https://www.youtube.com/embed/almrrO0a7eUبسم الله الرحمن الرحيم،
الأخ الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، خادم الحرمين الشريفين، وعاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة،
الأشقاء، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، ملوك ورؤساء الدول العربية الشقيقة،
معالي السيد أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أود في البداية ان أتقدم بخالص الشكر لأخي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة، لدعوته لعقد هذه القمة في مكة المكرمة، وعلى كرم الضيافة وحسن التنظيم، داعيا الله، الله عز وجل أن يسدد خطانا وأن يوفقنا لما فيه خير أمتنا العربية.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
لا شك أن قمتنا تنعقد اليوم في ظل تهديدات خطيرة وغير مسبوقة تواجه الأمن القومي العربي، خاصة في منطقة الخليج ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، ولا أظنني بحاجة لأن أؤكد أن أمن منطقة الخليج العربي يمثل بالنسبة لمصر أحد الركائز الأساسية للأمن القومي العربي، ويرتبط ارتباطًا وثيقا وعضويًا بالأمن القومي المصري.
ومن هنا فإن أي تهديد يواجه أمن الخليج، ومن ثم الأمن القومي العربي، يقتضي منا جميعًا وقفة حاسمة لمواجهته بمنتهى الحكمة والحزم. فالحزم مطلوب لتصل الرسالة للقاصي والداني بأن العرب ليسوا على استعداد للتفريط في أمنهم القومي، ولن يقبلوا أي مساس بحق من حقوقهم، كما أن الحكمة ضرورية لاحتواء أي توتر، ومنع انفجاره، فالعرب كانوا، ولا يزالون دائمًا، دعاة سلم واستقرار.
واسمحوا لي أن أغتنم فرصة اجتماعنا اليوم، في هذه البقعة المباركة، لاستعرض معكم عناصر الرؤية المصرية لكيفية التعاطي الحازم والحكيم مع التهديدات التي اجتمعنا اليوم لمناقشتها، ومع التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي بشكل عام.
ولعلي أوجز هذه الرؤية في أربعة عناصر أساسية:
أولًا: إن الهجمات التي تعرضت لها المرافق النفطية في المملكة العربية السعودية الشقيقة مؤخرًا من جانب ميلشيات الحوثي، والمحاولات المتكررة لاستهداف أراضيها بالصواريخ، وكذلك الاعتداءات التي تعرضت لها الملاحة في المياه الإقليمية لدولة الامارات العربية الشقيقة، تمثل بدون شك أعمالا ارهابية صريحة، تتطلب موقفًا واضحًا من كل المجتمع الدولي لإدانتها أولا، ثم للعمل بكافة الوسائل لردع مرتكبيها ومحاسبتهم، ومنع تكرار هذه الاعتداءات على الأمن القومي العربي، وعلى السلم والأمن الدوليين.
وإذا كنا نطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته كاملة تجاه هذه التهديدات الإرهابية، فإن علينا كعرب أيضًا مسؤولية، مسؤولية لتفعيل آليات التعاون العربي في مجال مكافحة الإرهاب،وتدعيم قدراتنا الذاتية على مواجهته.
بل ربما تمثل هذه التهديدات الإرهابية الأخيرة لأمننا القومي العربي مناسبة مهمة لتجديد النقاش حول تفعيل آليات العمل العربي المشترك، القائمة بالفعل أو التي تم اقتراحها وجاري مناقشتها، فهذا هو السبيل الكفيل باستعادة زمام المبادرة العربية، وتمكينهم من ردع ومواجهة أي محاولة للمساس بالأمن القومي العربي بشكل سريع وحاسم.
ثانيًا: بالتوازي مع التضامن الكامل مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودعمهم في مواجهة أي تهديدات للأراضي، أو المنشآت، أو المياه الإقليمية في أي من الدولتين العربيتين الشقيقتين، فإن هناك حاجة لمقاربة، لمقاربة استراتيجية لأزمات المنطقة وجذور عدم الاستقرار والتهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي، بحيث تجمع بين الإجراءات السياسية والأمنية.
فالدول العربية في الوقت الذي لن تتسامح فيه مع أي تهديد لأمنها، تظل دائمًا على رأس الداعين للسلام والحوار، ولنا في قوله تعالى "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله"، نبراس ومبدأ نهتدي به.
فلا يوجد أحرص من العرب على علاقات جوار صحية وسليمة، تقوم على احترام سيادة الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها، والامتناع عن أية محاولة لاستشارة النعرات الطائفية والمذهبية، وكل من يلتزم بهذه المبادئ سيجد يدًا عربية ممدودة له بالسلام والتعاون.
ثالثا.. إن المقاربة الاستراتيجية المنشودة للأمن القومي العربي، تقتضي التعامل بالتوازي مع جميع مصادر التهديد لأمن المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية والمصدر الأول لعدم الاستقرار في المنطقة.
فلا يمكن أن يتحقق الاستقرار في المنطقة، بدون الحل السلمي الشامل، الذي يلبي الطموحات الفلسطينية المشروعة في الاستقلال، وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كاملة السيادة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
كما أنه لا معنى للحديث عن مقاربة، عن مقاربة استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي بدون تصور واضح لمعالجة الأزمات المستمرة في سوريا، وليبيا، واليمن، واستعادة وحدة هذه الدول وسيادتها، وتحقيق طموحات شعوبها في الحرية والحياة الكريمة ،في ظل دول موحدة ذات سيادة، وليست مرتهنة لإرادة وتدخلات وأطماع دول إقليمية او دولية، أو أمراء الحرب والميلشيات الإرهابية والطائفية.
رابعًا: إن الشرط الضروري لبناء هذه المقاربة الاستراتيجية الشاملة للأمن القومي العربي يجب أن يقوم على مواجهة كافة التدخلات الإقليمية في الدول العربية، بنفس الدرجة من الحزم. فلا يمكن أن تتسامح الدول العربية مع أي طرف إقليمي يهدد أراضي ومنشآت ومياه دول عربية شقيقة وعزيزة، أو أن يسعى لممارسة نفوذه في الدول العربية من خلال ميلشيات طائفية تعمل لتحقيق مصالحه الضيقة.
وبنفس المنطق، فإنه لا يمكن أن تقبل الدول العربية استمرار تواجد قوات احتلال عسكرية لطرف إقليمي على أراضي دولتين عربيتين شقيتقين، أو أن يدعم طرف إقليمي بالسلاح والعتاد سلطة ميلشيات، ويغذي الإرهابيين على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي كله.
إن الأمن القومي العربي، وما يقوم عليه من علاقات جوار سليمة وصحية، يقتضي في المقام الأول وقفة صـ، وقفة صدق وحزم، مع كل طرف إقليمي يحاول التدخل في الشأن العربي، كما يقتضي وقفة مصارحة ومراجعة مع أي طرف عربي يحيد عن مقتضيات الأمن القومي العربي، ويشارك في التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
لقد اجتمعنا اليوم، لنوجه رسالة تضامن لا لبس فيها مع الأشقاء في كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولنجدد عزمنا على بناء مقاربة استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي، تستعيد زماما لمبادرة التاريخية للعرب، وتتناسب مع حجم المخاطر والتحديات التي تواجه أمننا العربي في هذه المرحلة، ومع طبيعة الامال التي تعلقها الشعوب العربية على اجتماعنا.
وفقنا الله جميعًا لما فيه خدمة قضايا أمتنا العربية وصيانة أمنها القومي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ألقيت الكلمة في مكة المكرمة، بحضور الملك سلمان بن عبد العزيز، والسيد أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، وعدد من ملوك ورؤساء الدول العربية الشقيقة.
خدمة الخطابات الكاملة للسيسي تجدونها في هذا الرابط