"لا للعهدة الخامسة" هكذا هتف آلاف المتظاهرين في أغلب المدن الجزائرية، للأسبوع الثاني على التوالي، ضمن دعوات التظاهر رفضًا لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (82 عاما) لفترة رئاسية خامسة، وذلك ضمن دعوات التظاهر تحت عنوان "حراك 1 مارس" في خضم تصاعد الغضب الشعبي المتزايد من تمسك بوتفليقة للترشح مرة أخرى، على الرغم من غيابه شبه التام عن الحياة السياسية منذ تعرضه لوعكة صحية منذ ست سنوات.
دعوات التظاهر في البداية انطلقت من منصات التواصل الاجتماعي لدعوة الجزائريين للتظاهر يوم الجمعة 22 فبراير/شباط. وهو الأمر الذي استجاب له العديد من المواطنين. وتجلى في المسيرات السلمية يوم الجمعة الماضية في شوارع العاصمة والمدن الجزائرية.
إذ تصدرت العديد من الوسوم - هاشتاج- قائمة الترند على تويتر للتعليق أو تغطية الاحتجاجات في الشوارع والميادين الجزائرين، فبينما كان هاشتاج "لا للعهدة الخامسة" الجملة الرئيسية للتعليق والتغريد على التظاهرات التي تجوب الشوارع، كانت هناك عدة وسوم تحتل قائمة الترند الجزائري منها "حراك 22 فيفري"، "non au 5eme mandat" وهو ما تكرر للأسبوع الثاني مع تصدر هاشتاج "حراك 1 مارس" قائمة الترند في الجزائر.
دفعت مسيرة "حراك 22 فيفري" آلالاف الجزائريين للنزول إلى الشوارع والميادين في العاصمة احتجاجًا على سعي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لفترة رئاسية خامسة في الانتخابات الرئاسية والمقرر أن تشهدها البلاد في 18 أبريل/نيسان المقبل، وهو ما أعقبه قيام السلطات الجزائرية إغلاق جزئي لشبكة الإنترنت في مدينتي "تيزي وزو"، و"برج منايل". بعد تزايد حدة المظاهرات السلمية، على الرغم من اشتباكات محدودة تحدث من حين لآخر كلما اقترب المتظاهرون من القصر الرئاسي في العاصمة الجزائرية.
تذكير بالماضي وتهديد بسوريا
الحراك السلمي في الجزائر يُعد أكبر تجمع تشهده العاصمة الجزائرية منذ مسيرة "العروش" في 14 يونيو/حزيران عام 2001. والتي اندلعت بمناطق القبائل وامتدت إلى العاصمة وذلك عقب مقتل طالب ثانوي داخل أحد مقرات الاحتجاز التابعة لقوات الأمن الجزائرية في قرية بني دوالة بمنطقة تيزي وزو، الواقعة شرق العاصمة الجزائرية.
وهو ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة و آلاف المتظاهرين في حينها، أدت إلى سقوط 60 قتيلاً وأكثر من ألفين مصاب. وهو ما أعقب ذلك إصدار الحكومة الجزائرية قانون بمنع التظاهر في العاصمة دون الحصول على تصريح مسبق. وهو القانون المعمول به حتى الآن منذ 19 عامًا.
عرفت آنذاك المسيرة بأسماء عديدة منها "الربيع الأسود" و "الربيع الأمازيغي" بعد رفع عدة مطالب من بينها الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية للبلاد بجانب اللغة العربية وهو ما أدى إلى اعتماد اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد شأنها شأن العربية ضمن مشروع تعديل الدستور الجزائري عام 2002.
وهوما ذكّر به أحمد أويحيى، رئيس الوزراء الجزائري في كلمة ألقاها في البرلمان قبيل انطلاق تظاهرات الأول من مارس/آذار بيومين. قال أويحيى إن "الناس فرحانة إن المتظاهرين قابلوا الشرطة بالورود.. نذكر بعضنا وأياكم أن التظاهرات في سوريا بدأت بالورود أيضًا" وهو ما أعقبه انسحاب نواب المعارضة من الجلسة احتجاجًا، فيما اعتبروه تهديدًا من الحكومة للمتظاهرين والحراك السلمي الذي تشهده الجزائر.
بوتفليقة.. التلاعب بالدستور للوصول للعهدة الخامسة
جاء إعلان مدير حملة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن تقدمه رسميًا للترشح مرة أخرى في الثالث من مارس/آذار ، بمثابة تحدي للاحتجاجات التي تشهدها الجزائر رفضًا لترشح بوتفليقة.
منذ توليه زمام الحكم في الجزائر في 27 أبريل سنة 1999 عبر انتخابات رئاسية أقرب إلى الاستفتاء بعد انسحاب جماعي لكافة المرشحين وعدم الاعتراف بشرعية نتائجها بعد اتهامات بالتزوير لصالح عبد العزيز بوتفليقة. بدأ مسلسل التعديلات الدستورية على فترات زمنية متقاربة والتي ساعدت في تمكن بوتفليقة للترشح لفترات رئاسية أخرى كان مجموعها 20 عامًا لمدة أربع فترات رئاسية متتالية.
وذلك بتعديله الدستور مرة عام 2008 ليتم إلغاء تحديد فترات الرئاسية بعد أن كانت محددة سابقًا بترشح لفترتين رئاسيتين فقط لمدة خمس سنوات. قبل أن يعيد بوتفليقة تحديد فترات الرئاسة مرة أخرى لتصبح فترتين رئاسيتين فقط طبقًا للتعديلات الدستورية الأخيرة في 2016 وعلى هذا الأساس يترشح بوتفليقة من جديد.
محاولات متكررة للحاق بالربيع العربي
عقب نجاح الاحتجاجات في تونس بإطاحة زين العابدين بن علي، وتخلي مبارك عن الحكم بعد ثورات 2011، بدا التغيير ممكنا ويلوح في الأفق في الجزائر، لتبدأ عدة دعوات للتظاهر والاحتجاج، تزامنًا مع قيام مواطنين بإضرام النار في أنفسهم على غرار الشاب التونسي محمد البوعزيزي. ولعل حادث إضرام الجزائري محسن بوطرفيف ذو الـ 27 عامًا النار في نفسه، اعتراضَا على رفض رئيس البلدية منحه وظيفة. في خضم احتجاجات عنيفة على نطاق واسع في عدة مدن جزائرية، أدت إلى سقوط قتلى في صفوف المتظاهرين. في ظل احتجاجات على تردي الأوضاع الاقتصادية والارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية كالسكر والزيت. لكن انتهت الموجة بحملة قمع كبيرة ضد المحتجين، ولعب تردي الأوضاع في البلاد التي قامت فيها الثورات دورا في عودة الأمور إلى الهدوء مرة أخرى.
مرشحون محتملون.. إحتجاز وتضييق وإقامة جبرية
المتابع لمسير الاحتجاجات في الجزائر قد يلاحظ بعض المسيرات التي تتجمع أمام منازل بعض المرشحين بدءًا من مسيرات أمام منزل رشيد نكاز، مرورًا بمسيرة امام منزل غاني مهدي، وأخيرًا مسيرة أمام منزل الرئيس الجزائري السابق الأمين زروال (78 عامًا) تدعوه للترشح مجددًا للرئاسة. نستعرض في السطور التالية أبرز المرشحين الذين أعلنوا نيتهم الترشح في الانتخابات الجزائرية المقرر انعقادها في أبريل/ نيسان المقبل. وبموجب القانون الجزائري على المرشحين تقديم أوراق ترشحهم إلى المحكمة الدستورية الجزائرية قبل الرابع من مارس/آذار.
- فيسبوك رشيد نكاز Vs. إعلام بوتفليفة
مصوبًا كاميرا هاتفه على أنصاره خلال مسيراته أو جولاته بالمدن لاستكمال جمع التوقيعات، بث مباشر قد يصل إلى قرابة الساعة عبر صفحته الرسمية في فيسبوك ليس من قبيل أحد أنصار أو مساعديه ولكن يقوم بذلك بنفسه بهاتفه الشخصي. وهى الطريقة التي تواكب عصر السوشيال ميديا في ظل إعلام خاص يدور في فلك الإعلام الرسمي للدولة.
إذا كنت لست جزائريًا وتريد متابعة ما يحدث في الجزائر ليس عليك سوى متابعة حساب السياسي ورجل الأعمال الجزائري رشيد نكاز بالإضافة إلى الوسوم المتداولة على تويتر لمعرفة ما يجري في الجزائر، ولكن من هو رشيد نكاز؟
مرشح محتمل يحاول الترشح في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2007 وتأسيس حزب سياسي مرورًا بإعلان ترشحه مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2012، ولكن لم يستطع تخطي الجولة اﻷولى في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي الفرنسي.
https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fleprince.delaville.52056223%2Fvideos%2F403417573726268%2F&show_text=0&width=560لم تكد تمر شهور على فشله في الترشح في الانتخابات الرئاسية الفرنسية إلا وغير نكاز بوصلته نحو الجزائر بلده الأصلي معلنًا تخليه طواعية عن الجنسية الفرنسية وإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية الجزائرية عام 2014. ولكن لم يستطع تقديم التوقيعات المطلوبة لاستيفاء أوراق الترشح بعد إعلانه اختفاء السيارة التي حوت التوقيعات قبل تسليمها في الموعد المحدد.
وبالعودة إلى الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقرر عقدها في 18 أبريل/نيسان المقبل، أعلن رشيد نكاز ترشحه لرئاسة الجمهورية، والعمل على استيفاء الأوراق المطلوبة والتي تمكنه من الترشح رسميًا ومنها جمع 60 ألف توقيع من 25 ولاية جزائرية.
وهو ما بدأ فيه بالفعل قبل حراك 22 فبراير. بالبدء في جمع التوقيعات من عدة مدن جزائرية قبل أن تعتقله السلطات الجزائرية يوم 24 فبراير/ شباط الماضي وتفرض الإقامة الجبرية عليه في مسقط رأسه بولاية الشلف (200 كلم غرب العاصمة الجزائرية) لبرهة من الوقت بعد جولة في مدينة تيزي وزو لاستكمال جمع التوقيعات لكي يتمكن من الترشح رسميًا إلى الرئاسة الجزائرية. وهو ما دفع إلى تصدر هاشتاج "Nekkaz" قائمة الترند على تويتر في الجزائر.
توثيق رشيد مسيراته وجولاته في الشارع الجزائري باستخدام البث المباشر عبر هاتفه الشخصي على منصات التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي وثق فيه تعرضه لمضايقات أمنية من قبل الشرطة الجزائرية مرورًا بتوثيقه بالفيديو في أكتوبر 2017 لحظة الاعتداء عليه بالضرب من قبل نجل الرئيس السابق للبرلمان الجزائري عمار السعداني.
سعي النكاز للترشح إلى الانتخابات الرئاسية قد يواجه بعد العقبات القانونية والدستورية؛ فالقانون يفرض عدة شروطًا على المترشحين لقبول أوراق ترشحهم للانتخابات الرئاسية، تتمثل تلك الشروط التي يمكن أن تكون عقبة في حالة نكاز القادم مؤخرًا من غرف السياسة الفرنسية إلى المشهد السياسي الجزائري، في أن يكون المترشح للرئاسة مقيم بشكل غير متقطع في الأراضي الجزائرية لمدة عشرة سنوات سابقة على تقديمه أوراق ترشحه، وضرورة تمتع الزوجة والأب والأم بالجنسية الجزائرية دون سواها. على الرغم من تمتعه بشعبية وسط قطاعات شبابية إلا أن يصف بعض الجزائريين بـ"البهلوان" و"المحب للأضواء".
- غاني مهدي.. إعلامي رهن الإحتجاز
https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FGhaniMahdi%2Fvideos%2F378832329606050%2F&show_text=0&width=267أعلن الإعلامي الجزائري غاني مهدي ترشحه للرئاسة في أكتوبر/ تشرين أول عبر خلال بث مباشر عبر صفحته الرسمية في فيسبوك، معلنًا البدء في جمع استمارات التوقيعات والتي حددها القانون الجزائري والبالغ عددها 60 ألف توقيعًا. ليواجه بعدها أنصاره تعنتًا من السلطات الجزائرية متمثلة في مراكز تحرير التوكيلات له.
بداية من احتجازه لمدة من الوقت في الليلة السابقة لتظاهرات "1 مارس" عندما ألقت قوات الشرطة الجزائرية القبض عليه من داخل محطة للمترو، قبل أن تفرج عنه ليشارك مجددًا بالاحتجاجات في العاصمة الجزائرية الرافضة لترشح بوتفليقة.
لكن غاني ربما يواجه عراقيل قانونية طبقًا للتعديلات الدستورية التي أدخلها بوتفليقة على الدستور الجزائري والتي تشترط ضرورة أن يكون المرشح للرئاسة أمضى عشر سنوات دون انقطاع في الجزائر، وهو الامر ربما يكون غير متوفر في غاني الذي أمضى عشر أعوام متنقلاً بين لندن وجنيف حيث كان يعمل مقدمًا لبرنامج " واش قالوا في الجرنان؟" في قناة العصر في جنيف قبل أن يتعاقد على إذاعة برنامجه في قناة "المغاربية" من لندن.
- علي غديري.. جنرال متقاعد يسعى للرئاسة
أعلن اللواء المتقاعد علي غديري ترشحه للانتخابات الرئاسية الجزائرية في 20 يناير/كانون الثاني الماضي. داعيًا إلى "تطبيق ديمقراطية حقيقية في الجزائر". ترشح غديري جاء بعد أسبوعين من تحذير وزارة الدفاع الجزائرية للعسكريين المتقاعدين من الخوض في السياسة بعد عدة مقالات صحفية كتبها عسكريون متقاعدون بشأن الانتخابات الرئاسية. يرى بعض الجزائريين ترشح غديري على إنه مرشح أنصار الفريق محمد مدين والشهير باسم الجنرال توفيق، رئيس المخابرات الجزائرية السابق.
https://twitter.com/mlypemenos/status/1092874214036725761?ref_src=twsrc%5Etfwالقايد صالح.. من بيده الملك فعليًا
لم تكد تمر ساعات على انتهاء تظاهرات "حراك 1 مارس" والتي شهدت اشتباكات عنيفة بالقرب من القصر الرئاسي بين الشرطة والمتظاهرين، إلا ونقلت شبكة "يورو نيوز" خبرَا مفاده عن عودة طائرة الرئاسة الجزائرية من جنيف إلى البلاد دون وجود الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على متنها" بعد طلب قائد الجيش الجزائري الجنرال القايد صالح من بوتفليقة البقاء في جنيف حتى يوم الثالث من مارس/آذار، وذلك بحسب مصادر عسكرية لم تسمها يورو نيوز. ويوافق هذا اليوم الموعد المحدد في وقت سابق من مدير الحملة الرئاسية لبوتفليقة لتقديم أوراق الترشح الرسمية.
إذا كنت متابعًا للقنوات الرسمية الجزائرية خلال فترة بداية الاحتجاجات، ستلاحظ تغير في نغمة وصف ما يحدث في الجزائر بدءًا بحجم التغطية الإعلامية، في الأسبوع الأول للمظاهرات كان التركيز على الاحتجاجات تزامنًا مع وصف المتظاهرين بأعمال الشغب مرورًا بفرض مساحة لتغطية اجتماعات ومؤتمرات الحملة الرئاسية لعبد العزيز بوتفليقة.
إلا أن مع "حراك 1 مارس" بدى هناك تغيرًا ملحوظ في اللهجة الإعلامية الرسمية تجاه المتظاهرين، إذ وصفت قناة "دزاير نيوز" تظاهرات "الفاتح من مارس" بـ"السلمية" و"الحضارية" مرورًا بزيارة وزير الداخلية الجزائري للمصابين من المتظاهرين وأفراد الشرطة للاطمئنان عليهم، فيما أكد مدير الأمن الوطني الجديد أن مرتكبي أعمال الشغب التي شهدتها العاصمة الجزائرية بالقرب من القصر الرئاسي ليست لديهم صلة بالمتظاهرين السلميين.
ويبقى السؤال الدائر عبر منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر: هل سيفعل الجيش الجزائري المادة 102 من الدستور، والتي تنص على "إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع.
يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها خمسة وأربعون يومًا رئيس مجلس الأمّة الّذي يمارس صلاحيّات الرئيس" حتى إجراء انتخابات جديدة بعد تسعين يومًا من إعلان شغور المنصب.