زيارتي السادسة إلى بلدكم الصديق، خلال السنوات الخمسة الماضية، يعد خير دليل على عمق وصلابة العلاقات بين بلدين يُمثلان أقدم حضارتين في التاريخ الإنساني، وهو ما تم ترجمته في إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين عام 2014، وتم تطبيقه على أرض الواقع عام 2016.
بسم اله الرحمن الرحيم،
فخامة الرئيس شي جين بينج،
أصحاب الفخامة، رؤساء الدول والحكومات،
الحضور الكرام،
أود بداية تقديم خالص الشكر للسيد الرئيس شي جين بينج، وللشعب الصيني الصديق، على ما لمسناه من حفاوة الضيافة والاستقبال، كما أود أن أهنئكم فخامة الرئيس، على اقتراب احتفالكم بمرور 70 عامًا على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، والتي كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تعلن اعترافها بها.
ولا شك أن تواجدي معكم اليوم، في زيارتي السادسة إلى بلدكم الصديق، خلال السنوات الخمسة الماضية، يعد خير دليل على عمق وصلابة العلاقات بين بلدين يُمثلان أقدم حضارتين في التاريخ الإنساني، وهو ما تم ترجمته في إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين عام 2014، وتم تطبيقه على أرض الواقع عام 2016، من خلال برنامج تنفيذي لتعزيز تلك الشراكة، خلال السنوات الخمس التالية، وعلى نحو يؤسس لإطار حاكم للتعاون، مع شريك واعٍ بالمصالح المشتركة بيننا، سواء في الإطار الثنائي بمختلف المجالات، أو على المستوى الدولي والإقليمي، بشكل عام، وارتباطًا بأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
السيدات والسادة،
إن حرصي على تلبية دعوة صديقي فخامة الرئيس، شي جين بينج، للمشاركة في هذه القمة، إنما ينبع من اهتمام مصر بمبادرة الحزام والطريق، ولإيماننا بأن القواسم والتحديات المشتركة التي تجمعنا كدول أطراف فيها، جنبًا إلى جنب مع الرؤية التي تأسست عليها المبادرة، ومحاورها ومشروعاتها، ينبغي أن تشكل أسس التعاون بين أطرافها، بقصد تحقيق تطلعات شعوبنا ومصالح دولنا تجاه الاستقرار والتنمية.
واتساقًا مع ما تقدم، فإن المبادرة تتناول قطاعات ومجالات حيوية، ذات أولوية بالنسبة لنا في إطار رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، مثل الارتقاء بالبنية التحتية في مجالات النقل والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات، ومشروعات ربط المرافق، كما تتفق مع أولوياتنا التنموية، من حيث تحفيز النمو الاقتصادي والتصنيع، وتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي، وزيادة حركة التجارة البينية والتكامل المالي، بالإضافة إلى زيادة التواصل بين الشعوب من خلال تعزيز التبادل الثقافي.
ومن نفس المنطلق، فإن أهداف المبادرة تتسق مع جهودنا لإطلاق عدد من المشروعات العملاقة ذات العائد الكبير والفرص الاستثمارية المتنوعة، وفى مقدمتها محور تنمية منطقة قناة السويس، القائم على إنشاء مركز صناعي وتجاري ولوجستي، يوفر فرصًا واعدة للشركات الصينية، وللدول أطراف المبادرة، وغيرها من مختلف دول العالم الراغبة في الاستفادة من موقع مصر الاستراتيجي كمركز للإنتاج وإعادة تصدير المنتجات إلى مختلف دول العالم، وخاصة لتلك الدول التي تربطنا بها اتفاقيات تجارة حرة، لا سيما في المنطقة العربية وأفريقيا وأوروبا.
وفى مسار مواز، ومكمل لهذا الجهد، يتم تنفيذ برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي، يستند لحزمة من التدابير المالية والنقدية، لمعالجة الاختلالات الهيكلية، وضبط الموازنة العامة، وتوفير بيئة مواتية لجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما انعكس في الطفرة الصاعدة للمؤشرات الكلية للاقتصاد المصري.
وإضافة لذلك، فقد طورت مصر من قدراتها على إنتاج وتوفير الطاقة وتنويع مصادرها، وبشكل يؤهلها لتصبح مركزا إقليميًا للطاقة، وخاصة في ضوء ما يمثله موقعها الاستراتيجي على جانبي قناة السويس، من إمكانية نقل وتخزين وتداول المنتجات البترولية والغاز، انطلاقًا من كون مصر مركزًا لحركة الشحن المتدفقة بين أسواق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.
السيدات والسادة،
إن رؤيتنا تجاه تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي، تتسق أيضًا مع مبادرة الحزام والطريق، ففي السياق العربي، شهدت العلاقات العربية الصينية طفرة مهمة منذ عقد القمة الأولى لمبادرة الحزام والطريق في مايو 2017، حيث عقدت ببكين الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في يوليو 2018، وتم اعتماد الإعلان التنفيذي العربي الصيني، الخاص بمبادرة الحزام والطريق، كما أن هناك مقترحات للربط الكهربائي بين عدد من الدول العربية وبعض أطراف المبادرة، جاري دراسة تنفيذها.
وعلى الصعيد الإفريقي، فإن الرئاسة المصرية الحالية للاتحاد الإفريقي، تضفي بعدًا مهمًا فيما يتصل بمبادرة الحزام والطريق، حيث أكدت قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي في سبتمبر 2018 حرص الصين على التنسيق مع الدول الإفريقية في القضايا المختلفة التي تناولتها القمة، لا سيما أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي، وأجندة الأمم المتحدة 2030، وكلها أبعاد تتلاقى مع الأولويات التي طرحتها مصر في القمة الإفريقية الأخيرة، كمحاور لتعزيز العمل الإفريقي المشترك، وتحقيق التنمية والسلم والأمن في قارتنا الإفريقية، وكذلك التكامل (كلمة غير واضحة) فإننا نرحب بتدشين شراكات جديدة، وتعزيز الشراكات القائمة في إطار مبادرة الحزام والطريق، مع الصين والأطراف الأخرى للمبادرة، من أجل الإسهام في تعزيز جهود دول القارة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والإرتقاء بمستوى معيشة المواطن الإفريقي، ومثال ذلك تنفيذ ممر الشمال الجنوب، طريق القاهرة كيب تاون، الذي يهدف إلى زيادة معدلات تدفقات التجارة والاستثمار البيني.
وبالمثل، نتطلع إلى إقامة شراكات في إطار تنفيذ مشروع الربط الملاحي، بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، كأحد مشروعات البنية التحيتة المدرجة ضمن أولويات تجمع الكوميسا، لما يحققه من مصالح اقتصادية وتجارية متعددة، فيما يتعلق بربط الدول الواقعة على هذا المجرى الملاحي.
كما أغتنم هذه الفرصة، لأدعو الشركات والمؤسسات التمويلية في إطار مبادرة الحزام والطريق، إلى المساهمة في مثل تلك المشروعات، فكما تعلمون، أن نجاحها وغيرها من المشروعات، يتطلب توفير التمويل اللازم، وبشروط تتلاءم مع ظروف الدول النامية، والأقل نموا، خاصة في قارتنا الإفريقية، وبشكل لا يحملها أعباء إضافية، وهو ما يستوجب تضافر العمل المشترك، من خلال شراكات فاعلة بين الحكومات، ومؤسسات التمويل، والقطاع الخاص، لضمان التدفقات اللازمة لسد الفجوة التمويلية.
السيدات والسادة،
في الختام، أود الإعراب عن التطلع لنجاح أعمال هذا المنتدى ونقاشاته الموضوعية، والخروج منه بنتائج عملية يمكن البناء عليه، يمكن البناء عليها مستقبلا، من أجل إسهام مسارات ومشروعات المبادرة في تعزيز التنمية المستدامة، ومد جسور التواصل فيما بيننا، وشكرًا جزيلًا.
ألقيت الكلمة في العاصمة الصينية بكين، بحضور الرئيس الصيني شي جين بينج، وفلاديمير بوتين، رئيس روسيا، وعدد من رؤساء وحكومات دول العالم.
...
خدمة الخطابات الكاملة للسيسي تجدونها في هذا الرابط