريدها لكميات من الغاز الطبيعي حسب ما كان متفقًا عليه مسبقًا، وهو ما كبّد الطرف المصري حوالي 2.13 مليار دولار تعويضًا.
يضيف المحامي بالمركز المصري أن من أسباب لجوء الشركات للتحكيم وخسارتنا له في بعض الأحيان "عدم التدقيق في العقود ومراجعتها قبل إبرامها ﻷنها شريعة المتعاقدين، وما تقرّه مُلزم".
وضرب عيسى مثالاً على ذلك بقضية الغاز أمام الشركة الإسرائيلية، إذ قال إن "أحد أسباب الخسارة كان بندًا في العقد يُلزم مصر بحماية خطوط الغاز، ولمّا أخل الطرف المصري به لظروف قهرية؛ انتهى الأمر للتحكيم الذي ربحه الطرف الإسرائيلي".
واختتم عيسى بتأكيد ضرورة دراسة العقود قبل إبرامها، وكذلك الظروف المحيطة ومدى قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، واﻷهم هو الشفافية وعرض العقود على السلطة التشريعية، خاصة المتعلقة بالمال العام.